الجمعة، ديسمبر 06، 2013

Invictus, كيف حوَّل مانديلا الفُرقة إلى وحدة؟

Invictus هو عنوان فيلم تم عرضه في نهاية عام 2009 من بطولة مورجان فريمان ومات ديمون، ومن إخراج كلينت إيستوود.

الفيلم مأخوذ عن كتاب للصحفي جون كارلين John Carlin،بعنوان Playing the enemy, Nelson Mandela and the game that made a nation.

الفيلم يتناول الأحداث في جنوب إفريقيا بعد فوز مانديلا برئاسة جنوب إفريقيا عام 1994، بعد إطلاق سراحة من السجن بأربع سنوات، ليكون أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا، مثيراً المخاوف داخل السكان البيض من أن يرد لهم ما قدموه له سابقاً، وللسود بوجه عام في بلد يرضخ لسياسة الأبارتايد Apartheid. ولكنه خالف كل الظنون وسعى وعمل بكل جد على تجميع أمته بجميع أعراقها، لجعلها تعيش في مصالحة وتسامح ومحبة. وأستخدم من أجل الوصول لذلك لعبة، وهي لعبة الرجبي Rugby, وكانت جنوب إفريقيا تنظم كأس العالم للرجبي في عام 1995، أي بعد عام من توليه الرئاسة، وكان السود في جنوب إفريقيا لا يشجعون فريق بلادهم،Springboks، لأنهم يرونه لا يمثلهم ولا يمت لهم بأي صلة، فكل لاعبيه بيض من المحتلين، ولذلك كانوا يشجعون أي فريق منافس له!
عندما تولى مانديلا الرئاسة، تساءل معارضوه في سخرية، بإمكانه أن يفوز في الإنتخابات، ولكن هل بإمكانه إدارة بلد؟
كان مانديلا يعلم أنه كي ينجح في إدارة بلده، يجب أن تكون بلده موحدة ومتحدة ومترابطة، لا في إنفصال وعداوة كما كان الحال. فسعى بالكثير من السبل إلى توحيد شعب جنوب إفريقيا، وجعلهم يعيشون في محبة وتسامح، ومن الجمل المأثورة في الفيلم على لسانه:
Forgiveness liberates the soul and removes the fear, and that's why it's powerful weapon.
التسامح يحرر الروح ويزيل الخوف، ولذلك هو سلاح فعال.
وكان التسامح هو سلاحه الفعَّال.
فأستغل فرصة كأس العالم للرجبي وسعى من خلال هذه اللعبة إلى توحيد الشعب الجنوبي الإفريقي، فدعم المنتخب الجنوب إفريقي وحضر تدريبات له، وعارض قرار الإتحاد بتغيير لون زيه، الذي كان السود يرونه رمز للذل والإستعباد والعنصرية التي عانوا منها لسنوات. وأستضاف قائد الفريق وحفزه على الفوز. وطلب من الفريق أن يقوم بجوله في أنحاء جنوب إفريقيا ليتعرفوا على بلدهم، وليشاهدوا الناس ويشاهدوهم، وليختلطوا بهم ويحتكوا ببعضهم البعض ليعلموا ويشعروا بأنهم شعب واحد، فهذا بداية الطريق للحميمية الأخوية بينهم.
وبالفعل نجح مانديلا، في جعل منتخب جنوب إفريقيا يفوز بالكأس لأول مرة بعد هزائم متوالية، وجعل الشعب الجنوب إفريقي يفوز بكأس وحدته وتوحده.

ولد نيلسون مانديلا في 18 يوليو 1918، درس القانون وناهض الإستعمار من سن مبكرة وأنخرط في السياسة وناهض سياسة الفصل العنصري، وأنضم لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC، ومارس من خلاله نشاطه، إلى أن قُبض عليه في عام 1961 وحوكم بتهمة الإعتداء على أهداف حكومية وحكم عليه في 1962 بالسجن مدى الحياة.
مكث مانديلا بالسجن لمدة 27 سنة إلى أن اطلق سراحة في عام 1990 بعد إنتشار حملة دولية من أجل الضغط لإطلاق سراحه.
خرج مانديلا وجنوب إفريقيا في وسط حرب أهلية، وتعاني من تفكك مجتمعي وعنصرية ومشاكل سياسية ومجتمعية لا تُعد ولا تحصى. خرج وترأس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وقاد المفاوضات مع الرئيس دي كليرك لإلغاء الفصل العنصري، وعمل على إقامة إنتخابات متعددة الأعراق، وهو ما حدث في 1994 وقاد فيها مانديلا حزبه إلى الفوز وترأس جنوب إفريقيا.
وقادها كما شاهدنا جميعاً، بالحب والتسامح والعمل على التجميع والتوحيد والإتحاد، فأسس دستوراً جديداً، ولجنة للحقيقة والمصالحة للتحقيق في أحداث الماضي لتلاشيها ونبذها مستقبلاً، وعمل على إقامة مجتمع قويم صحي صالح، وعمل على مكافحة الفقر والتنمية المجتمعية، إلى أخر كل تلك الإنجازات الإقتصادية التي وازت إنجازاته المجتمعية التي جعلت من جنوب إفريقيا مثالاً مُشرفاً وتجربة تُحتذى.
تولى الرئاسة في جنوب إفريقيا لفترة واحدة ورفض الترشح لولاية ثانية. وتفرغ للأعمال الإنسانية والمجتمعية، مثل مكافحة الفقر والعنصرية، ونشر الحرية والتسامح. ولكنه ظل الأب الروحي للدولة وللشعب الجنوب إفريقي، وأحد رموز إفريقيا الخالدين.

توفي نيلسون مانديلا اليوم، ولكن من صنع حياة في حياته، تبقى له هذه الحياة بعد مماته.
..

الأربعاء، ديسمبر 04، 2013

Naming the dead

Naming the dead هو بإختصار مشروع أطلقه مكتب الصحافة الإستقصائية The bureau of investigative journalism ومقره بلندن. وهو مؤسسة بحثية مستقلة لا تسعى للربح تعمل للصالح العام، كما يقول الوصف على موقعهم!
هذا البرنامج أُطلق من أجل حصر وتوثيق ضحايا العمليات الأمريكية في باكستان، ويعمل على جمع أسماء وبيانات ضحايا هذه الهجمات كي لا تضيع على مر السنوات، فأقل ما يمكن فعله للضحية أن يُدوّن إسمه علـّهُ يظل مذكور!

أنا هنا لست في معرض الحديث عن هذا المشروع بعينه، ولكني فقط ذكرته لأنني أظن أننا في حاجة لمشروع مماثل لتوثيق أسماء القتلى في بلادنا!

فالضحايا الذين يسقطون كل يوم في بلادنا من أقل حقوقهم أن يتم توثيق أسمائهم كي تعرفهم الأجيال القادمة، وكي لا تموت ذكراهم مع ما مات في هذا الوطن من أشياء.
ولكن هل سنستطيع توفير حبر وأوراق تكفي؟!
ربما قتلى باكستان كانوا أكثر حظاً، فقاتلهم معروف، أما قتلانا فدمهم مفرق بين القبائل. فلا يمر يوم إلا وهناك قتلى في مصر في مظاهرات أو مسيرات أو خناقات، وضحايا تفجيرات في العراق،  وإشتباكات في ليبيا وعمليات في لبنان وقصف في سوريا. ومن لا يموت قتلاً، يموت قهراً وذلاً وإستعباداً.

كيف وصلنا لليوم الذي وصل فيه أعداءنا قمة نجاحهم بنجاحهم في جعل قـَتـْلنا لبعضنا البعض روتين يومي؟
من بنى أسوار حول قلوبنا ففصلها وعزلها عن بعضها البعض وأصبحنا لا نشعر ببعضنا البعض لا في أفراح ولا في اطراح؟


ليست البلادة العاطفية وحدها هي من جعلتنا أحجار لا تشعر حتى أصبح سهل عليها تقبل مشهد الدماء والأشلاء والدمار، ولكن ربما لأننا لا نعرف قيمة الحياة أصبحنا نرى القتل شئ هين، فالجهل بقيمة الحياة أسوأ ما في الأمر، ولا أقصد قيمة حياة من قـُتل وأهدر دمه وفقط، ولكن قيمة حياة الأحياء أيضاً، حياتنا نحن من مازلنا هنا على سطح الدنيا وما فـَرَق فِعلـُنا عن ما مات شئ، ما اكملنا مسيرة، ما اصلحنا أوضاع، ما عَرفنا كيف نحب بعضنا البعض. فمن تراه أفضل، من قُتل من أجل قضية، أو بدون ذنب، أم من بقى حياً إسماً لا فعلاً، وصفاً لا حالاً؟
ربما إذن من مات قد أدى دوره ورحل، وربما من الأفضل أن ندعه يرقد في سلام، دون حصر أو توثيق، فالواقع أن ما يجب علينا فعله هو أن نحصرأسماء الأحياء لنعرف ما سينجزوه!
..

الأحد، ديسمبر 01، 2013

الحياة بطعم المنيا!


لكل شئ في المنيا طعم خاص عنه في أي مكان أخر، وهو في الغالب-على الأقل بالنسبة لي- أسوأ!
فإنك إن اشتريت مثلا كيس "شيبسي" أو علبة تونة "بلو سي" أو حتى علبة جبنة "دمتي" فإنك تجد لكل هذه الأشياء –رغم أن جميعها معلبات- طعم يختلف تماماً عن طعمها في أي مكان أخر بالجمهورية!
وقفت ذات مرة على أحد محلات البقالة لأشتري بعض الأشياء، وطلبت صابون، فسألني البائع:
صابون حُما (استحمام)؟
فقلت له: أه!
فأتي لي بصابونة اسمها "جود لك" ذات رائحة غريبة لا تمت لأي العطور بأي صلة، فقلت له بغضب ممزوج بالمزاح:
يا عم أنا عاوز صابونة حُما، مش صابونة عاوزة تستحمه!
..
جميعنا ربما سمعنا ونسمع عن الأحداث الطائفية في المنيا، والتي في المعتاد يكون سببها علاقة شاب مسلم بفتاة مسيحية أو العكس. إلى جانب طبعاً بعض الأسباب الأخرى مثل النزاع على أرض أو ما شابه، ولكن يبقى السبب الأول –العلاقات- هو السبب الرئيسي لمثل هذه الأحداث، لأن النزاعات الأخرى –مثل نزاعات الأراضي وغيرها ليس حتما أن تكون بين مسلمين ومسيحيين بل هي تكون متنوعة وغير مرتبطة بالطائفة!

أتذكر بالعام الماضي حدث شئ مشابه في القرية المجاورة للأرض التي كنا بها، اعلم هذه القرية جيداً واعرف الكثيرين فيها، ومنهم مسلمين ومسيحيين، وأعداد كلا الطائفتين متقاربة تقريباً. ما حدث هو أن أحد الشباب المسيحيين كان يقود دراجته النارية متباهياً أمام بعض الفتيات ذهاباً وإيابا في الوقت الذي كان فيه المصلون يؤدون فيه صلاة الظهر بالمسجد القريب، فإذا بأحد الأشخاص –وهو مسلم ولديه إعاقة وعجز جسدي- يلوم هذا الشاب ويعنفه بأن هذا عيب –أي قيامه بمعاكسة البنات- وأن الصلاة في المسجد قائمة وهو يشوش على المصلين!
لكن الشاب لم يستجب، ربما لأنه وجد خصمه ضعيف، وقابل كلامه بكلام وتطور الكلام حتى وصل إلى تشابك، طبعاً الشاب المسيحي كان أقوى بينما المسلم كان ضعيف -لإعاقته الجسدية- وإذا بالقدر يجعل أحد معارف ذلك المسلم المعاق يمر عليهما فيرى ما يحدث فيجري عليهم ويضرب الشاب المسيحي ضربا مبرحاً ويهينه. فينصرف الشاب المسيحي بعد أن تجمع الناس، ويظن الجميع أن الأمر قد انتهى. ولكن بعد يومين إذا بأسرة ذلك الشاب المسيحي تطلق النار على ذاك الذي ضرب ابنهم –والذي لم يكن طرف في الموضوع من البداية!- لم يصب بأذى، ولكن كان هذا بمثابة إعلان للحرب!
فقد أقامت أسرة الشاب المسيحي سور عال من الطوب أمام البيت ونصبوا الأسلحة النارية في محيط البيت وجاءهم دعم من قرى مجاورة ليساندهم، وهو ما حدث مع أسرة صاحبنا المسلم أيضاً. وأصبح إطلاق الرصاص لا ينقطع لا بالليل ولا بالنهار، وكلما اتصلنا على ميكانيكي نحتاجه في عمل ما يرد بأنه لن يستطيع مغادرة بيته!
وبعد تأزم الأمر سعى بعض العقلاء في طريق الصلح واستطاعوا التوفيق بين الطرفين. ولكن هل عادت المياه إلى مجاريها بين المسلمين والمسيحيين هناك؟ بل دعونا نسأل، هل كانت المياه في مجاريها يوماً ما من الأساس؟!
أنا كنت أتعامل مع مسيحيين ومسلمين من هذه القرية، إما أصحاب محلات أو ميكانيكية أو غيرهم من أصحاب المهن. بعد هذه الأحداث سألت عمرو، وهو مسلم، يعمل في آبار المياه، لماذا لا تصلحون بين هؤلاء المتناحرين، خاصة أنكم جيران وأهل قرية واحدة؟
فأجاب:
ما هُما اللي بيجيبوه لنفسهم!
وطبعاً يقصد بـ (هُما) المسيحيين!
قد يعتقد البعض أن عمرو هذا عنصري أو متعصب أو يكره المسيحيين، ولكن في الواقع هو ليس متعصب أبداً، بل هو بشوش ومتسامح جداً!، فهو عندما كان يصادف عم عماد الميكانيكي –وهو مسيحي- عندنا، لا يخاطبه إلا بعم عماد، ويعامله بود ولا تشعر بأن هذا مسيحي وهذا مسلم أو أي شئ من هذا القبيل، وكذلك هو يتعاون مع أبناءه في أعمال مشتركة تابعة لورشتهم، وكنت أمر أحيانا فأجده عند عم عماد يشرب شاي ويتحدث ويضحك!
وهذا ليس تمثيل أو نفاق، بل هو واقع فالود والتعايش يجمع بين المسلمين والمسيحيين دون أن تشعر بوجود أي فرق أو اختلاف، ولكنك تعجب أحيانا من بعض تصرفاتهم أو كلماتهم، مثلما قال عمرو الذي وصفهم بـ (هُما) رغم أنه في الواقع لا يعيش عن انفصال عنهم، بل هو ممتزج بهم تماماً!
..
حكي لي عم عماد الميكانيكي ذات مرة حكاية وهو يضحك، قال أنه كان في قرية مجاورة في رمضان، وكان يوم جمعة، وكان يقوم بعمل ما عند مسلم من أهل هذه القرية، ووقت الصلاة جلس تحت شجرة ينتظر صاحب العمل المسلم حتى ينتهي من صلاته. وهو في مكانه كان يسمع الخطبة التي يلقيها الخطيب في المسجد، وخلال الخطبة نبَّه الخطيب على المصلين بأن من يأتي بمسيحي يعمل عنده فلا يُقدم له طعام طالما أننا في رمضان!
يقول عم عماد ضحكت لما سمعت ذلك، وانتظرت حتى خرج المصلون من المسجد وجاء ناحيته صاحب العمل ليصطحبه إلى بيته. يقول عم عماد فسألته:
مش الشيخ خالد هو إللي كان بيخطب؟
فضحك صاحبنا وسأله:
انت سمعت إللي قاله؟ واستمر في ضحكه.
يقول عم عماد فقلت له:
طيب هأستناه عشان أسلم عليه!
وخرج الشيخ خالد، وسلم على عم عماد وأخده بالحضن!
فقال له عم عماد وهو مبتسم ممازحا:
بقى تسلم عليا وتاخدني بالحضن، وانت لسة قايل ما تأكّلوش المسيحيين؟ نموت من الجوع يعني عشان خاطرك؟!
ويضحك الشيخ خالد، ويقوله:
أنا ما كنتش أقصدك إنت يا أبو بشير، ويا سيدي على الطلاق ما أنت متغدي عند حد غير عندي!
وخده غداه عنده!
..
هذا هو التناقض الذي لا تستطيع تفسيره أبداً!