الجمعة، فبراير 14، 2014

بلبلة من الترجمة!

كنت قد كتبت منشوراً على الفيس بوك أتناول فيه جملة في أحد الكتب استوقفتني وأردت أن أعرض رؤية ما لها.
العبارة كانت من كتاب بالإنجليزية عنوانه:
The rise of early modern science. Islam, China, and the west.
لبروفيسور أمريكي إسمه: Toby Huff
وكانت:
The world is too complex for such mortal being to fully understand.
 والتي ذكرها كخلاصة لفلسفة المنظرين المسلمين في معرض مقارنته بين تناول رجال الدين والمنظرين الغربيين لقضية العقل والضمير reason and conscience وقرناؤهم من المسلمين.
والذي أوضح أن المنظرين المسلمين انطلقت رؤيتهم من التأكيد على محدودية قدرات الإنسان الفكرية. وأن العالم أكبر تعقيداً من أن يحيط بفهم كل أموره مخلوق فاني.
وقلت أن "هف" رغم تناوله لهذا الموضوع من خلال تناول أراء الشافعي، وكذلك تعرضه لأراء الغزالي والمعتزلة وغيرهم، لم يتمكن من الوصول لفكرة "الغيبيات" في العقيدة الإسلامية وأنها هي المقصودة في مسألة التعقيد وعجز العقل البشري عن إدراكها، لا الأمور الكونية بكل مناحيها ككل أو بشكل مجمل.
وقلت في نهاية المنشور أنني عرفت تواً أن الكتاب ترجم إلى اللغة العربية وتمنيت الحصول على نسخة منه تريحني من قراءة النسخة الإنجليزية.
وهي الأمنية التي حققها لي الصديق فاروق جبريل، بأن نشر لي رابط لتحميل الكتاب!
..
لكن بعض تصفحي للنسخة المترجمة حبذت أن أستمر في قراءة النسخة الإنجليزية!
فعندما نظرت في الترجمة على هذه العبارة تحديداً وعلى القطعة الواردة فيها تبلبل فكري قليلاً، فالنص الذي اقتطعت منه الجملة كان:
By way of contrast, we have seen that the Islamic theologians, as well as the legists, constructed a different philosophy of man. Their view stressed the inherent limits of man and his intellect. The world is too complex for such mortal being to fully understand, and, 
therefore, the uses of reason have to be carefully circumscribed.
المترجم، وهو أستاذ للأدب الإنجليزي ويشغل منصب عميد كلية، مما يرجح أنه الأكثر قدرة على فهم النص وترجمته، ترجم القطعة السابقة هكذا:
وقد رأينا في مقابل ذلك أن المتكلمين والفقهاء المسلمين قد وضعوا أنثروبولوجيا مختلفة عن الإنسان شددوا فيها على الحدود الكامنة في الإنسان وعقله. وجعلوا العالم أعقد مما يمكن لكائن فان أن يفهمه، ولذا فإن استخدامات العقل يجب أن تحدد بعناية.
..
ربما أنا ضعيف في اللغة الإنجليزية، وما سأقوله لا يتعرض للالتزام بحرفية النص ولكن الالتزام بدقة المعنى، لذلك ما كتبته لم يكن ترجمة للقطعة بل تبسيط لفكرتها كما فهمتها. فقد استخدمت كلمة فلسفة لا لكونها واردة في النص الإنجليزي philosophy of man, ولكن لكون الفلسفة منهج تناول نظري قد يختص بجانب واحد من جوانب حياة الإنسان، أما الأنثروبولوجي  فعلم تطبيقي يتناول الإنسان كحالة مجتمعة بكل جوانبه.
ولو أراد الكاتب استخدام الكلمة بنصها لفعل، وربما هو لم يستخدمها للسبب أعلاه. فلسفتهم هذه انطلقت من رؤية، وانطلقت رؤيتهم هذه من التأكيد على محدودية قدرات الإنسان الفكرية. وأن العالم أكبر تعقيداً من أن يحيط بفهم كل أموره مخلوق فاني. هذا ما كتبته حسب فهمي للعبارة:
Their view stressed the inherent limits of man and his intellect. The world is too complex for such mortal being to fully understand
وهو ما يختلف تماما عن ما ترجمه الدكتور محمد عصفور. فقد استخدم تعبير:
الحدود الكامنة في الإنسان وعقله
كترجمة لجملة:
the inherent limits of man and his intellect
بينما أنا فهمتها على كونها:
محدودية قدرات الإنسان الفكرية!
فأنا صراحة لا اعرف ما الذي قصده بـ "الحدود الكامنة" التي استخدمها كترجمة لــ the inherent limits فأنا عندما استخدمت "محدودية قدرات" كانت انطلاقاً من فهمي لـ the inherent limits على أنها القصور الفطري في فكر وإدراك الإنسان، ففكر وإدراك الإنسان مهما اكتشف واستنتج وحلل الأشياء في الكون من حوله وفي ذاته، يظل إدراكه وفهمه محدود كونه مخلوق مثلها فكيف يرقى ويقدر أن يفهم ويدرك الأسرار التي أوجدها الخالق فيه وفي الكون من حوله. وأظنه هو المقصود!
كذلك استخدامه لعبارة:
وجعلوا العالم أعقد مما يمكن لكائن فانٍ أن يفهمه.
فـ "أن يفهمه" هنا قد نفت الفهم بالكلية عن الإنسان، رغم أن الجملة الإنجليزية كانت: to fully understand أي أن يفهم بشكل شامل.
أنا استخدمت عبارة "يحيط بفهم كل أموره" فهذا يثبت أن هناك فهم جزئي، والقصور فقط في الفهم الكلي أو الفهم الشامل. وهذا الفهم الجزئي ربما يتمثل في الملموسات والظواهر المرئية، فالتاريخ العربي يثبت ذلك من خلال براعة المسلمين في العلوم الطبيعية، والجزء الغير مفهوم ربما يتمثل في الغيبيات العصية على التناول أو التحليل لعدم وجود طرف مادي يمكن تناولها من خلاله. والتى ربما جمعت في الأية الكريمة: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم. وهذه هي النقطة المقصودة.
وهو ما تناوله المؤلف لاحقا من تعرضه للمعتزلة والفلسفات التي طرقت أبواب هذه الأشياء.

بعد هذه البلبلة التي بالتأكيد مصدرها قصوري في فهم اللغة الإنجليزية، أظنني سأستمر في قراءة الكتاب بالإنجليزية كي اتعلم...وربما من الأفضل أن أقرأ كل فصل بالإنجليزية ثم أعود لترجمته بالعربية لأكتشف مقدار فهمي أو جهلي!

هناك تعليقان (2):

  1. انت تعترض ع الترجمة ومنظور الكاتب الأساسي صح؟
    يمكن الكاتب نظر إليها من المنظور الغربي كل شئ يمكن دراسته وإن العلماء المسلمين لم يدرسوا الغيبيات زي الروح مثلًا
    ربما يقصد بالحدود الكامنة، أن هناك قدرات في نفس الإنسان لايمكن اكتشافها، وإذا كان قصورًا مثل ما فهمت فهذا يعارض ما قلت أن الكاتب أنكر عليهم عدم دراسة الغيبيات.... أنا فهمت صح!

    ردحذف
    الردود

    1. أنا أعترض على الترجمة مع نفي حتمية أن يكون رأي الكاتب الأساسي صح!
      أنا قلت أن الكاتب لم يفهم أن المقصود من فلسفة المنظرين المسلمين بوجود هذا القصور في العقل البشري على تناول بعض العالم ومكوناته على إنه قصور في تناول المحسوسات أو الغيبات وليس في تناول الملموس والمرئي والمادي.
      فأنا أظنه أخذها على المجمل.
      والمقصود بالقصور هنا هو أن إدراك البشر له حدود، وعليه فالقصور ليس عن تراخي أو إهمال ولكن عن فطرة.

      حذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول