الأربعاء، أغسطس 01، 2012

زززززززز !!


لم يخش يوما الظلام ولم يخف يوما من العفاريت،فلم يكن يسمح للخوف بالتسرب الى روحه،فقد كان يعلم أن ذلك لو حدث، سيحتل روحه إلى أجل غير مسمى !!
..
زززززز..زززززززز !!
نعم كان صعب جدا عليه تجاهل هذا الصوت الذي يلاحقه و يملأ أذنيه و يتردد صداه داخل خياله في صورة مرئية يغمض عينيه كي لا يراها، كان وحده في وسط ظلمة الليل الحالكة سائرا طريق طويل وسط مساحة شاسعة من الرمال الناعمة المنحدرة و المرتفعة تتناثر خلالها شجيرات النخيل فاردة سعفاتها كشعور الجنيات التي وُصفت له كثيرا في الحواديت و هو صغير، فكانوا يقولون له أن فلان مر خلال هذا الطريق ورأى إحدى الجنيات قد جلست في قلب إحدى النخلات الشاهقة و قد تدلى شعرها المنكوش حتى لامس حبات الرمال..
كان يحمل في يده فرع من البوص الناشف،تناوله ليتوكأ عليها و يتخذ منها رفيق في رحلته،لم يستطع التخلص من هذا الصوت،فكان كلما خفف خطواته،خَفَتَ الصوت و كأنه يتوقف لتوقفه،وكلما جَدَّ السير سامِحا لنسمات الهواء العليلة بإقتحام صدره و بمداعبة شعراته المتمردة على حبس شاله الأبيض الملفوف على رأسه، زاد الصوت وأرتفع و كأنه يقول له لن تفلت مني !
نعم كان لا يخاف،و لم يكن مازال طفلا ليخاف،فقد تخطى الثلاثين عام من العمر،و لكن بدأت الخيالات تلعب به، قالت له روحه أن زززززز تلك ما هي إلا صوت عفريت يلاعبه و يتلاعب به،حتى إذا ملَّ أعلنَ عن نفسه و كشف نفسه له، بدأ ينظر للنخيل من حوله و كلما مر من أسفل واحدة نظر لأعلى فيرى النجوم تتخلل سعافتها التي يراقصها النسيم،و لكن كلما نظر إلى شجرة نخيل بعيدة توهم أنه يرى بكل وضوح الجنية ذات الشعور و هي تتدلى من أعلى النخلة و شعرها المنكوش يلامس الرمال الناعمة و يسمع صوت جرجرته على الرمال مختلطة بصوت زززززز الذي ملأ عليه كل كيانه..
قرر أن يتوقف ويلملم شتات نفسه،توقف و وضع عصاه البوص جانبه، و جلس يقضي حاجته، لاعبت النسمات طرف جلبابه،و شعر بسكون أكثر،والأهم أنه لم يعد يسمع زززززززز ،و كأن العفريت قد قرر أخيرا أن ينهي مُزاحه الثقيل و يغادره !!
هل يبقى بمكانه هذا طوال الليل إذن ليضمن تخلصه التام من ذلك الصوت و ذاك العفريت المتخفي خلفه ؟
و لكنه قرر أن يكمل طريقه فهو أكبر و أشجع من أن يتلاعب به صوت، حتى و إن كان صادر من ملك الجان نفسه و ليس من عفريت من العفاريت الهائمة في ملكوت الله، و عليه فقد تناول عصاته البوص و بدأ في السير من جديد و قد أقنع نفسه أن هذا الصوت قد ذهب بلا رجعة هو و صاحبه،و لكن بعد خطوات قليلة بدأت زززززززززززز تملأ الكون من حوله مرة أخرى!!
هذه المرة كان الخوف الحقيقي بدأ يتسلل في الولوج إلى روحه، فأي عفريت هذا الذي إذا جلس جلس،و إذا أنطلق تبعه معلنا عن نفسه بـ ززززززززز ؟!
مع إزدياد وقع زززززز من حوله و هو سائر بدأت تتزايد الجنيات أم الشعور من حوله على أشجار النخيل ، بدأ يرى بعضهن يضحكن له و أخريات يعبسن بوجهه ، و أخريات يبدو عليهن الغضب ، حاول أن يغلق عينيه لكنه تعثر و وقع على الأرض بعد أن شعر أن هناك عشرات الأيادي تحاول أن تُلامسه أو تُطبق على رقبته، خشى أن ينظر خلفه،و هو الذي لم يخشى فِعل هذا من قبل أبدا ، فقد كان إذا هاجمه طيف خوف توقف في حزم و نظر خلفه و في كل الجهات، كأنه يقول أرني نفسك يا من تحاول إخافتي !!
و لكن ماذا صنعت به ززززززز تلك !!
كلما أبطأ من خطواته خفتت،و كلما أسرع زادت و علت كأنها تحاول اللحاق به !!
لم يُنكر عن نفسه أنه فعلا خائف، و ربما لو كانت بعصاه روح أو لسان لخاطبته و لهَوَنّت عليه ولأنَسَته في وحشة الليل هذه، و لكنها صماء يطوحها في الهواء مع كل خطوة و يغرزها في الرمال،و لا تتوقف ززززززز !!
حاول أن يُطَمئن نفسه قائلا أن البيوت قد اقتربت و كلها أمتار قليلة و يتخلص من ذاك العفريت الذي يلاحقه،و من تلكم الجنيات منكوشات الشعر اللاتي ملأن قمم أشجار النخيل من حوله،و كِدن يُفقِدنه أنفاسه التي بدأت تتقطع و معها زادت ضربات قلبه من الخوف حتى أن صوتها بدأ يعلو و يختلط في أذنيه بصوت زززززززز !!
من خلال خطواته السريعة التي تكاد قدماه من خلالها أن تتصادما و قد التفت رجليه على بعضهما البعض من الخوف كان جلبابه الفضفاض يرفف بشدة مع نسمات الهواء المحيطة،فأختلط صوت الثوب بصوت ضربات قلبه،و غلبهما صوت العفريت الرابض من خلفه صارخا زززززززززز !!
لم يتمنى أبدا أن يقتله الخوف،و لكن يبدو أن ما أدعاه سيكون هو السبب في قتله، قالوا كثيرا أن من يخشى العفريت يظهر له،و لكنه لم يكن يخشاه،..و لكنه بدأ يخشاه الأن !!
ززززززززز !!
يا له من صوت يقتله و يُعذّب روحه و يغرس الآف النِصال في قلبه الذي يكاد ينفجر من قوة ضرباته التي قد جعلت الدم يرتعش في كل عروقه حتى جعل جسده ينتفض مرتعشا كل لحظة و أخرى،و رغم طراوة الليل بدأت حبات العرق المُحرقة تغطي وجهه و تغرق جسده المنتفض،و تزييد من إحساسه بالإختناق الذي كاد يُجهز عليه و يطبق على صدره و لا يتركه إلا جثة هامدة..

شعر بشئ يطير فوق رأسه جيئة و ذهابا و كأنه قد جاء ليكمل عليه نكبته و رعبه و يُقرّب من ساعة هلاكه فزعا، ظنه عصفور هائم يطارده، أو ربما وطواط ليلي، شتت إنتباهه و كثرت مصادر الرعب من حوله، فعفريته مازال يصرخ زززززز ،و الجنيات متدليات من فوق شجرات النخيل يكنسن بشعورهن الرمال ،و عيونهن متقدة بألوان بيضاء و حمراء و سوداء، و ربما جني أخر في صورة وطواط يجول فوق رأسه ليكتمل رعبه و جنونه..
حاول أن يُبعد ذاك الشئ المُحَلّق فوق رأسه بحركات من يده اليسرى، و لكنه أكتشف أنه أعلى قليلا فرفع يده اليمني بالبوصة التي تطوحها أثناء سيره ليُصيبه فيُبعده أو يرديه قتيلا ، ضرب بالبوصة جهة اليمين ثم جهة اليسار..و لكنه تسمر مكانه و كاد يتجمد،طوح بالعصا مرة أخرى جهة اليمين بقوة فسمع ززززززز !!
فردها ثانية جهة اليسار بقوة فسمع ززززززززز !!
فعلها مرات و مرات و كانت كل مرة يصدر عن العصى ززززززز..ززززززز !!
مسكها فإذا الغلاف الرقيق الذي يغلفها موجود عليها، ذلك الغلاف الذي كانوا و هم صغار يصنعوا منه صفارات و نايات !!
ذلك الغلاف الذي عندما يضربه الهواء يصرخ ززززززززز !!
..
ضحك في هيستيريا و بأعلى صوته وهو يدور حول نفسه و لا يستطيع أن يسيطر على نفسه من كثرة الضحكات التي ترج كل كيانه،ربما لو رءاه أحد وقتها لظنه مجنون تماما أو ربما لأرتعب من رؤيته، و ربما هذا هو ما أخاف الجنيات أم الشعور المنكوشه فهَرَبْن من على قمم النخيل يُجرجرن خلفهن شعورهن الطويلة المنكوشة ليحتمين بكهفهن المسحور، فقد أزف الوقت و جاء الفجر و سطع النور و الضياء،و دُفنت المخاوف و الهواجس و عادت الروح يملأها الأمان.

هناك 8 تعليقات:

  1. :))
    انا قلت من الاول دي ياالعصاية يا الجزمة
    :))

    كتبتها بطريقة رائعة
    :))

    ردحذف
  2. ههههههههههههههههه

    أحيانا تحدث لنا اشياء نضحك على أنفسنا منها

    كنت هنا

    في انتظار جديدك

    سلامي و تحياتي

    ردحذف
  3. متلازمة الوهم والإيحاء

    فاكر مرة قلت إنك بتحب فيلم البيضة والحجر.. وبجد الفيلم ده عبقري وفي الحوار مجموعة جمل فلسفية مهمة عن الوهم والإيحاء

    استمتعت بالقراءة

    تسلم إيدك

    ردحذف
  4. ربنا يسامحك يا أحمد على الرعب ده
    بس حلوة أوى
    الجنيات أم الشعور المنكوشه
    ايه رأيك أبعتلهم أم سحلول ؟

    قصة ممتعة
    تحياتى لخيالك

    ردحذف
  5. انت تنطق الحجر الأصم ياأحمد صدقا تعاني أمتنا من ازيز متواصل بالحقيقة والخيال فالمشهد من حولنا يصور لنا ويسمعنا ازيز الرصاص بكل ارجاء الوطن المستعرب ليل نهار وقنواتنا الفضائية تئزئز بأزيزها وصداه يتكرر برؤوسنا ليل نهار وسياراتنا المتهالكة من وقع الوضع الأقتصادي تصدر ازيز من كل الأجزاء حتى مفاصلنا اصبحت تسمعنا ازيزها نتيجة قلة التغذية وتأكل العظام حتى بالصلاة ودرجات سلالمنا وابواب منازلنا اعتراها الصدء فتهالكت هي الاخرى وازيزها يخترق سكون الليل ليحيل تقلبنا على اسرتنا لتصدر هي الأخرى ازيزا يحيل النوم الى كابوس حتى أن أمتنعنا عن التقلب بالسرير فنحس ازيز صدورنا يكتم الأنفاس فتخرج مسرعا لشرفة شقتك او شباكها المتهالك ازيزا بأزيز وبعد أن تفتحه لتستعيد أنفاسك يطاردك الناموس بأزيز يحيل ليلك لكابوس هاتشكوكي حتى اصبحنا قاب قوسين او أدنى من أزيز الصدمات الكهربائية في مستشفيات الأمراض العقلية .......

    اللهم نسألك حسن الخاتمة وان تحفظ علينا عقولنا وديننا أنت القادر على هذا وبك نستجير ليل نهار ......


    كل التقدير والمحبة لمن يتحفنا ويفتح قريحتنا لينطق فينا الحجر الاصم اثابنا وأثابك الله ........

    ردحذف
  6. انت بضان فشخ

    ردحذف
    الردود
    1. ممكن يا دون كيخوتة توضح لي شوية انت تقصد إية ؟ أصلي بصراحة خيبة أوي في المصطلحات دي !!

      حذف
  7. مساء الغاردينيا احمد
    :(
    حرام عليك ياأحمد ايه الرعب دا
    جنيات وشعور منكوشة
    مش حنام النهردة :(
    بجد مبدع ياأحمد ودا مش جديد أسلوبك القصصي رائع وبتخلينا في قلب الآحداث لحد مانصدقها ودا دليل على إبداعك "
    ؛؛
    ؛
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    Reemaas

    ردحذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول