الثلاثاء، يوليو 31، 2012

أمـــل و عمــــل



شمــس يَكْسُوها الخجـــل ساعة الإشـــراقِ
ونهــار يستَفِيقُ فيَنسكب بالسهلِ والأفــاقِ
وطيــــور ترسم بسمة بالقلــبِ والأحـــداقِ
كل الــورى تصحو موقنة بالجُود والإغدَاق
من يد الله الجـواد الكريـــم مُقَّسِـــم الأرزاق
وأنت يا إنسان مالك واجم مُطبق الأشـــداق
كأن الكونَ من حولك ظَالم أو سئ الأخــلاق
ولو حَسُنَت منك النوايـا لنِلتَ عَظِيم خَـــلاق
نَقِّي السريرة واستقم،تلك هي بداية الإعتاق
وَاري هُمومك بالرضا وتَوَكل على الخَـــلاق
إشحذ حَماسك بالأمل،فَقْد الأمل أول الإخفاق
جَرّد سلاحك وأنطلق لا تنتظر نظرة الإشفاق
إبدأ طريقك وانتفض،إن الكسل بذرة الإملاق
..
...
- كنت أقول له :
تعبان يا عم عبد العزيز، شكلي مش هأشتغل بكرة !
- فيرد بكل ثقة و بصوته الهادئ و لهجته الجميلة :
كل يوم بيجي بعافيته، بكرة تصحى من النوم زي الحصان !!
.. و هذا هو ما كان يحدث بالضبط !
...
كل يوم و قبل أن نغادر فراشنا يرزقنا الله عافية جديدة،و أمل جديد ،و حكمة جديدة، و فرصة جديدة، و لكن بعضنا يغادر الفراش و ينسى أن يأخذ هذه العطايا معه !
..
...

الأحد، يوليو 29، 2012

بلِّـــغ فِــــراري



نحن من لا نبحث عن مناسبة لنبكي و ننوح
فموائدنا دوما عامرة
ومأتمنا دوما مُقامة !!
....
.......
بَلِّغ فِــرَاري
وقُل عني جَبان و هَرب
فأيُ حرب تلك التي أخوضها
بلا إيمان أو بقايا غضب
بلا صَليـل و لا صَهيــل
على ظهرِ حِصانٍ من خشب !!

سلاحي سيف من ورق
مٌرتخي
كروح كسيــرة
أتاهَتها كثرة اللّغْــب
و درعي صفيح يفضحني
و يُظهرني كطير ضئيل
يواري عُرِيَهُ بالزَّغَـــب !!

الجيش من حولى عبيد
تشردوا بالبيادي
وحقول العنــب
فَارِعهم قِزم وشُجَاعهم رعديد
فطعَامهـم ذُل وشرابهم تمجيد
أرواحهــم صدأت
وأُصِيبوا بالجَـرب !!

ساحتي مقبرة
والخطة وضِعَت للهــرب
فالكَـرُّ ما ذُكِرَ لَنَا
وقد نساه من رسم
 وخطط وكَتَب
و تَعْجَبُ
فنحن من تَغَنَينَا قرون
بأن السيـــفَ
أصْدَقُ إِنْبَاءً من الكُتُبِ !!

..

بلغ فراري
و أنشد في لعني
ألاف القصائد و الخُطًــب
وأدّعِي ما شئــتَ
فلن يضنيك إختلاق السبب
فهل فرق معهم يوما
الصدق الصريح
من بيِّن الكـــذب ؟!

ألم يصلكم بعد يا عرب
وأنتم أهل البلاغة
والخطابة و الطــرب
أن السيف بتَّــار
فنَصْله عِـــزة
والمقبض من شجاعة كالذهب
وكونه من كرامــة قد صُنع
وليس من شجب و تنديد
و قشور غضـــب !!

الجمعة، يوليو 27، 2012

الشيــخ فكـــري (2)


   مشيت مع الشيخ فكري شابكا ذراعي بذراعه،و بين حديثنا كان يقاطعني بلطف و يقول :
- إحود ( لف،إتجه) شمال !
- الشارع الجاي يمين !
- خد بالك ألا في عتبة واكلة نص الشارع تخبط فيها !!
لم أمش أنا تقريبا هذا الطريق من قبل،و لو حدث ربما لن أتذكر - و أنا المُبصر - تفاصيله بهذه الدقة التي يعرفه بها الشيخ فكري ، و هو الكفيف !
في الطريق أوقفني،ثم إستدار يمينا، ولاحظت حينها مجموعة من الأطفال تلعب كرة القدم و قد تعالت و أختلطت أصواتهم بكلمات التهليل و السباب أحيانا،  ثم نادى بإسم معين بصوت عال، فإذا بطفل صغير يأتي عندما سمع النداء ورءانا.
إعتدت على الذهول ، و لكني طبعا تساءلت، كيف إستطاع أن يميز صوت هذا الطفل من بين أصوات أقرانه التي تشابهت جميعها و أختلطت ببعضها البعض،و كيف و أنا أُحَدّثه لاحظ ذلك على الرغم من أنني لم ألاحظ تماما !
إقترب الطفل و سلم على الشيخ فكري،و داعبه الشيخ ببعض الكلمات ثم سأله :
تعرف دار فلان الفلاني ؟
- فأجاب الولد :
أعرف !
- فقال له الشيخ فكري :
طيب وديني ( إذهب بي ) هناك
- ثم إستدار إلي و قال :
هتعرف ترجع لوحدك يا أبوصالح و لا أوصلك ؟!
- ضحكت و أجبته :
لا لا هأعرف أرجع لوحدي!
مع السلامة يا شيخنا !!
...أتذكر بعدها بسنوات كنت أجلس أمام محل خالي منير،و إذا به يمر بصحبة حفيده، كان يبدوا أنهما قد أتيا من مكان بعيد ، و ما أذهلني كالعادة هو أنه عندما مر من أمام المحل تماما سأل حفيده :
مش إحنا قدام محل الأستاذ منير دلوقت ؟!!
...
ربما قص الكثيرون نوادر و حكايات و أعاجيب عن الشيخ فكري،و لكن كان من أجمل و أطرف مواقفه هذا الموقف الذي يقصه هو بنفسه.
يقول أن زوجته أم زويل ( و زويل هذا هو إسم عائلتها ) قد أغضبته في شئ ما أحمق، وصراحة هي طيبة جدا و صادقة و بها كل الصفات الطيبة،و لكنه تعصب جدا و أراد أن يعاقبها بشكل ما، و لكن في نيته أنه بعد أن يفعل بثانية واحدة سيطلب منها السماح و يصالحها !
يقول أنه إغتاظ جدا،و رأته زوجته و هو يسير بإتجاه عصاه ( عكازه الذي يسير به ) و يتناوله من مكانه ، فخمنت أنه سيقوم بضربها،رغم أنه لم يفعلها من قبل أبدا.
يقول الشيخ فكري أنه تناول العصى و بدأت المطاردة بينه وبين زوجته، بدأت تجري في أنحاء البيت و هو يجري خلفها و يستدل على مكانها من صوتها، إلى أن دخلت غرفة النوم، فدخل خلفها و أغلق الباب، و لكن ما حدث هي أنها قد إستكانت في ركن من أركان الحجرة و صمتت تماما و كتمت أنفاسها كي لا يستدل على مكانها، و دار الشيخ فكري برأسه شمالا و يمينا محاولا سماع أي نفس ليستدل به عن مكانها و لكنه عجز، فحاول إغرائها على الكلام بكل السبل :
- طيب قوليلي بس ليه عملتي كدة؟
- طيب ليه ما قولتيش من الأول ؟
- طيب الواد محمد طلع إمتى ؟ و فطر و لا ما فطرش ؟!
..كل هذا و هي صامتة و ساكنة تماما !!
يقول أنه لم يستسلم، فخطر على باله شئ خبيث يعلم أنه سيأتي بنتيجة فعالة ، فقال لها بصوت غاضب و حزين :
بقى بتتلحسي ( تخرج له لسانها ) عليا يا أم زويل !!
و هنا نطقت زوجته الطيبة تنفي التهمة عنها :
و الله ما اتلحست عليك يا شيخ فكري !
..و هنا طااااخ
ضربها بالعصى الضربة التي كان يتمناها،و بعدها بدأ يضحك و هو يحاول مصالحتها و هي تتمنع عليه !!
...
....
بارك الله في عمرك يا شيخ فكري،و جزاك الله كل الخير على ما علمتنا،و على ما حفظتنا من القرآن.

الخميس، يوليو 26، 2012

الشيـخ فكـــــري (1)


   دوما ترتبط بالمكفوفين نوادر من الصعب جدا أن تحدث إلا معهم،و قد كان الشيخ فكري واحدا منهم ، فنوادره التي يتحاكى بها الجميع، تجد فيها إما موعظة تجعلك تقول سبحان الله، فهو لا يأخذ من العبد شئ إلا و يعطيه في مقابله أشياء وأشياء، و إما إنشراح، فصعب جدا أن تسمعها و لا تضحك من كل قلبك حتى تشعر بأن هناك في الحياة مازال يوجد شئ جميل !!
عشت معه بعض تلك النوادر بعد أن سمعت منها الكثير و الكثير، فالشيخ فكري ذلك الشخص الكفيف، كان في إستطاعته أن يقطع وحده الطريق من بيته إلى الطريق العمومي ليستقل سيارة الأجرة ليذهب إلى المعهد الديني في المدينة حيث يعمل أستاذا للغة العربية و بعض المواد الفقهية، فقد كان يقطع الشوارع بتعرجاتها و تعددها و تناثر بيوتها بكل سهولة و إحترافية حتى أنه كان يتفادى بعض النقاط المشهورة بوجود حفرة أو مستنقع ماء أو ماشابه بكل سهولة و هو ما قد لا ينتبه له العديد من المبصرون و ينالوا جزاءهم لقاء ذلك،سقطة توجعهم أو ماء قذر يغطي ملابسهم !!
كان يعلم أين يقف على الطريق و يشير إلى السيارة القادمة، لم يكن هذا هو العجيب، فالعجيب- بل العجيب جدا- هو أنه كان لا يشير إلا للسيارة التي لا يركب فيها أحد بجوار السائق ليركب هو بجانبه، و كل من تابعوه و راقبوه طوال سنوات عجزوا عن معرفة كيف يعرف السيارة التي يركب فيها أحد بجوار السائق من تلك التي لا يركب فيها أحد بجوار السائق !!
...
ذهبت و أنا صغير إلى كُتابه لأحفظ ما تيسر من القرآن، كنت أنا و رفاقي في بدايات التعليم الإبتدائي، نذهب إلى بيته صباحا و ننتظره خارج البيت حتى يستيقظ، و قد كان قد أنهى عمله في المعهد و تفرغ للقراءة في المأتم و تحفيظ القرآن، فيستيقظ و يخرج إلينا أمام البيت فيفرش- و أحيانا لا - بساط صغير يجلس عليه و نفترش نحن من حوله الرمل الناعم.
كان ما يذهلنا جميعنا هو كيف يعرف أن أحدنا يغش من المصحف و هو يُسمّع لنا ما هو مفروض أننا قد حفظناه !!
فقد كان يعلم ذلك جيدا و كأنه يرانا،و كان يقول لي :
يا واد يا أبوصالح إوعك تغش..شايفك !!
ربما كان أمتع يوم قضيناه عنده هو ذلك اليوم الذي جاء فيه أحد الأطفال المبتدئين الأصغر منا سنا،فبدأ يحفظه قِصار السور،و بدأ بسورة الإخلاص،و قال للولد :
قول ورايا،
قل هو الله أحد
- فيرد الولد وراءه:
هو الله أحد 
- فيكرر الشيخ فكري :
قل هو الله أحد !
- فيقول الولد :
هو الله أحد !
و نحن طبعا نكتم ضحكاتنا من حوله، فقد كان موقف مضحك جدا،منظر الطفل البرئ و هو يردد بحماس : هو الله أحد !
و منظر الشيخ فكري الذي قد بدأ الضيق يهاجمه،و لكنه تماسك و قرب الولد إليه أكثر و قال له ثانية :
قول ورايا ، قل هو الله أحد
فأنتظر الولد للحظات أعطت الشيخ فكري بعض الأمل و لكن الولد بعدها نطق :
هو الله أحد !
و هنا تمالك الشيخ فكري أعصابه،و كانه قد خطرت له فكره، فيبدو أن الصغير يعتقد أن ( قل ) في أول الكلام أمر له ليقول و ليست جزء من الأيه و عليه فهو يتخطاها و يقول : هو الله أحد !
- فقال الشيخ فكري هذه المرة و عنده أمل كبير :
قل قل هو الله أحد !
- فنطق الولد :
قل هو الله أحد !
فهلل الشيخ فكري مسرورا و هللنا جميعنا وراءه !!
...
ذات يوم - وقد كنت وقتها مازلت صغير - رأيته يمر من على الطريق أمام بيتنا وحده، فجريت إليه و سلمت عليه وسألته :
رايح فين يا شيخنا ؟
فأجاب رايح أولاد سلامة، ثم استطرد ، ما تيجي توصلني يا أبوصالح !
فرددت :
دا أنا خدامك يا شيخنا !
فرد :
الله يبارك فيك،وشبكت ذراعي في ذراعه و انطلقنا، فسألني :
تعرف دار فلان الفلاني ؟
- فرددت :
لا و الله يا شيخنا
- فرد :
ولا يهمك أنا عارفها !!
و كنت وقتها قد تخطيت مراحل التعجب و الذهول، فأنطلقت معه في الطريق بإتجاه وجهتنا التي يعرفها هو، و إذا كان المفروض هو أنني من يقود المسير لأنني المبصر ففي واقع الأمر هو من كان يقودني رغم أنه هو الكفيف !!
...
كي لا أُطيل نكمل المشوار مع الشيخ فكري بالغد إن شاء الله و نقص نادرة يحكيها هو عن نفسه.

الثلاثاء، يوليو 24، 2012

إنتحـــار



     كان لديه ما هو كفيل - في إعتقاده - بتبرير إنتحاره،كان يعتقد- بل يؤمن - أن الإنتحار هو سبيل خلاصه، بل هو سبيل خلاص الكثيرين، فلماذا حرَّمه الله؟ لماذا لم يترك لنا خيار إنهاء حياتنا عندما نريد و جعل هذا العمل خطيئة كبرى لا تُغتَفر،ألا يكفي أننا قد قدِمنا هذه الدنيا بلا أختيار، أيجب علينا أن نغادرها أيضا بلا أختيار؟
 كان هذا هو ما يسيطر على تفكيره طوال أيامه التي اشتعلت فيها فكرة إنتحاره،و لم يجد حوله ما يطفئها أو يمحوها، لماذا لا يملك الخيار في أن يموت ؟ إذا كانت هذه الدنيا بكل مافيها تعانده و لم تترك له مرة حرية الإختيار حتى في الأشياء التي فيها حرية الإختيار بديهية و يقبلها الجميع !
كان يرى و يؤمن أن حله الوحيد هو الموت،إنها الراحة ربي، فلما جعلتها محرمة ؟!
   ربما نحتاج أحيانا ولو لطفل صغير أن يُنبّهنا أو يقول لنا أنت على الطريق الخطأ، أو على طريق غير صحيح، لسنا دوما في حاجة لرأي أو كلمات تقنعنا بقدر ما نحن في حاجة لهذه الكلمات كي تجعلنا نفكر و وقتها سنصل لما يقنعنا بعدما سيطرت علينا فكرة أقنعنا أنفسنا بها لأننا لم نرى أحدا يشير لنا بما يضحضها و ينقضها..
و لكن ربما قد ضن عليه القدر بهذا أيضا و لم يضع في طريقه حتى كلب يعوي قد يلهمه أو يزيل غشوته.
...
من مكان إنتحاره هذا كان وحده في عالم و كل من حوله في عالم أخر،لم يكن يرى الناس من حوله رغم كثرتهم، ويبدو أنهم أيضا لم يكن بإستطاعتهم رؤيته، فيبدو أن الجميع أصبح لا يبالي و لا يرى إلا ما يريد و فقط، و لكن كان في إستطاعته أن يرى و يسمع بوضوح الملائكة من فوقه تلعنه و تدعوه للرجوع، و الشياطين من حوله تحفذه و تشجعه و تدعوه ليسرع و ينهي هذا الأمر..
ربما كانت لحظة ضوء هي ما قد جعلته يتراجع بعد أن كان بينه و بين القفز في أحضان النهر ثوان قليلة،ربما له الأن أن يختار، فليختار أن لا يموت !!
ظنه البعض مجنون عندما تراجع بعيدا عن السياج الحديدي للكوبري الذي كان يرتكن إليه بكفيه منتظرا اللحظة المناسبة للقفز لينهي هذه المسألة و هو يهتف :
هأختار هأختار !!
..
عندما نظر له من بعيد و هو رافعا ذراعيه و يبدو أنه يتكلم بصوت عالي، ظن ، و ربما أيقن ، أنه قد يقطع الطريق الأن فهو كان يبدو كالمجنون ،و لأنه كان يقود سيارته الأجرة في الحارة التالية للرصيف الذي يقف عليه مباشرة فقد خفض من سرعته حتى يتلاشى الإصتدام به إذا حاول قطع الطريق ليمر، و لكن ما حدث أنه رغم سيره ببطء حتى يتخطاه فوجئ به يقطع الطريق كما توقع ،و اصتدم بمقدمة السيارة، ظنه السائق لن يقع على الأرض فالصدمة ضعيفة و لكن ما أذهله هو أنه قد وقع على الأرض، و لكن ما صعقه بعدها عندما نزل ليطمئن عليه هو أنه وجده قد مات.
...
....

الاثنين، يوليو 23، 2012

بنظــرة أخرى


الحكمة لا تُقاس بالسن فكم من صغير حكيم و كم من شيخ سفيه.
..
القوة لا تُقاس بالعضلات فالجبن يدفن قوة الجسم و العضلات،و قوة العقل لا تغالبها قوة الجسد.
..
التسامح ليس ضعف،فهو كل القوة لأنك به تتغلب على عصبيتك، و الإنتقام ليس بطولة فالعفو أكرم و أشرف فهو من صفات الله.
..
التسرع ليس شجاعة لتعلن عن حماسك و حميتك، و التروي ليس جبن بل ذكاء فهو فرصة للتبين و إعادة الحسابات
..
الإعتراف بالخطأ فضيلة، لأنك بهذا قد حميت غيرك من إتباعه أو نهجه، و التأسف كرامة فهو عدل و قصاص
..
أعدل حكم تقضيه هو أن تُسَامِح أو أن تعفو، و أعدل حكم عليك هو أن تُسَامَح أو أن يُعفَى عنك
..
من يبيح للشيطان عقله و روحه كأنه أباح للناس شرفه و عرضه،فكما تدين تدان وهل سيقودك الشيطان إلا إلى الفواحش و الأثام !
..
ليس بالضرورة أن تكون حكيم لتتكلم و تعرض رأيك و تكون مؤثر فاحيانا يكون إستماعك و صمتك أبلغ و أحكم ما يقال، فكلام الحكيم و صمت غير العليم متساويان، فكلاهما هو ما يحل المشاكل و يفرج الازمات.

الأحد، يوليو 22، 2012

الأشيــاء و قيماتها


 تذكرت حدوتة كنت قد سمعتها من أبي منذ سنوات طويلة، وربما إلى اليوم مازلت حائر في مغزاها، ربما تستطيعون أنتم أن تروا فيها ما قد عجزت عن رؤيته..
..
تقول الحدوته..
كان في راجل كبير راح مع إبنه يشتروا جلابية،دخلوا المحل سألوا البياع:
ثمن المتر كام ؟
- رد البياع:
المتر بـــ ١٠ جنية
- قال الأب لإبنه :
ياه دا أرخص من زمان !!
إبنه أصابه الذهول و سأله بإستغراب:
إزاي يا والدي،هو زمان المتر كان بكام ؟
- رد والده:
كان المتر بــ ١٠ قروش
إزداد ذهول إبنه و سأله :
١٠ قروش؟ يبقى بــ ١٠جنية أرخص إزاي ؟!
- رد والده :
زمان كان أغلى رغم إنه كان بــ ١٠ قروش لأن الـ ١٠ قروش ما كانوش معايا، و دلوقت بــ ١٠ جنية أرخص لأن الـ ١٠ جنية معايا !!
...
ربما قيمة الشئ نُقدرها بمدى إحتياجنا له،أو مدى إستمتاعنا به، فمثلا الأُمّي قد لا يهتم بكتاب ما ولا يجد له أي قيمة و يفرش عليه طعامه أو يستخدمه في لف البضائع بينما قد يرى باحث أو قارئ هذا الكتاب ثروة، و كذلك ثمن الشئ بالنسبة لمن يملك و من لا يملك، من لا يملك يرى كل شئ باهظ الثمن،بينما صاحب المال تتساوى لديه الأشياء، بل و يبحث عن أبهظها سعرا و قد لا يقتنع بها و قد لا يُفرحه إمتلاكها.
ربما نحن نملك المال في أيامنا هذه و لكني أكاد أجزم بأننا قد فقدنا (البركة)، فحتى من يملك الكثير أصبح يشكو من العوز و الإحتياج،و إن لم يشكو من هذا فهو يشكو من أن كل شئ قد أصبح بلا معنى أو طعم أو سعادة في إمتلاكه !!
ربما منذ زمن كنت تجد من يتمنى أن يشتري ثوب جديد و لكنه لم يكن يملك ثمنه، و الأن صار في نظره الملبس الحرير مثل الملبس الخيش بعدما صار يملك ثمن الأثنين، و ربما كان هناك من يتمنى أن يأكل أبسط الأطعمة رغم أنها بملاليم و لكنه لم يكن يملك هذه الملاليم و يأكل عيشه حاف، الأن ربما لا يجد طعم لأشهى المأكولات التي أصبحت متاحة له ورهن إشارته، لم ترخص الأشياء في أثمانها و لكنها فقدت معناها و جوهرها، و أمتلكنا أضعاف ثمنها و مع ذلك نفتقدها، كَثُرَت الأشياء و قلَّت أو إنعدمت زهوتها، ربما عنائنا من أجل إمتلاك الشئ لم يجعلنا نستمتع به ، بل جعلنا نكرهه و لا نشعر بأي لذة بأمتلاكه.
إمتلأت الدنيا بما صٌنعَ - إدعاءا - ليريح الانسان و يسعده، فأتعبه و أحزنه، لأنه ببساطة قد أبعده عن الأنسان.  

السبت، يوليو 21، 2012

نظرية براد الشاي

ربما قد سمع الكثيرون منا عن نظرية براد الشاي،تذكرت هذه النظرية و نحن في أول أيام رمضان لأسباب ستتضح من خلال السياق..
تتلخص نظرية براد الشاي في أنك عندما تضع براد الشاي على النار و تقف تراقبه في انتظار غليانه تشعر و كأنه قد مرت ساعات و يأبى البراد أن يغلي و تظن أنه قد لا يغلي و لو مرت سنة،و لكن إن وضعته على النار و غادرت المطبخ و انشغلت لثوان في أمر ما تعود و قد وجدت أن براد الشاي قد أصابه الإعياء من كثرة الغليان !!
هكذا هو الحال في أشياء كثيرة في حياتنا اليومية،إن راقبناها في إنتظار حدوثها أو تمامها قتلنا الإنتظار و مرت علينا اللحظات كأعوام و إن غفلنا - أو تغافلنا - عنها للحظات إذا بها تحدث أو تتم و كأن هذا لم يأخذ من الوقت إلا بمقدار ما تأخذه رمشة العين !
و لأننا جميعنا قد دخلنا رمضان و لدينا علم مسبق أن أيامه هي من أطول الأيام منذ سنوات طوال، فترى البعض بدلا من أن ينشغل بعمله أو بعبادته ينشغل بمراقبة حركة الشمس و عقارب الساعات كمن يراقب البراد الذي لن يغلي، ولو انصب اهتمامنا و تركيزنا في شئ يشغلنا لمر الوقت- و قد استفدنا به - دون أن ندري و لتفاجأنا بصوت مدفع الإفطار !!
إجعل من فترة إنتظارك عمل يفيدك و يُفاديك قسوة و مرارة الإنتظار، قد نحتاج للصبر و لكن ربما يكون الصبر ليس بتحملنا قسوة الأشياء و عذابها وفقط بقدر ما يكون أيضا هو تحويل تفكيرنا إلى الإهتمام بشئ أخر يعطينا الأمل و التفاؤل بأن النهاية ستكون سعيدة و مرضية، ليس علينا أن نراقب عذابنا أو معانتنا بأعيننا ونحصي ثوانيها و لحظاتها حتى نشعر و كأنها أبدية لن تنتهي، فالإنشغال عنها سيجعلنا نصل لخلاصنا أسرع مما نتخيل، و ليس عليك أن تراقب بهم و غم ما فاتك أو ما فقدته فلن يستدير و يعود إليك،و لكن إن بدأت أو بحثت عن غيره ربما تصل قبله.
..
كان عندي الكثير بشأن هذه النظرية و لكن الأفكار قد إستعصت علي، ربما هذا من أجل أن نفعل دورنا في المشاركة بأن يضيف كلا منا ما عنده أو ما خطر له من أفكار.
...

الخميس، يوليو 19، 2012

نهايــة و بدايــــة



تاهت الــروحُ و أعياها الشتـاتُ
فحَلَلــت أهــلا وهانت النكبَــــاتُ
رمضـــانُ يا زائرا في العام مرة
فتَسعَدُ الأيــامُ و تزدهي النفحاتُ
قد جِئتنا و الخُطـــــوب كثيـــرة
فلربما تُفرجِ وتطيبُ الجراحــاتُ
إنا التمسنا فيـك قُوتنا وتقوَانـــا
واللهُ يعطي إن خَلُصَت الدعـواتُ
ربـــاه أنت المحيط بكل حادثـــة
فأنصر ضعيفا حوّطَتهُ المهلكـاتُ
وأحقن دماءا حرام أنت منشيها
وأحي قلوبا قد لوثتها الموبقـاتُ
...
.....
ربما سأكرر ما قد قلته بعد أيام قلائل من بداية حملة التدوين اليومي، فأنا قد سعِدت و تشرفت جدا بمعرفتكم جميعا، فهنا قد تعرفت على أشخاص هم قمم في الإبداع و الأخلاق، دخلت عالم ربحت منه الكثير و الكثير من الثروات التي ملأت بها خزائن قلبي و عقلي و روحي، ربما انتهت فترة حملة التدوين اليومي، و لكن التدوين لم و لن ينتهي، أتمنى أن نستمر جميعنا في التدوين اليومي قدر المستطاع،و أتمنى أن لا نفترق أبدا، و أظن هذا لن يحدث فأظننا جميعنا قد ترابطنا من خلال أضافة مدوناتنا لقائمة القراءة،و ربما أيضا في إمكاننا أن نستمر في نشر تدويناتنا على صفحة الحملة التي نعرفها جميعا، و هناك أيضا صفحة حملة التدوين السنوية- بيت المدونين التي أنشأتها الصديقة مها الخضراوي من أجل هذا الغرض،المهم هو أن نبقى دوما على تواصل ولا ننقطع عن الكتابة أو الزيارة فهناك أصدقاء لديهم مشاريع قصص و روايات يجب جميعا أن نتابعهم فيها حتى النهاية..و ما بعد النهاية.
الشكر و الإحترام و التقدير لكم جميعا،و أخص دكتورة شيرين سامي لأنها من دعتني لهذه الحملة فجعلتني أعود مرة أخرى للكتابة...شكري و تقديري و أحترامي و مودتي لكم جميعا لأنكم تابعتموني و شجعتموني و دعمتوني بالمدح و النصح، و أمتعتوني و أفدتوني بكتاباتكم.
...
....
أتى رمضان،و الحديث عن رمضان رغم تكرارنا له دوما نفشل في إعطاءه حقه أو وصف شعورنا بمقدمه ، أو عرض أمالنا و أمنياتنا بشأنه، ربما لن أتحدث عن أي من هذا، فقط سأتمنى للجميع رمضان سعيد، وأن يتقبل الله منا جميعا صالح أعمالنا، و طبعا أمنيتنا جميعا، أن يأتي الله بنصره الذي يرضاه لأهلنا في سوريا و أن يحقن دماءهم و دماء كل المسلمين و كل الأبرياء و الضعفاء في كل مكان على وجة الأرض..
كل عام و أنتم بخير و أمن و أمان و تألق و نجاح و سعادة.


الثلاثاء، يوليو 17، 2012

بُعـــــــاد



يا نائيـــــا في السكـــــــن
ولصيقــي في التواجــــــد
كــم أكابــد من شجـــــــن
ويقاسـي قلبـي الواجــــــد
نهـاري هيـم في وســــــن
وليلـي حبس من مواقـــــد
تجافي جنبـي في وهــــــن
وأبـى النـــوم إلا التعانــــد
كقمــري يغني على فنــــن
تَنُح روحي بشجيِّ القصائد
أبي ّكريم وأوصف بالحسن
وأقبل جوارك فتات الموائد
ما كنت يوما أسير لجبـــن
فصرت مُقيد الفم والسواعد
فعلتــي يعرفها كل فطــــــن
ودوائــي يطلب أن أجاهـــد
فهل لي يطيب سير الزمـــن
ويصبح القرب بديل التباعد
...
....

الاثنين، يوليو 16، 2012

عَـــرق



   خرج من باب الشقة و هو يجفف عرقه،فقد أخذ دش و غير ملابسه لمرتين و هو لم يغادر باب الشقة بعد، ولكن عندما أحس و رأى الغضب في عيني زوجته من مجرد تلميحه للدش الثالث و الغيار الثالث، قصر الشر و خيب أمل الشيطان الذي كان سيفرح جدا عند إنفجار خناقة بينه و بين زوجته في هذا الصباح الباكر !!
حسد أطفاله، فهم في أجازة و ليس هناك مدرسة و مازالوا نائمون،و هذا صراحة مستحيل- أي النوم- في هذا الجو الصيفي الفظيع الذي تساوى في شدة حرارته بين الليل و النهار، ففي كل الأوقات لا يتوقف الجسم عن إفراز العرق،و لكن ربما نومهم هذا بفضل التكييف الذي إشتراه من أجلهم بالقسط من أحد محلات الأجهزة الكهربائية بواسطة زميل له في العمل، ولكن هذا لم يمنع صاحب المحل أن يأخذ عليه شيكات بالمبلغ المتبقي، حتى إذا تأخر في السداد ،قبض من مرتبه مباشرة !!
خرج من باب الشقة فإذا بالحاج محمد جاره في وجهه،هو لم يكن في الأساس من هذه المنطقة و لكنه كان انتقل للسكن فيها منذ سنوات تنخطى العشر،عندما تزوج و غادر بيت عائلته الذي يسكنون في منطقة أخرى لا تبعد عنهم الكثير..
ألقى عليه الحاج محمد التحية بصوت هادئ يتناسب مع حجم جسده الصغير و سنوات عمره التي تقارب السبيعن و صبّح عليه ثم سأله :
ألا يا أستاذ إبراهيم هما مش هيهزوا معاش السادات شوية ؟
و لا هيسيبوه ملاليم كدة زي ما هو ؟
- رد :
و الله ربنا يسهل يا عم محمد، أهو خير للكل..إحنا سامعين أخبار بس لسة مش عارفين
همهم الحاج محمد، ثم قال :
طيب ما أعطلكش أنا على شغلك بقى..بس ليا طلب صغير !!
- رد و هو يجفف عرقه من على وجهه بمنديل ورقي ثم يمرر يده داخل قميصه القطني أزرق اللون ليمسح صدره و تحت إبطيه :
أأمر يا عم محمد
- رد الحاج محمد :
ربنا يخليك، عاوزك بس توصي عليا زميلك الأستاذ عبد الحميد، أصل زي ما أنت عارف أنا تعبان و يوم ما بأروح عشان أقبض بأقف في الطابور كتير،و ما بالأقيكش هناك، بيقولولي بيحصّل، فوصيه بس ما يوقفنيش في الطابور كتير !!
فرد و هو مبتسم :
حاضر يا عم محمد..عاوز أي خدمة تانية ؟
فرد عليه :
لا يا ابني ربنا يخليك و يقويك..مع السلامة
...تركه و قد استغرب أن وجهه-أي الحاج محمد- لم تظهر عليه حبة عرق واحدة، ليبدأ رحلة نزول السلالم و ما ستغرقه فيه من عرق !!
...
كان يعلم أن شارع الحارة الضيق سيكون ظليل و سيحميه من الشمس قليلا و لكنه كان يعلم أنها خطوات و سيغادره إلى الشارع الرئيسي الواسع الذي لا يوجد به أي ظل لمنزل أو عمارة،و لا يوجد به حتى شجرة توحد ربها و كأن المحافظة قد نست هذه المنطقة من خطة تشجيرها فقط من أجله..من أجل أن ينهش جسده و ملابسه العرق !!
كان يخرج مبكرا كي يتلافى زنقة المواصلات في الحر بعد إرتفاع الشمس، ولكن ماذا يفعل و الشمس هذه الأيام تشرق في الرابعة و تبدأ رحلة حرقها لبني البشر مبكر جدا،أشار لأحد الميكروباصات فوقف له، و لكنه وجده تامم الركاب، لم يستغرب فهو يعرف الجملة التي سينطق بها الكمسري الان :
اشبط يا استاذ العجلتين دول، في ناس نازلة الشارع الجاي !
و لكنه لم يعط الفرصة للكمسري لينطق، ولم ينطق هو فربما الكلام يزيد عرقه،فأشار للكمسري بما معناه إذهب لن أركب !! و ربما لو نطق لكان خير له ، فهَزّة كفه و ذراعه هذه قد كلفته الكثير و أغرقته في المزيد من العرق !!
توقف قليلا،و فكر أن يخرج أحد دفاتره من حقيبته الجلدية و يظلل به على رأسه و وجهه، فليس هناك على الطريق ما يستظل به، ولكنه تراجع، فذراعه بجانبه أفضل منها مرفوعة فوق رأسه، فهذا معناه عرق أكثر !!
أشار لميكروباص اخر و لكنه لم يتوقف،فكر أن يلعن السائق،و لكنه احترمه عندما وجد الميكروباص مزدحم و هذا سبب عدم وقوفه، انتظر قليلا، و أخيرا توقف له ميكروباص و به كنبة كاملة فارغة !!
أه، ربما القدر يصالحه بأن يجازية بمنحه مقعد له وحده بعيدا عن الزحمة و الزنقة و إنتقال العرق بين الركاب و بعضهم البعض !
و لكن القدر لم يعطه تقريبا أي وقت ليستمتع بهذه المنحة، فقد سحب هذه المنحة بعد أمتار قليلة و منَّ عليه بثلاثة ركاب دفعة واحدة !!، ولأن المفروض أن المقعد لثلاثة أنفار فقط،و المفروض و في ظل هذا الصيف الحارق بحرارته المتلظية أن يتقاسم الكرسي إثنان وفقط ، فقد بادر الكمسري بعدما ركب اثنان بجانبه و بقى الثالث على الأرض و قال :
وسعوا يا جماعة للأستاذ ده بدل ما نسيبه واقف في الحر كدة تحت الشمس غرقان في عرقه !!
و أكيد وراه شغل و عنده مصالح !
و لأنه كان بجانب الشباك- الذي لا يجلب هواء بل يجلب حرارة!-كان يعلم أنه سيصبح و صاج العربة قطعة واحدة، فبميكانيكية إعتادها الجميع تزحزح كل شخص ليلتصق بمن بجواره أكثر،لتتداخل الملابس و الأجسام و الأنفاس، ليفسحوا بجانبهم شِبر للراكب الرابع ليحتله، ليغوصوا في بحر العرق متلاصقين !!
...
وصل المصلحة بعد رحلة طويلة شاقة،و معركة شرسة،فمن يراه وقد غطى العرق كل قميصه،وربما بنطاله أيضا يظنه قد خرج لتوه من البحر، أو صبّحت عليه إحدى السيدات بجردل ماء غسيل من البلكونة، فهذا أضخم و أفظع من أن يظن من يراه أنه عرق !!
كان عليه أن يصعد خمسة طوابق حتى يصل لمكتبه، فكر جديا من كثرة ما أصابه من عصبية و ضيق أن يعود أدراجه للبيت،و يصعد سلم البيت بدلا من صعوده و هبوطه لهذه الأدوار الخمسة،و خاصة أن ملابسه أصبحت مزرية، فهو يحتاج لدش و غيار نظيف..حتى لو كلفه هذا خناقة مع زوجته تنتهي بالطلاق !!
و لكنه بعد أن جلس على عتبة من عتبات المصلحة،تحت ظل شجرة يتيمة زرعوها و نسوا أن يحيطوها بأسرة تشعرها بالأمان !
 فكر في زوجته و أشفق عليها، فمهمة الغسيل فعلا قد تخطت كل حدود التحمل و الإحتمال، فهي عليها أن تغسل عشرات الغيارات له و لأبنائهم الثلاثة يوميا، و مع هذا مازالت زوجته صامدة !!
...التقط أنفاسه و أحس ببعض البرودة تتسلل لملابسه الداخلية،فقد تشبعت بالعرق و عندما جلس في هذا المكان الظليل بردت حبات العرق داخلها..و لكنها-حبات العرق- مازالت تنبع ملتهبة على جسده !!
إستجمع قوته و صبره،و بدأ رحلة الصعود..
ربما كان الوقت مازال مبكر و لكنه وجد بعض الأشخاص في انتظار وصول الموظفين،فكر ساخرا :
يبدو أنهم قد قضوا ليلتهم هنا !
و لكنه إستحسن الفكرة،فلو أن بإستطاعته المبيت هنا لأرتاح من حرب الصباح اليومية هذه، بزحمتها و حرقة أعصابها...و بعرقها أيضا !
كان الجو خانق و يبدو مظلم،و كان هو قد ناله ما ناله من بحور العرق طوال رحلة صعوده لهذه الأدوار الخمسة،كان يبدو من مشيته و معرفته للطريق بطول هذه الطرقة الطويلة الضيقة،و الأبواب المفتحة لغرف الموظفين أنه موظف،فأوقفه أحد الأشخاص و سأله :
و النبي يا أستاذ هو مكتب الأستاذ حمدي عبد الفتاح فين ؟
كان رغم كل ذلك دمث الخلق، وصبور جدا في معاملته مع الناس الذين قد يخنقونه و يزيدوا عرقه بأستفساراتهم و أسئلتهم المتكررة و لكنه كان يتحمل،و رغم البرود الذي ادعى انه أكتسبه، لم يكن هذا أبدا كافيا ليحميه من العرق !!
وحده العرق هو ما يكرهه..و لكن يبدو أن العرق يعشقه حتى أنه لا يغادره أبدا..حتى تحت ماء الدش !
و عليه فقد رد عليه بعد أن نظر للخلف و الأمام كانه يحصي الأبواب المفتحة و مشيرا بيده :
المكتب اللي هناك ده..عِد خمس أبواب من الباب ده
و ترك الرجل و أكمل طريقه، ولكنه إستدار بعد خطوات قليلة و قد تذكر شئ فقال للرجل و هو مكانه لم يرجع له-فهذه الخطوات ستكلفه المزيد من العرق - :
بس الأستاذ حمدي مش هيجي النهاردة المصلحة، لأنه النهاردة تحصيل
...تحصيل !!
رنت الكلمة في أذنيه !
يبدو أن الحر و العرق قد أذابا ذاكرته و أفكاره و حتى وعيه أيضا !!
فلو كان في وعيه لوفر على نفسه نصف رحلة عذابه هذه..بل لوفرها كلها تقريبا !
فالحاج محمد قد ذكر كلمة تحصيل و لم ينتبه هو،و قطع كل هذا الطريق و صعد كل هذه الأدوار و السلالم التي لم يكن مضطر أبدا لقطعها، و غرق في وسط كل بحور العرق هذه و لم يتذكر أو يخطر على باله أنه هو أيضا مثل الاستاذ حمدي اليوم.... تحصيل !!
...
أجيبلك الشاي على المكتب يا استاذ إبراهيم ؟
قالها عم سعيد الفراش و هو يمر بجانبه و هو مازال واقف في الطرقة، و لكن ما تعجب منه عم سعيد أنه لم يرد عليه،كأنه لم يسمعه و لم يراه، وكأن أحدا أصلا غير موجود، فقد صار بإتجاه الخارج و هو يجفف عرقه بمنديل و يحدث نفسه بصوت مرتفع :
إيه يعني غلطت وجيت،هو مش التحصيل لف و دوران في وسط الشوارع؟!، ولا يكونش التحصيل شمسية و كرسي في الأرض الرملة على شط البحر !!
برضه لف وشمس و حر...و عرق...عرق..عرق!


....

السبت، يوليو 14، 2012

رثائي و هــي



..
بصراحة لأنني هذه الأيام مشغول قليلا و تستعصى علي الأفكار، فقد قررت الرجوع لكشكولي القديم، وجدت هذه القصيدة، تقريبا لم أُعدل فيها سوى القليل، و حذفت منها بعض الأبيات التي لم أجدها مناسبة، و لا أستطيع أن أتخيل كيف كتبتها !!
يبدو أنني في تلك الفترة كنت قد تأثرت بالأشعار الغزلية و بالموشحات الأندلسية جدا، حتى أنني كنت قد صغت أشياء تشبهها، حتى أنا الأن استغربت أستخدامي لكلمة ( كلكل ) و بحثت عن معناها الأن فوجدت أنه الصدر أو الجنب،و ثقل كلكلي بالهموم أي ملأ صدري بالهموم !!
..
وجدت عنوان هذه القصيدة ( رثائي و هي )، و التاريخ أسفلها، مساء الجمعة، 27 صفر 1423 ،10 مايو 2002
..
...
اه من حبيبي مصقول النصــال
ذبحني بعدما سقاني بالماء الزلال
فيا ليتني قبل هذا قد مـــت
فهو لي حياة،و الموت في الإنفصال
فمن أين لي بيوم أو ساعـــة
عشنا بها الحب و حلاوة الوصـــال
لكن ما من لحظة مرت تعود
فهي كمــاء قد صب من شـــلال
كُتب عليه سُكنى النهر الخفيض
فمن يحمله ليسكن أعالي الجبــــال
فقولي لي بربك ماذا فعلـــت
و من بيننا قد أدار رحى القتــال
فأنا ما اجترمت خيانة لــكِ
ولا جرت فيّ منها خطـرة بالبــال
فأنت الخائنة مُحبطة نفســي
ذهبتي بعدما أطلقت فيا نار الأمال
و صدقت غيري و كذبت كلامــي
و سرت وراء كلام النمامة و الجهال
فعجلي قتلي ان كنت قاتلتـــي
فإني أملت في شئ يوصف بالمحال
فأصقلي نصلك فإني ذبيحــك
ودمي إن أرقتيه فهو لك بالحــلال
فيكفيني أنني قد عِشتُ ليلــة
ملأت فيها عيني من صنوف الجمال
روى ظمأي و سقاني السلسبيل
بليلة صيف و القمر بطور الهــلال
فيا غادة قد فاض حسنهــا
فهو كحور الجنان،حده حد الكمــال
كفاني ما قد أخذت فإنه أسكرني
حتى أضلني بين اليمين من الشمال
فوداعا حبيبتي فهذه نهايتنـــا
فلكل وقت أحوال غير الأحـــوال
فماذا أفعل بنكبتي، أأنـــوح ؟!
ليس لي سوى القبول والإمتثـــال
لواقع أليم ثقّل كلكلي بالهمـوم
و لم يبق لي سوى الخيال و الأطلال
..
...

الجمعة، يوليو 13، 2012

كل شئ قد قِيل !!




كل شئ قد قِيل و قد جئنا متأخرين؛
 الكاتب الفرنسي لابيرويير (1645 ـ 1696)
....


      لأنني كنت مشغول الأمس و طِيلة اليوم و لم أستطع كتابة شئ، لأن ما أتاني من أفكار طيلة اليوم لم يتخمر بما يكفي لأكتب منه قصة أو موضع ،و لأن الهدف من التدوين اليومي هو الكتابة اليومية و ليس مجرد النشر اليومي، إذ باستطاعتي أن انشر قصيدة من قصائدي القديمة أو ما إلى ذلك، فقد قررت أن لا أكتب شئ اليوم ، ولكن ما حدث هو أنني قرأت تدوينة الدكتورة شيرين سامي ليوم الخميس و ما ذكرته من أنها قرأت تدوينة تقريبا تمت سرقتها منها، ومن قبل قرأت أيضا للاستاذة شمس النهار شي مشابه، ولأصدقاء أخرين أشياء مشابهه، فذكرني بما سأكتبه هنا فوجدت شيئا أكتبه..ربما يبدو مشابها لما كتبه غيري، فعذا طبيعي..فكل شئ قد قيل !!
و قد قيلت هذه العبارة منذ ما يتخطى الثلاثمائة عام،فالأن كل شئ قد قيل ملايين المرات بملايين الكلمات و ملايين الصور و الأساليب !!
فقد قررت أن أكتب - ولو القليل - عن السرقات الأدبية و لكن ربما من منظور مختلف..
...
السرقة الأدبية قد تكون بأخذ نصوص بنصها كما كتبها كاتبها الأصلي أو رسم فكرته بأسلوب و كلمات أخرى...
قرأنا كثيرا عن السرقات الأدبية و الفنية ، فعبد الوهاب أُتهم بسرقة ألحانه من موسييقين عالمين، و دارسي الأدب المقارن، أثبتوا أن أعمال أدبية عظيمة لأدباء عِظام،قد سرقوها من غيرهم !!
فالكاتب الفرنسي الكبير بيير كورنييه و أشهر مسرحياته (السيد) أثبتوا أنه سرقها بالنص و الأسم من مؤلف مسرحي إسباني معاصر له يسمى جييرمو دي كاسترو !!
بل أيضا أن أدباء عظام مثل فيكتور هيجو، و الكسندر دوماس و غيرهما لما يتنزها عن السرقة الأدبية !!
هذا طبعا غير سرقة الأفكار من الأعمال الملحمية و المسرحية القديمة الأغريقية و الرومانية..
..
و لكن دعونا نشاهد هذا الموقف بين الشاعر بشار بن برد- و هو شاعري المفضل- و بين تلميذه الشاعر سَلم الخاسر،( المصدر تجريد الأغاني لإبن واصل الحموي) سأله من يا سَلم يقول :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
و فاز بالطيبات الفاتك اللهج
فرد سَلم، انت يا أبا معاذ،جعلني الله فداك !!
- فقال بشار،و من الذي يقول :
من راقب الناس مات غما
و فاز باللذة الجسور
- فقال سَلم :
خريجك، أي تلميذك
- فقال له بشار :
أفتأخذ معانيَّ التي قد عُنيت بها و تعبيت في استنباطها، فتكسوها ألفاظا أخف من ألفاظي،حتى يُروى ما تقول و يذهب شعري !!
أي أن السرقات الأدبية قد بدأت قديما جدا !! وإن كان القدماء لم يعتادو سرقة النص بل كانوا يسرقون الفكرة و يصيغونها في صورة أخرى..
قد تكون كل هذه سرقات صريحة و لكن هناك نوع أخر لا أعرف كيف أسميه، وقد أحتار فيه النقاد أيضا، فإننا قد نجد أن ترجمة أحد الكتاب العِظام أو أحد المترجمين المقتدرين لأعمال أديب ما قد تجعل القارئ ينسى العمل الأدبي الأصلي و مؤلفه و يعتبر أن الترجمة و المترجم هما النص و المؤلف الأصليان !!
و هم ما حدث تقريبا مع رباعيات الخيام عندما ترجمها من الفارسية إلى الإنجليزية الأديب البريطاني إدوارد فيتزجيرالد، كذلك نرى ترجمات وليام آرشر لمسرحيات الأديب النرويجي هنريك إبسن، كذلك نجد صياغة المنفلوطي لروائع الروايات العالمية، مثل ماجدولين، و الشاعر، و في سبيل التاج، هذه الترجمات التي أصبحت بمثابة كتابة جديدة تماما للنص الأصلي !!
...
ان أردت المزيد ما عليك سوى أن تضع في خانة البحث ( السرقات الأدبية ) و لا تستغرب مما ستراه !!
قد تختلف التسميات و قد تختلف الأساليب، ربما هناك توارد أفكار، وقد يعبر كلا منا عن أحساسه أو رؤيته أو فكره فيجده مشابه تماما لما عبر به غيره، لكن يبقى الفاضح تماما هو سرقة النص بلفظه !!
...
و أيضا الأكيد أن الإدعاء بأن هذا لنا و هذه كتابتنا، لا يجلب التقريظ و المدح و الإعجاب من الأخرين لنا و لكن لأشخاص غيرنا يستحقونه، و قد نالوه و إن لم يوجه مباشرة لهم !!
و هذا هو ما ودتت أن يصل للطرفين !!
...
تدوينات متعلقة بالموضوع
- الأستاذ رشيد ( أبو حسام الدين ) في مدونته همسات الروح و الخاطر
http://hams-rroh.blogspot.com/2012/06/blog-post_17.html
....

الخميس، يوليو 12، 2012

لحظة الخلاص


     وجد نفسه في مؤخرة عربة، وحيد في ظلمة الليل تحوطه الكآبة و البؤس، خلال رحلة تبدو بلا نهاية،على طريق بلا معالم أو أنوار،بوسط كون بلا سماء أو نجوم، يرقب بعين الحسرة من خلال كوة صغيرة السائق على عجلة القيادة و بجانبه رفيقه يتسامران و يتضاحاكان، فقط يراهم ولا يستطيع سماعهم، وهم أيضا لا يستطيعوا سماعه، وأبدا لن يلتفت أيا منهم و ينظر للخلف ليراه، فلماذا يفعلوا؟..بل ربما هم من الأساس لا يعلمون بوجوده !!
لا يدري كيف جاء إلى هنا،و هل جاء برضاه أم مجبرا؟و إن كان قد جاء مجبرا فمن أتى به إلى هنا ؟ وكيف ؟و لماذا؟ و إلى أين هو ذاهب الأن؟ ولماذا لم يركب معهم في الأمام؟ وهل سيلقوه وحيدا في مكان ما وسط هذا الضياع و هذه المتاهة و يذهبوا أم سيرافقوه؟
      وجد نفسه مقيدا بغير قيد، فهو لا يقوى على مغادرة تلك العربة أو كسر تلك الكوة الفاصلة، أعمى وعيناه مفتوحتان عن أخرهما، فلا يستطيع أن يرى ما حوله إلا ظلام، أصم وأذنيه يملأهما الصراخ،ولا يستيطع أن يسمع حوارهما فيأتنس به ، أبكم و لسانه يعرف كل الكلمات،ولا  يستطيع أن ينطق فيسمعونه، وحيد في دنيا مزدحمة بالبشر و لكنه لا يعلم أين ذهبوا ؟!
....


     بعد حرب عاصفة في مجاهل روحه تيقن أن أحدا لم يأتي به إلى هنا، وأنه جاء مشيا على فكره قبل قدميه،و أنه لا يستطيع أن يسمع أحد لأنه أعتاد أن لا يسمع إلا نفسه،ولا يستطيع أن يرى أحدا لأن أحدا منهم لم يُسر مرة برؤيته، أبكم لأنه قد منع غيره الكلام...
....
      لقد عرف الحل،فهو لم يفكر قط أنه ربما البشر لم يذهبوا،بل هو من غادرهم ورحل،فالحل لا أن يكسر النوافذ أو يدق عليها لينتبهوا له و يسمعوه و يروه، ولا أن ينظر إليهم بحسرة و حزن فقد يشفقوا عليه و يجعلوه ينضم إليهم، بل الحل أن يشاركهم ما يفعلوه..
فحرك شفتيه كما يفعلون و ضحك مثل ضحكهم،شعر ذلك داخله، فنظر حوله فإذا بمعالم الكون بدأت في الارتسام من حوله،و إذا السماء قد ظهرت، وإذا بكل نجومها تتلألأ كما لم يرها من قبل، وإذا بنسيم معطر يملأ المكان من حوله و يغازل أنفه و شعرات رأسه و يتسرب الى روحه..
نظر للسائق و رفيقه فإذا كلا منهما قد إستدار له و هو مبتسم و إذا بالكوة الضيقة التي كانت تفصلهم قد اتسعت و اتسعت حتى انمحت..أفسحوا له المكان مرحبين فولج مكانه بينهما و كأن هذا هو المعتاد، و أكملت العربة صدحها بغناء لم يسمعه من قبل، و هي تشق سبيلها على ذاك الطريق الذي بدأت تظهر أمامه ملامحه الأن جلية و واضحة، و هاله أن منها ما قد رأى ما يشبهه من قبل ولكنه الآن بصورة أجمل و أروع، و منها ما لم يره إلا في هذه اللحظة.....لحظة الخلاص.


...
....

الأربعاء، يوليو 11، 2012

عربية مِرْزَة


   
   عندما توقف بعربته ليقل هذه المرأة، كان الزمان قد تطور قليلا فهو قد كان بإستطاعته أن يوقف العربة لتركب السيدة بعد أن كان لابد أن تركب و العربة تسير مثلما كان حال الجميع مع عربية مِرزة !!
...
رغم مرور كل هذا الزمن فمازال الجميع يتندر و يتذكر تلك الواقعة التي حدثت مع عبد السند، الخفير بالعمدية، عندما جاء صارخا من على البحيرة قاطعا الطريق الرملي جريا و متسلقا برشاقة و خفة كوم الشامي المرتفع برماله الناعمة كأنه يتسلق نخلة و أنطلق وسط البيوت المترامية متجها لدوار العمدة و هو يصرخ بكل ما اوتي من قوة :
حمار حديد ماشي على السكة يا حضرة عمدة !
حمار حديد ماشي على السكة يا حضرة عمدة !!
و أكتشفوا بعدها أن هذا الإختراع يسمى عجلة..بيسكلتة !!
..و على الرغم من أنهم جميعهم كانوا متشاركون في جهلهم بهذا الشئ..أو بهذا الحمار الحديد إلا أن التندر ارتبط بعبد السند لأنه هو من أعلن جهله بهذا الشئ أولا..هذا الشئ الذي قد ملأ عليهم الآن كل الشوارع الأسفلتيه التي كانت يوما بحر رمال، و ربما أيضا أسطح المنازل الخرسانية التي كانت يوما ما جذوع شجر و نخل و بوص !!
لذلك عندما سمعوا صوت أول زمارة(سرينة) لعربة مرزة كان هذا بمثابة عيد لم و لن يعيشوا مثله أبدا !!
...
ربما هو مازال يتذكر ذلك اليوم الذي وجد فيه قريبته عزيزة قد جن عليها الليل و هي مازالت لم تقطع نصف الطريق لمنزلها بعد عودتها من الحقل، كان بصحبتها ما يقارب العشر عنزات-فهي لابد أن تصحبهم صباحا للحقل و تعود بهم مساءا للمنزل فلا تستطيع تركم بالحقل ليلا فقد تتم سرقتهم كما حدث مع رزق أبو اسماعيل!!- وقف لها و دعاها للركوب، ولولا أنها قد تأخرت بالفعل ما كانت ركبت، فهي مازالت لم تتخطى المعسكر الحربي و لا ذلك الرادار المنصوب على قمة تلة بوسطه، كانت تخشى هذه المنطقة ولا تدري لهذا سبب، ربما لو كان هذا بعد سنتين أو ثلاثة لكان عندها سبب كاف، فقد قام الطيران الإسرائيلي بقصف هذا الموقع و حطم الرادار و قتل من كان موجود من الجنود، يقول من شاهد هذه اللحظة أنهما كانتا طائرتان و ما حدث هو أنهما قد أتيتا من جهة الغرب، من البحر المتوسط، و أتجهتا شرقا بإتجاه هذا الموقع و قد كانتا تطيران على مستوى منخفض جدا تكادا تلامسا سطح ماء البحيرة، بطول البوتن الخرساني المقام ليحجز ماء البحيرة من الوصول للطريق، و هو ما جعل الرادار يعجز عن التقاطهما، و لم يشعر من كان بالمعسكر بأي شئ إلا بإنسلاخ أرواحهم مغادرة أجسادهم التي قد حُرقت أو تمزقت متجهة إلى بارئها..
ربما هذا لم يؤثر في أهل القرية كثيرا، فهم كانوا قد إعتادوا على هذا،قد إعتادوا على أخبار القتل و الدمار،و كان قتل الإنسان في هذا الزمان قد وصل إلى مرتبة أولى من مراتب الأحداث المعتادة أو العادية،فالحروب لا تصنع موت و دمار و فقط، بل تصنع إنسان متبلد المشاعر أيضا.
ولكن ما أثر فيهم جدا هو فرسة محمد أبو رمضان،صاحب العربة الكارو التي يستخدمها معظمهم في الذهاب الى الطاحونة أو نقل أغراضهم في الارض الرملة، فقد هربت و جرت منه شاقة طريقها بوسط المعسكر الذي سار مهجور بعد ما أصابه من دمار وما حدث أن تلك الفرسة المسكينة قد داست على لغم فأطارها في الهواء ثم أنزلها إلى الأرض أشلاء..
..
ركبت معه عزيزة بعد أن وضع بجانبهما العنزات العشر في كابينة العربة !!
فكرت هي أنه لو كان مرزة ما كان أبد دعاها تركب بعنزاتها!! وكيف تركب من الأساس و عادة تكون عربته مزدحمة بالركاب و تجدهم قد تشعلقوا في كل مكان أو تشبثوا بأي قطعة حديد بالعربة، ومن يريد أن يركب او ينزل فعليه أن يفعل ذلك و العربة سائرة لأنها إن توقفت قد تأبى أن تسير بعدها ثانية !!
أما هو فقد كان زبائنه قليلون رغم أنه يتوقف لهم في الركوب و النزول و رغم أنه شهم لا يتخلى عن أحد فلو طلبت منه أن يضع حمارك على عجلة القيادة لفعل !!،ربما هي أرزاق كما كان يقول لنفسه !!
...
عندما توقف لتلك السيدة و أركبها شكرته جدا بعد أن لمست فيه روح الشهامة فقد حمل معها حملها و وضعه في العربة بدلا منها، و عليه فقد بدأت معه حوار ودي..
-هي :
شكلك إبن حلال يا أبني
- هو :
ربنا يكرمك يا حاجة
- هي : دا أنت حتى باين عليك نضيف و عربيتك نضيفة و هادي في السواقة !!

- هو :
كله على الله يا حاجة
- هي و قد استحضرت في بالها شخصية أخرى لتعقد بينهما مقارنة :
دا انا حظي حلو اني ركبت معاك و الله..ثم استدركت، دا أنا أسمع عن واحد اسمه هادي حسين، و هو لا هادي و لا حاجة !!، ما فيش يوم الا و يعمل حادثة !!
- هو :
و الله يا حاجة الحاجات دي قدر و نصيب
- هي :
صحيح يا بني..بس برضة الواحد يبقى واعي و ياخد باله زيك كدة !!
- هو :
ربنا يكرمك يا حاجة !!
- هي وقد شعرت أخيرا أنه يسير بسرعة كبيرة و يأكل المطبات ولكن لإندماجها في الحديث لم تلاحظ :
براحتك يا بني شوية..إنتى بتجري بسرعة كدة لية ؟!
- هو :
ما هو جري العربيات كدة يا حاجة !!
- هي : 
كدة بس إزاي يا ابني ؟ بالراحة بس خلي ربنا يسترها !!
..لم يُعقب، فزادت هي :
ما تفكرناش باسمه ايه ده !!
- هو وبلامبالاة :
يا تسكتي يا حاجة يا تصوتي ..أنا هادي حسين و العربية ما فيهاش فرامل !!
...
يتذكر هادي بعد عودته من حرب اليمن-و قد كان هو متيقن أنه سيعود،فهو لن يسمح لمرزة وحده أن يتمختر على الطريق بعربته الخَرِبَة دونه، وان كان ما حدث بعدها هو أن الطريق إمتلأت عربات تنافس مرزة بعربته التي لا تتوقف، بعد أن تمت سفلتت الطريق بعد أن كان حجارة، و ما حدث أيضا أنه قد غادر القرية بأكملها و سافر إلى أم الدنيا تاركا وراءه أهله و لهجته..و ربما طباعه!، عاد بعد أن ظن الجميع أنه قد مات مع من ماتوا من شباب القرية و من سيموتون !!، يتذكر ذلك الموقف، الذي لم يكن من تلك المواقف التي تجد فيها نفسك تحت سماء من نار و تتساقط عليك الرصاصات و القنابل و الدانات كالمطر، فهذا شئ عادي، و لا تلك المواقف التي تجد فيها نفسك قد حُوصرت بجثث رفاق السلاح الذين كنت تتحدث معهم منذ لحظات مضت،فهذا أيضا عادي فقد تكون أنت المغادر التالي، لكنه تذكر ذلك الموقف عندما تعطلت سيارته في وسط الجبال في ظلمة الليل و كان وحده في طريقه لأحد المعسكرات لإحضار بعض الجنود و المؤن- وقد كان سائق لإحدي عربات نقل الجنود- خرجت عليه غوريلا من وسط الجبل،رءاها واضحة بعينيها اللامعتين كأنه يراها في وضح النهار،أيكون مصيره بين أنياب و مخالب غوريلا ؟ فكر ان يتصدى لها متخذا من أي قطعة حديد سلاح للهجوم و الدفاع- فهو لم يكن يملك سلاح ناري فهناك من الجنود من هو أحق به منه- و هو يظن نفسه أقوى من الغوريلا،فقد كان قوي الجسم مفتول العضلات، و كأنه قد قرر المواجهة فلن يهرب..ولن يموت فهناك في انتظاره أمه و أبيه وأخوته و أهله..و مرزة بعربته !!
و لكن أتاه هاتف دوى صوته و صداه بين الجبال عاليا، أن لا تفعل، لم يتردد و أمتثل للنداء و قفل عليه أبواب سيارته، وتذكر كل مغامراته و كل حوادثه التي يشيب الوليد لرؤيتها، فقد كانت كل حادثة تهشم العربة إلى أجزاء و هو بداخلها و العجيب أنه كان يخرج من جميعها سليم، اللهم إلا من خدوش بسيطة !!
حتى أنه ذات مرة و قد انقلبت به العربة على الطريق عدة مرات متتالية و وقفت به أخيرا- وقد سترها الله و لم تصيب أحد- أمام مجموعة من السيدات قد جلسن يبعن الخضار و الفاكهة،خرج من عربته التى كانت قد تحولت لقطعة خردة،و ترك من كانوا قد التفوا حولها ليخرجوه و قد علت أصواتهم :
لا حول و لا قوة الا بالله..يا رب سترك !!
لا حول و لا وة الا بالله..يا رب سترك !!
تركهم جميعا يخاطبون ذهولهم، ثم ذهب للسيدات البائعات و توقف أمام إحداهن و أخرج من جيوبه بعض الملاليم و قال لها :
اوزني لي كيلو عنب يا حاجة خليني أضيع أثر الخرعة(الخضة) دي !!
...
يبدو أن الحياة تتشبث بنا جدا، عندما ترانا نغازل الموت و نتحداه ليل نهار !!
...
و هنا قال يا بركة دعاء الوالدين..و أدار الكونتاك فدارت العربة و نفد كما ينفد كل مرة !!
...
....

الاثنين، يوليو 09، 2012

شعب يُباد و أمة لا يعتريها الخجل


    شعب يُباد و أمة لا يعتريها الخجل..
....
كانت هذه صرختنا على موقفنا المخزي من القضية الفلسطينية، والأن أصبح هذا هو موقفنا الدائم مع كل مايمس الشعوب العربية أو المسلمين في كل العالم سواء أكان على يد مضطهديهم من الأعداء أو على يد الطغاة المستبدين من الحكام و أولي الأمر ،إنه العجز و الخزي..
...
قد تستغربون جميعا مما سأقوله، وقد تتغير نظرتكم جميعا لي، فكلامي لن يكون للمسانده كما هو مفروض، و لا للبكاء و الدعاء كما هو معتاد، فبكاءنا أصبح تمثيل، و دعاءنا أصبح من دواعي المشاركة و فقط  كما هو من متطلبات مهنة الشحاذين لتعطيهم صدقة، و نحن كعرب نجهل- تقريبا- كيف نساند بعضنا البعض، لأننا مازلنا نتعامل بالمنطق المبني عليه مثلنا الشعبي القائل ( أدعي على إبني و أكره اللي يقول آمين ) ، فنحن مازلنا لم نتخلص من حساسيتنا و تعصبنا عندما نستمع لنقد موجه لنا من أخ عربي، و ساعتها نتهمه بالكره و قد نعتبره عدو !!
نحن لا نحتاج إلى توصيف لأوضاع محزنة مخزية نراها ليل نهار بقدر ما نحن في أشد الحاجة إلى فهمها و كيفية التعامل معها
فأنا قد واجهت مشكلة،فهل الصحيح لي كمصري أن أخرج مساندا للشعب السوري هاتفا برحيل بشار ذلك المجرم الذي نرى جرائمه يوميا و إبادته لأبناء شعبه، و هنا يظهر من يقول لي-من الشعب و ليس من السلطة-أنت كاره لسوريا،فهذه مؤامرة على سوريا تديرها إسرائيل و إن خرج الأسد ستكون نهاية سوريا فهو أملنا الوحيد تجاة مؤامرة إسرائيل و المعارضة التي يعرف القاصي و الداني أنها صنيعة إسرائيل و أمريكا و ليست من الشعب السوري !! وإذا سألته عن المذابح التي تحدث قال لك أنها لحماية سوريا من أبنائها الذين أعماهم الحب..و لا تعرف كيف هذا !!
و يأتي التعليق على هذا بأن هذا السوري من ملة بشار لهذا يسانده و لن يقبل بغير ملته أن يكون لها السيادة ولو أُبيدت بقية الملل و الطوائف الأخرى !

فهل الصحيح إذن أن أهتف بسقوط المعارضة الخائنة،و أن يذهب الجيش السوري الحر إلى الجحيم، و أُتهم بالخيانة و الصمت المخزي أمام إبادة شعب شقيق !!

أم الصحيح،أن أدعو الله لهم بالخير و لما فيه صلاحهم وخيرهم وأن يحفظ دماءهم،و أن أخرج هاتفا نحن معك أيها الشعب السوري العظيم فيما تريده و فيما تقرره لنفسك ؟
و هذا يعني أن موقفي أيضا موقف المتفرج، فأنا فعليا على الأرض لم أفعل شئ للمساندة و الدعم الحقيقي !!
...
القتل و الإبادة و سفك الدماء قد تبكينا،سواء أكانت في بورما أو سوريا أو فلسطين
أو اليمن..الخ..و لكن الأهم كيف وصلنا لمرحلة الفصل هذه التي أخرجتنا من قول الله عز وجل ( إنما المؤمنون أخوة ) و قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر ) حتى انفصلنا و سرنا نتعامل مع بعضنا البعض كالغرباء حتى صرنا أضعف الأمم و لا يوضع لنا أي حساب، فالمسلم قد أصبح ملطشة الجميع فليس له ظهر يحميه،فهذا المليار هو كغثاء السيل،لأنه قد طلب القوة من عدوه و لم يطلب القوة من ربه، رب العلمين ..و صارت مقولة المعتصم : من أمير المؤمنين الى كلب الروم و تعبئته لجيش من أجل إمرأة تراث نتندر به !!

كيف قبلنا أن تفرقنا جنسية أو ملة أو تفصلنا حدود ؟
كيف وصلنا لمرحلة العجز هذه التي نحياها،فنرى القيد و نعجز عن كسره،و نعرف أن الطريق خطأ و نعجز عن الرجوع، و نعرف المؤامرة بحذافيرها و نعجز عن إحباطها؟
كيف قبلنا أن نكون محايدون و صفنا الطبيعي معروف و واجبنا الإنضمام إليه ؟!
كيف سمحنا لغيرنا أن يتلاعب بعقولنا حتى تطور الأمر و قتل إحساسنا و مشاعرنا الحقيقية أيضا و صار ما يظهر علينا من تأثر هو محض تمثيل و إدعاء؟
كيف ارتضينا أن نطلب الدعم و المساندة من العالم الذي ينظر لنا نظرة إحتقار، ان لم يكن من أجل ديننا الذي يكرهه و يحاربه، فمن أجل ضعفنا و انسالخنا من هويتنا و ثقافتنا و تراثنا ؟
نصر سوريا و بورما و كل المسلمين المستضعيفن في كل بقاع الارض يبدأ بإصلاح أنفسنا و تنقية قلوبنا و رجعونا لديننا و طلب القوة من خالقنا، فحتى الدعاء قد لا يُستجاب من أمثالنا، فهل نحن قد أرضينا الله بكفنا عن المعاصي و بصالح أعمالنا حتى يستجيب لدعاءنا ؟
إستجابته لن تكون من أجلنا، بل من أجل المستضعفين من عباده الصالحين..
إذا نجحنا في ثورتنا على نفوسنا الضعيفة، و رجعنا إلى ديننا الذي هجرناه سيأتى نصر ثوراتنا بقوة الخالق الذي لن تقف ضده أي قوة و لن تهزمه أي مكيدة أو خديعة أو مؤامرة..
 نحتاج إلى الوحدة فالخطر واحد و العدو واحد، و نحن متفرقون و متشرذمون و ربما متعادون، و حتى إن إدعينا غير ذلك فالواقع يحكم بالحق !!
...
ماذا فعلنا مع سلوبودان ميلوسوفيتش و راتكو ميلاديتش كي يخشانا  الإسرائيليون أو السلطات البورمية أو البوذيون ؟
اذا كنا عاجزون عسكريا، و هي اللغة التي يفهمها الجميع و يعمل لها ألف حساب،  و احتجاجاتنا لا يلتفت إليها أحد، فنحن في نظر الكثيرين من الشعوب الأخرى العدو و الإرهاب، فلماذا لا نتحرك إقتصاديا،البترول العربي وحده قادر على صنع الكثير،هل من خوفنا على المصالح و كسر قوانين لمنظمات صنعوها من أجلنا، من أجل الركوب فوق أكتافنا ؟ أم هو التواطؤ و الخزي و العار؟
لماذا لا نتحرك إعلاميا لتعريف العالم بنا و لتعريفه بالأضطهاد ضد المسلمين، بدلا من سبنا لبعضنا البعض و اقتتالنا مع بعضنا البعض على الشاشات، وبدلا من التفاهات التي ننفق عليها المليارات؟
لماذا لا نتفق على رأي،فإحترامنا لأراء بعضنا البعض في بعض القضايا لا يكفي اذا كان الأمر يتعلق بمصير أمة و ليس بمصير شخص،نحتاج لرأي و موقف موحد يجمعنا،رأي نشعر فيه جميعا بالصدق و الأمانة و ليست أراء أو قرارت تفوح منها روائح الخيانة و المصلحة و حب السلطة و لو كان ثمنها رقاب الجميع ؟
لماذا لا نتخلص من نعراتنا و فخرنا  و نلتف و نتحد جميعا من أجل هذه الأمة ككل فرفعة أحدنا- لو حدثت- لن تفيد مادام وحده..
...
الأسئلة لن تنتهى لو استمرينا في طرحها لسنوات،و لكن الأكيد و العجيب أن اجاباتها جميعها واحدة..
يا أيها الذين امنوا اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا..
إن رجعنا لإيماننا و أعتصمنا بدين الله و اجتمعنا عليه سنسود و سننتصر و قد لا نحتاج للمساندة لأن وقتها قد لا يحدث العدوان فساعتها قد يُحسب لنا ألف حساب..أو ربما مليار و نصف حساب بمثل عددنا.
...
لك الله يا كل من خذلك أخوك،بضعفه أو بخزيه أو بعجزه. 
....