الجمعة، أكتوبر 31، 2014

صبح



لا تظـُن الصُبحَ يرْدَعـَهُ الضبَابُ
أو نظرةٌ للباسِرين يَعْلوها اكتئَابُ

قد كان أفلحَ قبلهم لو كان يُجْـدي
سِجـْنُ الظـَلام وما كـَان الإيـَـابُ

لــو أنَّ خُــلداً للمَسَــائِل يُرْتَجــي
لتنـَازعـوا أهل التُقـَـي وأرْتـَـابوا

ولخـُلـِّدت برمَادِها دُثـُرُ الخَريفِ
وما اكتَست ثوبَ الربيـع هِضَابُ

روحُ الجَمـَال لهــا برَاعِمُ تـُزْهِرُ
وإنْ تمَــادى القـُبحُ أو عمَّ اليَبَابُ

هي الدوائـِرُ تَنـْقضـِي نَشـَــواتُها
ويُسْتـَعَاد بعِزهِ من اسْتَبـَاهُ غيَابُ
..

الأربعاء، أكتوبر 29، 2014

لطيفة النادي


فوجئت بجوجل النهاردة بتحتفل بسيدة مصرية ما سمعتش عنها قبل كدة، وهي السيدة لطيفة النادي، أول سيدة على مستوى مصر وافريقيا تحصل على رخصة طيران، وده كان سنة 33، وثاني سيدة تقود طائرة بمفردها، وأظن الأولى كانت ايمي جونسون أو ايميليا ارهارت. لكن الميزة في لطيفة النادي إنها عاشت لما وصلت 95 سنة، لكن ايمي وايميليا فـُقدوا وماتوا صغيرين!
ربما لأن لطيفة ما وجدتش التشجيع والدعم الكافي عشان تعمل رحلات كتير زي ايميليا وايمي، وده طوِّل عمرها شوية، لأن أي حد يعتمد على المصريين في دعم أو تشجيع لازم تعرف على طول إنه هيفضل محلك سر!
والدليل على كدة إن المحرر في الصورة دي 



بيقول:
وفي مقدورها أن تقوم برحلة كإيمي جونسون وغيرها، ولكن ينقصها شئ واحد، أتدرون ما هو؟
هو المساعدة أيها المصريون!
فهل تقبلون على مساعدتها؟!
وكعادة المصريين منذ عهد الكاتب المصري القديم -رغم أن مصر في ذاك العهد كانت جميلة- نفس القعدة، وودن من طين وودن من عجين!

لكن تظل أجمل حاجة في تجربة السيدة لطيفة إنها فتحت الباب وشجعت كثيرات من الفتيات المصريات على دخول مجال الطيران. يمكن كتير مننا ما يعرفش أساميهم، ولا عمره سمع عنهم. وده للأسف لأننا ما بنهملش غير أجمل الحاجات في تاريخنا ونشبط في اللي يجيب المغص!

دي مش تدوينة مفصلة، هي مجرد لمحة لإثارة الموضوع، ولإثارة شهية البحث عن لطيفة وزميلاتها، وعن تاريخنا الجميل.
..
سلام على أرواحكن يا عظيمات.

الأحد، أكتوبر 26، 2014

الاعتقاد والإلحاد.

كثر النقاش في الأونة الأخيرة عن حرية المعتقد وعن الإلحاد. وهنا أقدِّم عرض مُبسَّط لرؤيتي في هذا الموضوع.
..
لا إنسان بلا مُعْتـَقـَد، ولا مُعْتـَقـَد يُؤمِن به كل البشر، نحن ببساطة في حاجة لتقبل هذه الحقيقة.
بداية، تـَوَفُّر الحُرية يضمن الحماية للعقيدة ومُعْتـَنقيهَا، والعقيدة الحَقـَّة تكـْفل لمُخالفها الحرية، وحرية العقيدة لا ترتبط بما يأمرك به دينك تجاه الأخر - المُغاير في الديانة والجنس- وفقط، بل بما تقبله وتأمرك به روحك، وبما ينـْتـَهجه فكرك.
فالبعض يتخذون من الدين - ديانتهم أو الديانات المغايرة لها- مُبرراً لتعصبهم وعدم تسامحهم مع الأخر المُغاير في الدين أو المعتقد، فديانته قد تزدري الأديان الأخرى، وقد يجد هو في الديانات الأخرى ما يستوجب ازدراءه لها وعدم تسامحه مع معتنقيها. ولكن في الواقع أن كل ما قد يسوقه المرء من مبررات لعدم تسامحه أو تقـَبُّله لحق الأخر في حرية الإعتقاد مثله، ما هي إلا مبررات تسوقها النفس البشرية الشريرة لتكره الأخر، أو لتتسلط عليه.

ودعونا نشير إلى نقطة هامة.
ففي الواقع أن توَفر حرية العقيدة كإيمان لا يعني توفر الحرية الكاملة في العقيدة كممارسة، وهذا قد لا يكون نتاجاً لإضهاد من مُغَاير وفقط، بل ربما من مُشابه أيضاً. فالمؤمن بديانة ربما هو اعتنقها بمحض إرادته وبحرِّية، ولكن هذا لا يعني أنه سيجد فيها الحرِّية.
ففي مجتمعاتنا تجد التسلـُّط الكهنوتي، إن صح التعبير، له تواجد كبير. فرجل الدين يمارس سُلطة، والمُتعصب يمارس سُلطة، والمُتهاون يمارس سُلطة، فتجد أن ما دخلته بحرية هو في الواقع منزوع الحرية، وأن من له الحق أن يكون سلطان عليك -الناموس أو شريعة الديانة- هو في الواقع عليه ألف سلطان!
وربما هذا هو ما جعل البعض يجنحون للإلحاد أو اللادينية.


وهو ما يسوقنا إلى موضوع الإلحاد في الثقافة العربية الإسلامية وفي الثقافة الغربية المسيحية.
فالناظر سيجد أن الإلحاد في الثقافة العربية قد ارتبط -في معظمه- بالرُسل، بينما في الثقافة الغربية قد ارتبط بالإله ذاته، وإن كانت النتيجة في الحالتين واحدة.
فالعربي رفض الرسول بحجج كثيرة ومتنوعة، مثل كونه بشر مثله، مع إقراره بوجود الإله، بينما الغربي قد رفض وجود الإله ذاته ونفاه.
وفي المجمل، نجد أن بعضهم رفض الإله الذي عرفه عن طريق العرض عليه، الإله الذي وجده في كتابه المقدس، أو حدَّثه عنه علماء اللاهوت والوعَّاظ والمبشرون. وربما لو تعرَّف على دين آخر يعرض الإله بشكل مُغَاير لاقتنع بوجوده ولآمن به.
 وربما بعضهم رفض الإله الذي حاول استخلاصه والوصل إليه بنفسه، مثل إبراهيم الذي نظر حوله وحاول اكتشاف وإيجاد ربه، ولكن إدراكه لم يستطع الوصول لاستخلاص كـُنـْه هذا الإله وماهيته ليصل إليه وليتعرف عليه، فبعض الأمور نعجز عن استخلاص كُنـْهها، ولكن عندما نُعَرَّف به يسهل علينا استقراء صفاته وهل هي مُقنعة أم لا، فأنت تعجز عن نقد ما لا تعرف كيف يُوجد، فإن عُرِّفـْت بكـُنـْه وجوده استطعت أن ترفضه أو تقبله.
وربما إن أمعنا النظر حولنا لوجدنا أن بعض رجال الدين أصبح همهم أن يعتنق الناس ديانة، حتى لو لم تكن هذه الديانة هي ديانتهم. فبعض قيادات الإسلام والديانة المسيحية والبوذية، ستجدهم يحثون على التسامح بين الأديان في إشارة واضحة لرغبتهم في أن يكون لدى الأشخاص وازع ديني يقودهم ويُهذِّب سلوكهم، بغض النظر عن ماذا يكون هذا الدين.
وفي الأونة الأخيرة تناولت وكالات الأنباء خبر من ألمانيا عن قساوسة ورجال دين ومسيحيين ساندوا المسلمين في بناء مسجد على أنقاض كنيسة قديمة، ولم يُغضبهم ذلك، بل كانت فكرتهم أن يكون المكان بيت لله، أيا ما كانت الديانة التى سَيُعبِّر المكان عنها. هم فقط يُطمئنهم أن المكان سيُعبِّر وسيدلل عن وجود الله.
وربما ما أزكى هذا التوجه في الغرب هو صعود الفلسفات الحديثة التي تقول بنسبية الأخلاق، أو بلامنطقيتها وانهيارها أمام نقد الواقع، كَون ما قد أجده أنا سيئ قد يكون مُرَحب به في مكان أخر من العالم والعكس صحيح، ورغم اتفاق البعض بأن هناك ثوابت يتفق فيها الجميع، وإن قلـَّت، فإن هذا لن يساعد على إيجاد وخلق مجتمع فاضل أخلاقي، كون الأخلاق تتعرض للنقد كونها اختيارات شخصية وتفضيلات شخصية. لذا وجد رجال الدين أن التغلب على ذلك لا يكون إلا بعرض أخلاق غير قابلة للنقد، وهذا القانون الأخلاقي أو هذه الأخلاق الغير قابلة للنقد لن توجد إلا إن كان مصدرها لا يحمل هوى شخصي ولم يُصغه عقل بشري قابل للنقد، أن يكون مصدرها ناموس إلهي. أي إلا إن كان مصدرها دين.
إذن فلابد من إيجاد دين، ولإيجاد دين لابد من وجود إله.
..

عندما تناول الفارابي مسألة وجود الله اثبت وجود الله بالوجود نفسه. إذ قسَّم الموجودات قسمان -وكان لغيره من فلاسفة ومُتَكـَلِّمة المسلمين تقسيمات أخرى وتنويعات أخرى مضافة على لفظة الوجود- واجب الوجود وممكن الوجود، وواجب الوجود إما أن يكون واجب الوجود "بالذات" أو واجب الوجود "بالغير"، وهو الممكن إذا وُجد.
والممكن الوجود بـ "ذاته" لابد لوجوده من علة، فإذا وجد بعلـَّة، كان واجب الوجود بـ "غيره"، وهي العلة.
فالنور مثلاً ممكن الوجود بذاته، ولكنه لا يوجد بالفعل إلا إذا وجدت لوجوده علة، كالشمس مثلاً، فإذا وجدت الشمس صار النور واجب الوجود بغيره، وهو ممكن الوجود بذاته.
(( وإذا نظرنا لقضايا وجودية كثيرة، كمسألة الشر مثلاً، وتساءلنا، هل الشر واجب الوجود بذاته أم واجب الوجود بغيره أو ممكن الوجود بذاته أم ممكن الوجود بغيره؟
فإذا نظرنا لوجود الشر وجدنا أنه يوجد عند انحصار أو انعدام الخير، وعليه فهو ممكن الوجود بغيره لا واجب الوجود بذاته ولا ممكن الوجود بذاته، ولكنه يصير واجب الوجود بعلة انعدام الخير. ولكن هذا ليس موضوعنا.))
والممكن الوجود بغيره يحتاج إلى علة توجده، ولأن العلل لا يمكن أن تتسلسل إلى غير نهاية، فالأشياء الممكنة الوجود تنتهي إلى شئ واجب الوجود، وهذا الواجب هو الموجود الأول، الواجب الوجود بذاته، يُعطي الوجود إلى من لا يستطيع أن يعطي ذاته الوجود. وهو تفضي طبيعته بوجوده، لأنه بنص ما قال الفارابي "إذا فـُرضَ غير موجود لزم منه مُحال"، فلا يجوز كون بغير وجوده لأنه السبب الأول لوجود كل شئ.

وهنا ربما تتشابه رؤية الفارابي لرؤية الكندي، الذي توفي قبل ميلاد الفارابي بسنوات قليلة، فمعظم المصادر تقول أن الكندي توفي عام 256 هجرية، والفارابي ولد 259 هجرية، فالكندي الذي تناول فكرة الوجود والعدم ووجود الله، وجد أن الله هو القادر على "تأييس الأيسات عن ليس"، وأيـْس خلاف ليـْس، بمعنى وجود وعدم وجود، وكان العرب قديما يقولون: ائت به من حيث أيس وليس، أي من حيث يكون أو لا يكون، أي إيجاد الموجودات من العدم، أي خلق المخلوقات من العدم. وهو الخلق الأول للموجودات، الممكنة الوجود بذاتها والواجبة الوجود بغيرها على نحو ما وضحنا بالأعلى، وجميعها لا توجد إلا بعلة تنتهي إلى الشئ الواجب الوجود بذاته، وهو الله.

ربما جاء اثبات الفلاسفة المسلمين لوجود الله على هذا النسق انطلاقاً من وصف الإسلام والله ذاته في كتابه الكريم بأنه ليس كمثله شئ وأنه على كل شئ قدير، وأن أمره للشئ بأن يقول له كن فيكون، وكذا بمراجعة الخلق والتكوين كما ذكره الله في القرآن الكريم، وحركة الكون والأجرام السماوية وغيرها من الطبيعيات المتعلقة بالكون والحياة، فربما معرفة الكون والحياة المعرفة الحقة تقود لمانح الحياة ومُسيِّر الكون.
قد يبدو هذا انسياقا خلف نص ديني أو تنويعات على مضمونه ومعناه وبالتالي لن يخرج عن نطاق ما يدعو -أي النص الديني- للتسليم به، أي وجود الله ووحدانيته. ولكن المُتأمل سيجد أنه ولو حتى كانت النتيجة واحدة، فقد وضع عمل هؤلاء الفلاسفة وأوجد لهذه الحقيقة وهذه النتيجة برهان عقلي مبني على منطق علمي لا على مجرد حدس أو تخمين لامنطقي أو تسليم عن عجز أو لامبالاة.

بالتأكيد هناك فلاسفة أخرون تناولوا هذا الموضوع، مثل ابن رشد والغزالي وابن سينا وغيرهم، وغير هؤلاء جميعا من الفلاسفة الغربيين، مثل توما الإكويني بالعصور المبكرة، والذي يقول بعض الباحثين انه استعان بفلسفة ابن رشد وابن سينا "وابن سينا كفـَّره البعض ومنهم الغزالي!" لإثبات وجود الله - وخاصة فكرة "المُحَرِّك الأول" التي كانت واحدة من البراهين التى ساقها الفلاسفة والطبيعيون المسلمين، ومن قبلهم أرسطو لإثبات وجود إله- ومثل ديكارت ولايبنتز وكانط في العصر الحديث.
..
لكن الأكيد بعد هذه الأدلة العقلية فإن وجود الله يحتاج لقلب وروح، لا لعقل وفكر فقط. وربما هذا ما جعل الغزالي يُكَفـِّر ابن سينا، فابن سينا قد افترض فرضيات -مثل إلمام الله بالكليات دون الجزئيات- وجدها الغزالي بإيمانه، القلبي والروحي قبل العقلي، بمدى قدرة الله، كُفر. وفي الحقيقة لو أنصف هو وغيره لأعتبر هذا مجرد "قصور" عقلي في البرهان على قضية أعقد من أن يحيط العقل البشري بجميع جوانبها، وأنها كانت فقط تحتاج لقلب يوقن ببرهان الإحساس لا لعقل يأبي إلا أن يقتنع.
..

الخميس، أكتوبر 23، 2014

يا ريتني ما عرفت!

في نظرية المعرفة "الإبستمولوجيا" بيتم تقسيم المعرفة "النوليدج" لأقسام كتيرة أو انماط مختلفة من المعرفة. يمكن أهمها نمطان، النمط الأول هو المعرفة الإفتراضية "البروبوزيشينال نوليدج" وهي المعرفة اللي بتفترض إن في شئ موجود أو بيحصل في الواقع بطريقة معينة. أما الثاني فهو معرفة القدرة "أبيلتي نوليدج" وهو معرفة الطريقة العملية والكيفية اللي بيمارس بيها الشئ اللي افترضنا حدوثه أو وجوده.
يعني عبارة "لو وقعت في المية لفترة طويلة هتغرق، لأنك هتبقى غير قادر على التفس لعجزك عن استخلاص الأكسجين الموجود بالماء لأنك مش زي السمك ليك خياشيم" دي معرفة نظرية، لأنها بتفترض ده، أما معرفة القدرة هي أما تقع في المية لفترة طويلة فتقوم تغرق :D.
أو خلينا نقول تفادي الوقوع في المية لفترة طويلة عشان ما تغرقش، لمعرفتك الافتراضية إن الوقوع في المية لفترة طويلة يسبب الغرق، يعني معرفة القدرة ممكن استخدامها خلف خلاف :D
وإن كانت المعرفة الإفتراضية برضو يمكن استخدامها خلف خلاف، بما يسمى "مبدأ الانغلاق" "كلوشر برنسيبال" اللي بيقولك إن الإنسان إذا توصل لمعرفة افتراض معين وكان عارف إن ده بيستلزم وجود افتراض تاني، فهو يبقى عارف الإفتراض التاني كمان. يعني لو انت عارف إن القاهرة هي عاصمة مصر، يبقى ده معناه إنها مش عاصمة دولة تانية زي انجلترا مثلاً، وعليه يبقى انت عارف كمان إن القاهرة مش عاصمة انجلترا.
وهو ده اللي استخدمناه في مثال الغرق، معرفتك إنك لو وقعت في المية لفترة طويلة هتغرق فده بيستوجب إنك تعرف إنك لو ما وقعتش في المية لفترة طويلة مش هتغرق!
ويمكن ده بيتماس شوية مع ما يسمى المعرفة البديهية/التجريبية "بريوراي/ إمبيركال نوليدج". واللي بتقولك هل المعرفة اللي اكتسبناها دي كانت نتاج بحث حوالينا ولا كانت بمعزل عن أي بحث أو استكشاف "بالمفهومية يعني!"، بيقولك يعني لو عرفت مثلاً إن القاهرة عاصمة مصر فدي معرفة تجريبية لأنك أكيد بحثت ودورت لغاية ما عرفت ده، أما مثلاً لو قلنا إن الست دي زوجها ميت فبديهي إنها "أرملة" ولو قلنا إن الراجل ده "أعزب" فبديهي إنه مش متجوز، كأن المسألة فيها مسألة ترادف، وده سهل تحصيله وأضعف المعرفة!
..
كلنا ممكن نمارس معرفة القدرة بدون ما يكون عندنا أصلاً فكرة عن المعرفة الإفتراضية المرتبطة بيها.
وده بسبب إن الإنسان عنده ما يسمى القدرات الإدراكية "كوجنيتيف فاكوليتيس" وده لأن الإنسان بيتمتع بحواس مثل السمع والبصر والشم واللمس، وقدرات مثل التفكير والشعور والوعي، فده بيتيح له اكتساب معتقدات حقيقية موثوق فيها عن طريق الممارسة العملية، لامتلاكه ما يسمى المهارات المعرفية " إبيستمك فيرشز" المتمثلة في الصفات اللي ذكرنها.
زي ما مثلاً ما الطاسة "سوري القلاية!" تولع على البوتجاز وانت بتحمر البطاطس، فبتشوفها بنظرك، ويدي عقلك أمر لإيدك فتقوم "تكتمها" بقطعة قماش فتقوم النار فيها تطفى، انت كدة قدرت تطفي النار لكنك في الواقع ما تعرفش ده حصل ازاي، ما عندكش المعرفة الإفتراضية لتفسير ده.

وفي نفس الوقت حاجات كتير في حياتنا بتكون معرفتنا بيها معرفة افتراضية، وللأسف حاجات كتير من الحاجات دي حاجات أساسية، زي الحب والتسامح والتكافل، وغيرها.
كلنا على معرفة افتراضية بالحاجات دي، لكن هل عندنا معرفة قدرة بيها؟ هل احنا قادرين على ممارستها وتطبيقها بما يكافئ ويوافي المعرفة الإفتراضية بيها؟
كلنا بنطلـَّع للحب ألف وصف وألف تعريف افتراضي، لكن هل في الواقع عندنا قدرة على ممارسة الوصوفات والتعريفات دي؟
كلنا بنحب كلمة التسامح وكلمة التكافل وكلمة العطف، وبنعرَّفهم بتعريفات افتراضية كتير، لكن هل احنا واقعيا بنمارس ما يكافئ هذه التعريفات؟
..
يمكن دي واحدة من مشاكل الإنسان، أو مشكلته الأساسية في الواقع، لأن الإنسان لا ينحصر فعله إلا ما بين إثنين، صح وغلط، أو صواب وخطأ!
وهنا بتظهر معضلة التوافق والتضاد بين المعرفة الإفتراضية ومعرفة القدرة، فربما يكون عندك معرفة افتراضية بإن حاجة معينة غلط، لكن هل عندك معرفة القدرة إنك ما تعملهاش؟
وبالمثل، ربما يكون عندك معرفة افتراضية بإن حاجة معينة صح، لكن هل عندك معرفة القدرة للقيام بيها؟
الإنسان بداخله بيملك الضعف والقوة، الجبن والشجاعة، التردد والجسارة، وكل ده بيظهر في افعالنا، المعرفة الإفتراضية بتقول لنا إمتى وفين ممكن نستخدم قوتنا، شجاعتنا، جسارتنا، وبتدي وصف لكل فعل منهم، لكن ممكن أما يجي دور معرفة القدرة ما نلاقيش إلا ضعفنا، جبننا، ترددنا.

يمكن من حسن حظ الإنسان، وربما من سوء حظه، وأظنه كذلك!، أن كل فعل يقوم به يقوم ضميره بتقييمه، وإما أن تقبله وتحبذه ذاته أو ترفضه وتنبذه. ولكن الضمير لا يحبذ شئ أو يرفضه إلا بسابق معرفة افتراضية به، وهذه المعرفة هي ما توجه معرفة القدرة لديه ليقوم بفعل ما أو ليمتنع عن القيام به. فإن انعدمت مصادر المعرفة الإفتراضية أمام الضمير بشان فعل ما أو سلوك ما، ربما وقتها سيقع في حيرة وصراع مع النفس، وحينها ستكون نتائج الفعل هي الفيصل، وإن كانت النتائج أصبحت تبرر أيا ما كانت!
وده اللي بيسموه المعيار المعرفي "إبيستمك نورم" اللي بيعتمده الإنسان عند افتقاده للقاعده أو للمعرفة الإفتراضية المسبقة، وهو قاعدة بيتبعها الإنسان عشان يتوصل لإعتقادات حقيقية عن طريق تقييم الأدلة والنتائج، وده بيستلزم منه انه يكون حريص ومحايد، عشان ما يطلعش بتبرير على مزاجه، وده بيبعده تماما عن الحقيقة.
..
الإبستمولوجيا علم جميل وبيوضح وبيفسر لنا حاجات كتير في سلوك الإنسان وتعامله مع العالم والكون، لكن في نفس الوقت هو علم تجريدي، بما يعني إنه صعب، قرأت 20 صفحة في كتاب خلال سنة!، ومحتاج الواحد باله رايق ودماغه فايقه عشان يقدر يقرأ فيه ويفهم...على الأقل يفهم 30%!
وأظن إني هلفطت كتير في التدوينة دي، لدرجة إني باين مش فاهم حاجة من اللي انا كاتبه، فكفاية كدة!

عاوز أختم بس بحاجة بسيطة، وهي إننا دايما بإمكاننا إننا نعرف، لكن مش بإمكاننا اننا نرجع للجهل باللي بالفعل عرفناه، فلو سعيت للمعرفة لازم يكون عندك العزم والشجاعة لتطبيق اللي عرفته، يمكن ده مُتعب، لكن يكفي إن المعرفة بتوَصَّل للحقيقة. مافيش حد وصل للحقيقة قبلنا، وما أظنش حد هيوصل لها بعدنا، لكن المهم إن سعينا للوصول للحقيقة ما يتوقف، وشغفنا ما يفترش، ده على الأقل كفيل إنها تبين لنا حتة منها، لأنها عمرها ما هتكشف منها فتفوته لحد مش عاوزها.
..

الأربعاء، أكتوبر 22، 2014

صباح



كـَونٌ نضـَىَ ثـَوبَ الدُجَى
وتـَأزَّرَ نـوراً بهـَاهُ مُرْتجَـى

اِنهال لثْما بالضيَاء وبالقُبل
لورود وجنـَات الصَباح وللمُقل

خجـَلت ومَال دلالُها مُتـواريا
فتكشَّفت بالسَتر مفاتنِيها جواريا

سحرٌ تجلَّى كأطْيـَاف الغيـَام
وأنا الطليقُ بين جَنبـَات الهُيام

تكَحَلت ببـَريقهِ مُقلُ العيـون
ولحُسْنِها صَرعى تهَاوى الناظرون

طلبوا الوِصَال فأقـْبَـلت بُشـْراتُه
واثْمَلوا بالنشْوى السَائلين سُقـَاتُه

نغمٌ تَسَرْمدَ بين طيات الصَدى
مُتحاشيا أيـْدي الغيابِ والـرَدى

طربَت لعْـزفه أسْمَاعُ البَـراح
وتطيبَت من مُرِّها كل الجرَاح

عِطـرٌ سَرى بأسْرار الـوداد
مُسافرا بالحـُب بُشْرى للعِباد

طَرقَ المَدائنَ واستَبَد بالربُوعْ
فتَبسمَت وكفْكفت كُل الدموع

فيا سَالك الطرقاتِ مُلتحِفا مُنَاه
ثرواتـُهُ الإيمـَانُ لا مـَال وجـَاه

قد أبْكـَرَ وبكـُل فـَرح يَتـَغـَنـَّى
وكأنـَّه ما قـَضيَ ليله يَتـَعـَنـَّى

إن الشموسَ لها آذانٌ تسْتجيب
لشفاةِ روح قولها لها يَسْتطيب

فلا يُقْلقَنَّك إنْ دَام السَبيلُ يَطولُ
إنَّ المَسير إلى الأمَاني وصُولُ

..