اعتادوا يوصفوا الفيلم بإنه عن مخرج سينما بيرجع بذاكرته لبلدة طفولته، لكن
الواقع إن الفيلم عن عامل تشغيل سينما صنع مخرج سينما.
لكن أياً ما كان وصف قصة الفيلم، سينما باراديزو هو تحفة فنية ممتعة.
في "سينما باراديزو" بنشوف علاقة خاصة جداً بين الطفل توتو وعامل
تشغيل السينما الفريدو، علاقة ما تقدرش تصنفها، هل هي علاقة صداقة، أم علاقة
أبوَّة، أم علاقة شغف مشترك بالسينما، أم هي كل ده وغيره كتير.
الطفل توتو طفل مجنون بالسينما، مش بس الجنون بإنه يتفرج على الأفلام، لكن
جنون وشغف بإنه يعرف الصنعة نفسها، إنه يلمس شريط السينما، إنه يحطه في مكنة العرض
ويشغله، إنه يظبط الإنارة والشاشة.
عشان كدة كان بيحاول يتقرب من الفريدو عامل تشغيل السينما.
توتو كان عايش مع والدته وأخته الصغيرة، ووالده راح الحرب وما رجعش. وده
كان كفيل بإنه ياخد علقة سخنة من أمه على كل غلطة بيعملها، علقة بتطلع فيها أمه
وجعها وألمها من وحدتها ومرراة حياتها من غير الزوج اللي راح وما رجعش. وفي مشهد
له مغزى كبير أما بتضربه بحرقه وعنف لأن قصاصات الشرايط اللي كان مجمعها في صندوق
صفيح ولعت وكانت هتولع في البيت، وتضربه أمه بعنف خاصة بعد ما تيجي الكاميرا على
الصور اللي كانت مع القصاصات، ومنها صورة والده ووالدته اللي أكلتها النار، بما
معناه إن والده خلاص مات، او إنهم لازم يعترفوا بده، وإنه مش هيرجع زي ما امه
بتقول، أو بتتمنى.
توتو، رغم العلقات الكتير اللي أخدها برضوة ما حرمش، وكان دايما في
السينما، ومحاولاته بإنه يتصاحب على ألفريدو عشان يتعلم منه ما وقفتش. لغاية ما
جاته الفرصة. الفريدو كان أمي، فعشان كدة دخل امتحان الإبتدائية وهي المرحلة اللي
توتو كان بيمتحنها.
وفي مشهد قمة الروعة بين توتو وألفريدو في قاعة الإمتحان، بيساوم توتو
ألفريدو إنه يغششه الإمتحان على شرط إنه يعلمه إزاي يشغل آلة السينما، وبيوافق
ألفريدو، فيحدف له توتو ورقة فيها حل الإمتحان، فياخدها الفريدو في سعادة ويوفي
بوعده لتوتو.
العلاقة بين توتو والفريدو تعمقت جداً، ونقل الفريدو لتوتو كل اللي اتعلمه،
لكن أكتر اللي عمق العلاقة بينهم هو حادث حريق السينما اللي بسببه فقد الفريدو
بصره، واللي كان هيفقد حياته فيه لولا ان الطفل توتو هو اللي انقذه بإنه جر جسمه
خارج الحريق بعد ما سقط على الأرض مغمى عليه، واللي بيظهر فيه حب توتو لالفريدو
وتعلقه بيه، خاصة وهو بيبكي وبيصرخ وهو بيردد اسمه عشان يفوق ويرد عليه.
الفريدو كان بيعلم توتو الحياة، ما كانش دايما بيقول له النصيحة بشكل
مباشر، كان بيجبهاله عن طريق اقتباس من فيلم أو قصة غامضة، عشان كدة أما حب يساعده
في إنه يحصل على حبيبته ويلفت نظرها ليه، حكى له حكاية الجندي اللي قال للأميرة
إنه هيسهر قدام شباكها 100 ليلة عشان يثبت لها حبه، لكن جه عند الليلة 99 ومشي،
واما بيسأله توتو وإيه الي حصل بعدها، بيقول له الفريدو إنه ما يعرفش!
وبيجرب توتو بالفعل، وبيفوز بقلب حبيبته، ويكون اعترافها بحبه في اوضة تشغيل السينما، وكأن آلة تشغيل السينما هي أجدر من يستحق ان يكون شاهد قصة غرامهم.
لكن بتفرق بينهم الأيام.
لكن بتفرق بينهم الأيام.
ورغم مرور السنين ومقابلته لبنات كتير بيفضل هو ده الحب الوحيد في حياته. أو
زي ما امه قالت له بعد ما رجع بعد سنين، إنها في كل مرة كانت بتتصل بيه كانت بترد
عليها ست مختلفة، لكن ما سمعتش صوت فيهم بيحبك بجد.
وبتكون نصيحة، أو المرة دي أمر، الفريدو لتوتو إنه يسافر
لدنيا أوسع، يسافر ويعمل مستقبل ويصنع حياة جديدة، يسافر وما يرجعش.
مشاهد النهاية في الفيلم محزنة، فتوتو بيرجع في مشهد جنازة ألفريدو وبيقابل
كل الناس اللي عاش حياته معاهم وهو طفل صغير، وبيقابل صاحب السينما اللي اشتغل
فيها في فترة طفولته وشبابه المبكر، وبيعرف منه إن سينما بارديزو البلدية هتهدمها.
وفي مشهد حزين بيرجع لمبنى السينما وهو خراب ومغطيه التراب وخيوط العنكبوت،
ويسترجع فيه أيام طفولته.
واستكمالاً لمشاهد النهاية المحزنة، بنشوف المشهد اللي بيقف فيه كل أهل
المنطقة، مكونات ذكريات توتو، والسينما بتتهدم. سينما باراديزو اتهدمت قدام عينه وما
عدش لها وجود، وكأنها قتلت كل ذكريات الطفولة الجميلة، وألفريدو مات، وعشان كدة توتو
خلاص كان قراره، واللي طلبته امه هي كمان منه، إنه هيسيب بلدته القديمة للأبد.
لكن ألفريدو ما بيقبلش غير بإنه يصنع نهاية حلوة للحدوتة. نهاية بترجعنا
لمشهد في بداية الفيلم أما بيدخل توتو أول مرة لغرفة التشغيل ويكون ألفريدو بيقص مشاهد
البوس من الأفلام، ويمسكها توتو ويبص فيها، ويمسك كوم الشرايط المقصوصة ويطلب من الفريدو
انه ياخدها، لكن الفريدو بيرفض، وأما بيغلب معاه بيقول له إن قصاقيص الأفلام ده هيديها
له هدية لكن هتفضل معاه، وبيطلب منه يمشي قبل ما يضربه!
يوافق توتو، لكن يخرج من الباب وهو بيفكر، وبعدها يرجع ويقول
لالفريدو، هو إزاي تديهم لي هدية ويبقوا بتوعي وتسيبهم عندك وما اخدهمش؟!
فيهب فيه الفريدو فياخد السلم جري!
وهنا بتكون أجمل نهاية للفيلم في المشهد الختامي أما توتو، ياخد الهدية
اللي سابها له ألفريدو، وتكون عبارة عن فيلم سينما قديم. ويكون الفيلم عبارة عن
تجميع لكل مشاهد البوس ومشاهد الغرام اللي كان الفريدو بيقصها من الأفلام.
وعلى مدى 3 دقايق تتنقل الكاميرا ما بين مشاهد البوس المعروضة على الشاشة،
وما بين تعابير وجه توتو، اللي كانت ما بين دموع وابتسام وتعجب، وحب.