لقد هَرِمْنَا بما يُكافئ شيخوخة عشرة أجيال
ولم نُنجز ما يكافئ إنجاز الأشكال الرملية لطفل يلهو على الشاطئ
فنحن ننتظر السماء أن تمطر دون سحاب
والصحاري أن تخضر وتزهر كالجنان دون ماء
وأوطاننا أن تعلو وتتقدم دون علم أو عمل
وقلوبنا أن تتعايش وتترفق وتتسامح دون حب
وألسننا أن تنطق حكمة ونحن لم نتعلم إلا الحماقة
وأن نهزم العدو ببركة دعاء الوالدين دون سلاح أو خطة هجوم ودفاع
وأن ندخل الجنة بالقلب الأبيض والنوايا الطيبة دون تقرب للرب أو عبادة!
لقد هرمنا للحد الذي سيجعل عزرائيل يشمئز منا عندما يأتي ليقبض أرواحنا!
..
يا سيدي ما بقى إلا أن تثور الطرقات فتبتلع المارة الذين سئمتهم
وأن تعلن الحوائط عصيانها فتترك المحتمين بها عراة في وجه الحقيقة
وأن تأبى النوافذ أن تسمح للهواء بالمرور فيختنق الرابضون خلفها في تحفز
لممارسة الحقارة
وأن تلفظ السفن ركابها طعاماً لأبناء البحر الذي يحملها فوق جبينه وهم
يحملون كل عار فوق جبينهم
وأن ترفض السحب أن تدع الشمس تنشر ضياءها على عتمة الكون وتتركه غارق فيما
يستحق!
فنحن يا سيدي أقوام يهزون "وسطهم" طرباً عندما يسمعون الأناشيد
الحماسية والأغاني الوطنية، بينما الوطن نفسه لا يهز فيهم أي فكر أو عاطفة!
..
قضايانا "شائكة" فكيف لنا أن "نتناولها"؟
لا يصلح معها إلا الدهس بالنعال!
فنحن ما بين "عناصر" و"جماعات" و"عبيد"
و"شِلل" و"مؤيدين" و"معارضين" و"خرفان"
و"وحمير" ولا تدري أين ذهب ذاك الشئ الغامض صاحب لقب "مواطن"!
ونحن من نقبل أن يُضرب "المربوط" كي يخاف "السايب"
ولكن في الواقع نحن نضرب "المربوط" لأن "السايب" لا يُمكن
ضربه!
قضايانا لا تُعرض على محاكم، بل تناقش بالصوت "الحياني" على
المصاطب ونواصي الشوارع والحارات..
ولا يوجد فيها أدلة إدانة أو براهين براءة، بل تشوهات مائعة ما بين كفر
وإيمان، وخلسات يقظة وغفوة ما بين حياة وممات..
قضايانا حرباء تتلون لن تعرف لها يوماً لون إلا إن عرفت لون صاحب الجلالة!
..