الاثنين، سبتمبر 24، 2012

سقطة مكتومة


   لم يكن يشعر بدقات قلبه،بل لم يكن يشعر من الأساس أن قلبه مازال داخل صدره،ما أخبره أنه حي هو سماعه تردد صدى ضربات قلب مكتومة تخرج من باطن الوسادة المُلقاة عليها رأسه مخترقة أذنيه،كان واثق أنه صدى ضربات قلب،ولكنه لم يكن واثق أهذا قلبه أم قلب مجهول!

لم يكن مغلق العينين وإلا ما كان رأى تلك الأشكال الهلامية تتراقص من حوله ولم تكن عيناه مفتوحتين وإلا لأستطاع رؤية تلك الأشكال بصورة واضحة،لقد كان في حالة وَسَن،بين اليقظة والنوم،يشعر بإختناق لا يستطيع التخلص منه وكأن أحدهم يدفن وجهه في التراب ليعيقه من التنفس ويختنق،كان مُكَبَّل،أو ربما مبتور الذراعين، كان يشعر برأسه تتحرك في كل إتجاة محاولة التملص من هذا القيد،باحثة عن نَفـَس يُنعش داخلها الحياة،أو ربما لتتملص من ذاك الجسد الذي لا تشعر به، باحثة عن مهرب تجد به تلك الحياة، زاد صدى ضربات القلب المتردد من الوسادة،بأسنانه ومن بين تقطع انفاسه المختنقة المقبلة على الفناء والإنتهاء،نهش الوسادة باحثا عن قلبه المختبئ فيها والذي يرسل إلى أذنيه صوت نبضاته ولكن لا يشعر بها في أي مكان في جسده،مزق كسوة الوسادة،وغاص بوجه بين حشوتها القطنية،زاد تردد ضربات القلب وزاد صوته وعلا،تشجع وسرَّع من رتم نهشه لقطع القطن الذي كان لونها الأبيض واضح ويومض رغم الظلام ورغم عماء عينيه،يرتفع الصوت ويقترب كلما غاص في الوسادة, شعر كأنه لا يفصله عن قلبه الرابض في الوسادة إلا مسافة وهمية لا تـُقاس،نضح سائل على بياض القطن فحوله لأحمر دامي،قبل أن يتبينه إنفجر قلبه الرابض في الوسادة وغطى وجهه بالدماء!
انتفض مذعورا من نومه،وأنفاسه متقطعة،وقلبه يدق بعنف تكاد تتهشم منه ضلوعه، الغرفة مظلمة فقد أطفأ النور قبل أن يدخل إلى الفراش،غادر السرير مسرعا في إتجاة زر الكهرباء لينير الحجرة،إصتدم بالطاولة التي كان قد وضعها بجانب السرير ولم يرجعها مكانها،أوجعه الإصتدام وربما سيكتشف أنه أسال بعض دماءه،لم يبال وانتفض قائما مكملا طريقه بإتجاه زر الكهرباء،لم يتعب في الوصل إلي مكانه على الحائط،ضغطه ليضئ النور،ومضت اللمبة وبعد جزء من الثانية إنفجرت معيدة للحجرة ظلمتها المخيفة،سمع صوت غريب أت من نافذة الغرفة مصدره الشارع، كاد يتوقف قلبه،تذكر الموبايل،ولكنه لم يتذكر أين وضعه،لقد كان على الطاولة التي إنقلبت على الأرض ووقع كل ماكان فوقها،نزل إلى أرضية الحجرة وبدأ يتحسس بيديه المرتعشتين باحثا عن الموبايل،كان يسمع بكل وضوح إصطكاك ركبتيه اللتان كانتا تهزان كل أنحاء جسده،وربما سقطت قطعة من سن في فمه إثر إصتدامها بسن أخرى عندما انتابته رعشة جبارة من اخمص قدميه إلى شعر رأسه،تحسست يداه الكفيفتان أرضية الحجرة،وكأن الحظ يريد أن يكافأه وصل للموبايل،حاول أن يضيئه ولكن بطاريته كانت قد غادرته عندما سقط من فوق الطاولة،وكأن الحظ سحب عطيته مرة أخرى،بدأ رحلة بحث جديدة،كان يحاول أن يدفن كل رعبه،وكان يقنع نفسه أن خلاصه في شعاع نور،لم يخطر له أن يخرج من الحجرة وربما حاول ووجدها بلا أبواب جميعها جدران إسمنتية مقفولة ليس لها مخرج أو مدخل إلا تلك النافذة المطلة على ذاك الشارع الخلفي الضيق والتي نادرا ما تترامى إليه الأضواء من عمدان إنارة الشوارع الرئيسية البعيدة عنه،ذلك الشارع الذي لم يسمع مثل تلك الجلبة المرعبة الصادرة منه الأن من قبل،وكأنه قد تعاون مع كابوسه وظلام الحجرة على قتله من الرعب،كأنه وحده في هذا العالم لم يكن يشعر بأي شئ أو أي أحد خارج نطاق هذه الحجرة،وكأن هناك من عزله عن العالم لغرض ما، أجَدَّ البحث عن البطارية،فهذا طريق خلاصه،كان يشعر بأن أنفاسه تنزلق إلى الأرض من فمه المفتوح في رعب ولا تعود إلى صدره مرة أخرى مسببة له ضيق في التنفس وإختناق،كانت يداه الكفيفتين تَجِدَّان في البحث وكأن الأرض مفروشة بأشواك تعيق بحثهما، أمسك شئ مربع في حجم البطارية لكنه ليس البطارية،إنه علبة صغيرة من الكرتون،رماها دون وعي،تذكر انها علبة ثقاب،إستدار يبحث عنها فلو أشعل منها عود لزال الظلام،كيف لم يلاحظ هذا،سمع طرقة عنيفة على النافذة،أو ربما في الشارع،إزداد رعبه،لم يدري أين يضع يديه،إستدار وضع يده على الأرض فوقعت مباشرة على البطارية،أحس بفرحة وسط كل هذا الرعب،ولكن أين الموبايل؟! كاد يجن،أنقذه من الجنون يده التي اخرجت الموبايل من جيب بيجامته،وكأن كل عضو في جسده يعمل بمفرده وبدون أوامر منه، وضع البطارية في الموبايل وفتحه فأضاء.
على شعاع النور المنبعث من كشاف هاتفه المحمول،دار خلال الحجرة بنظره،حاول أن يجمع شتات روحه،نظر للأشياء المبعثرة من حوله، ولكنه سلط شعاع الكشاف على الوسادة فتأكد أنها سليمة وبكسوتها وليس هناك أي دماء،تذكر الدماء التي كانت تغطي وجهه،مسح بيده على وجهه وتهلل قليلا عندما لم يجد أثر أي دماء على وجهه من أثر الإنفجار المكتوم لقلبه،قلبه! تذكره فنزل بيده يتحسس صدره ليتأكد من أنه مازال هناك يسكن صدره،تأكد من وجوده خاصة ويده كانت ترتفع وتنخفض على صدره من شدة ضربات قلبه،إذن فقد كان كابوس،ياله من كابوس مرعب كاد يذهب بحياته من الخوف،أعاد النظر للحجرة والأشياء المبعثرة فيها،نظر للمبة المتدلية من السقف وقد أصيبت بالعمى والعقم ولم تعد قادرة أن تنير له الحجرة،فكر انه سيقوم بجلب أخرى جديدة ويعيد ترتيب الحجرة في الصباح،ليت الصباح يكون قريب،ولكن يا ترى كم الساعة؟ الساعة بهاتفه المحمول تشير الى الثالثة والربع عصرا،يا لها من حمقاء! يبدو أننا قد تخطينا منتصف الليل بكثير،لفت إنتباهه نور على يمينه،نظر فإذا نور شديد يبدو من خلف نافذته المقفولة،أتكون الثالثة عصرا فعلا وهذا الذي يبدو من خلف النافذة ضوء النهار؟ولكن كيف نكون بالنهار والغرفة غارقة في هذه الظلمة الحالكة؟كذلك ذاك الضوء المتسرب من خلف النافذة لا يبدو كضياء النهار،إنه يبدو كنور كشافات الإضاءة،لاحظ أنه لم يسمع منذ فترة ذاك الصوت المرعب الذي كان يأتيه متسربا من الشارع عبر النافذة،شعر بسكون مميت،والنور خارج النافذة يبدو هائل ومع ذلك لا يتسرب ولا خيط منه إلى داخل الحجرة،فكر أن أفضل ما يفعله هو أن يذهب إلى أمه ويقضي بقية الليلة في حضنها مثلما كان يفعل عندما يشعر بالخوف وهو صغير،ولكن هل يطرد أباه من جوارها وينام مكانه؟ فكر أن يخرج إلى الصالة ويضئ النور ويجلس قليلا،تذكر شئ،فدار برأسه سريعا موجها شعاع النور الصادر من هاتفه الجوال إلى مكان الباب،فرآه مكانه وليس الحائط سد كما رآه في الكابوس، ففكر أن أفضل شئ هو أن يلتحف بغطاءه وينام،توجه بنظره إلى السرير كان الغطاء على السرير و...وهنا دوى صوت غريب في الخارج،أشد رعبا من الذي سمعه منذ قليل،إرتجف بشده وبدأ الشعاع الصادر من جواله يرتعش لإرتعاش يديه،ويرتج لإرتجاج جسده الذي يرتجف بعنف،بدون إرادته،وكأن من يسوق قدميه شخص غيره، توجه إلى النافذة التي يبدو من خارجها النور،إمتدت يده لمصراعها فأدارته وبدأ يفتح النافذة،كان لا يريد أن يفعل ذلك،ولكنه لم يستطع التحكم في يديه وكأن شخص أخر من يتحكم بهما،بدأ يفقد الشعور بقلبه رغم أن ضربات نبضاته ترج كل جسده وتكاد تهشم عظام صدره،بدأ يفتح الشباك ببطء،وكلما فتحه كلما خفت النور خارجه وأكتسى الشارع بالظلمة التي إعتاده عليها،أي رعب تملكه هذه اللحظة،فليتراجع ويغلق النافذة ويصرخ مستنجدا بأبيه وأمه،ولكنه كان لا يملك لسان مثلما كان لا يملك قلب،كل الكلمات كانت تتردد في فكره وهو ما يعني أن أحدا غيره لن يسمعها،فتح النافذة عن أخرها،أخرج رأسه قليلا خارجها ليستطلع الأمر،الظلمة في الشارع كالمعتاد وأستطاع أن يرى ظلالا لأضواء على البعد في الأفق،يبدو أن القمر بدر هذه الليلة،فقد صنع نوره خيال وظل لبعض البنايات على أرضية الشارع،نظر إلي السماء كانت حالكة ولا يومض فيها أي نجم،والجو يغلفه سكون كسكون المقابر ووحشة كوحشتها،ولكن كان بإستطاعته أن يسمع صوت يبدو وكأنه قادم من أطراف الأرض، كأنه صوت طقوس إحتفال الساحرات في ليلة فالبورج على جبل الهارتس،كاد الصوت يسلبه ويأمره بإتباعه مثلما تفعل النداهة، ولكنه إستفاق رعبا عندما سمع صوت غريب،إلتفت يسارا برعب تجاه مصدر الصوت فوجد عربة تمر مسرعة عند تقاطع الشارع من بعيد،ومضت أنوارها للحظات ثم عادت الظلمة تحتل المكان، أخرج يده بالجوال،وبدأ يسلط شعاعه إلى اليمين ويستطلع فلم يرى شئ،تحول إلى اليسار وبنفس الطريقة لم يرى شئ،ربما تلك الأصوات كانت لبعض القطط الهائمة وانصرفت،تصلب لفكرة إخترقت فكره وخياله وكل كيانه،وقبل أن يتحرك لإدخال رأسه داخل الحجرة،فهو لن يجرؤ على النظر أسفل النافذة تماما بعد سماعه لذلك الصوت المكتوم المرعب الذي يبدو وكأنه صادر من أسفل سابع أرض،وفي غمرة تصلب تفكيره وحركته ودقات قلبه وأنفاسه، امتدت يد إلى رقبته في لمح البصر فجذبته كالطائر وأسقطته إلى الأرض أسفل النافذة سقطة مكتومة،لا تستيقظ لها أذنا الذئب، فلم تستيقظ لها أذن الحياة الصماء لتنجيه.
..

هناك 3 تعليقات:

  1. بتلعب على وتر الوهم والإيحاء.. غريب قوي العقل البشري.. فيما يؤمن به وفيما يختلقه وفيما يتوهمه

    اسلوبك ف السرد والوصف جمييييييييييل جداا

    القصة عموما بتفكرني بكذا حاجة لإدجار آلان بو.. فيها نفس الجو والروح

    بالتوفيق دايما

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك يا ضياء،دايما والله رافع من روحي المعنوية جدا،كل الود والتحية يا صديقي،وربنا ما يحرمنا من طلتك أبدا.

      حذف

  2. قرأت القصة دية أول مرة نشرتها بس محبتش أعلق الا لما أقرأها تانى
    أسلوبك فى السرد يجنن .. قدرت تعيشنى معاها كل لحظة .. أنا خفت وانفعلت معاها وصعب عليا .. انت تنفع تكتب حكايات رعب
    بس مش هتلاقينى .. أه بأعترف أنا لما كبرت بقيت جبانة وبطلت أقرأ قصص رعب

    بجد يا أحمد
    فرحانة بيك وبموهبتك الجميلة
    بالتوفيق ياارب
    وعايزينك بقى تعمل كتاب قريب

    ردحذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول