لكل شئ في المنيا طعم خاص عنه في أي مكان أخر، وهو في الغالب-على الأقل
بالنسبة لي- أسوأ!
فإنك إن اشتريت مثلا كيس "شيبسي" أو علبة تونة "بلو سي" أو حتى علبة جبنة "دمتي" فإنك تجد لكل هذه الأشياء –رغم أن جميعها معلبات- طعم يختلف تماماً عن طعمها في
أي مكان أخر بالجمهورية!
وقفت ذات مرة على أحد محلات البقالة لأشتري بعض الأشياء، وطلبت صابون،
فسألني البائع:
صابون حُما (استحمام)؟
فقلت له: أه!
فأتي لي بصابونة اسمها "جود لك" ذات رائحة غريبة لا تمت لأي العطور بأي صلة،
فقلت له بغضب ممزوج بالمزاح:
يا عم أنا عاوز صابونة حُما، مش صابونة عاوزة تستحمه!
..
جميعنا ربما سمعنا ونسمع عن الأحداث الطائفية في المنيا، والتي في المعتاد
يكون سببها علاقة شاب مسلم بفتاة مسيحية أو العكس. إلى جانب طبعاً بعض الأسباب
الأخرى مثل النزاع على أرض أو ما شابه، ولكن يبقى السبب الأول –العلاقات- هو السبب
الرئيسي لمثل هذه الأحداث، لأن النزاعات الأخرى –مثل نزاعات الأراضي وغيرها ليس
حتما أن تكون بين مسلمين ومسيحيين بل هي تكون متنوعة وغير مرتبطة بالطائفة!
أتذكر بالعام الماضي حدث شئ مشابه في القرية المجاورة للأرض التي كنا بها،
اعلم هذه القرية جيداً واعرف الكثيرين فيها، ومنهم مسلمين ومسيحيين، وأعداد كلا الطائفتين
متقاربة تقريباً. ما حدث هو أن أحد الشباب المسيحيين كان يقود دراجته النارية
متباهياً أمام بعض الفتيات ذهاباً وإيابا في الوقت الذي كان فيه المصلون يؤدون فيه
صلاة الظهر بالمسجد القريب، فإذا بأحد الأشخاص –وهو مسلم ولديه إعاقة وعجز جسدي-
يلوم هذا الشاب ويعنفه بأن هذا عيب –أي قيامه بمعاكسة البنات- وأن الصلاة في
المسجد قائمة وهو يشوش على المصلين!
لكن الشاب لم يستجب، ربما لأنه وجد خصمه ضعيف، وقابل كلامه بكلام وتطور
الكلام حتى وصل إلى تشابك، طبعاً الشاب المسيحي كان أقوى بينما المسلم كان ضعيف -لإعاقته
الجسدية- وإذا بالقدر يجعل أحد معارف ذلك المسلم المعاق يمر عليهما فيرى ما يحدث
فيجري عليهم ويضرب الشاب المسيحي ضربا مبرحاً ويهينه. فينصرف الشاب المسيحي بعد أن
تجمع الناس، ويظن الجميع أن الأمر قد انتهى. ولكن بعد يومين إذا بأسرة ذلك الشاب
المسيحي تطلق النار على ذاك الذي ضرب ابنهم –والذي لم يكن طرف في الموضوع من
البداية!- لم يصب بأذى، ولكن كان هذا بمثابة إعلان للحرب!
فقد أقامت أسرة الشاب المسيحي سور عال من الطوب أمام البيت ونصبوا الأسلحة
النارية في محيط البيت وجاءهم دعم من قرى مجاورة ليساندهم، وهو ما حدث مع أسرة
صاحبنا المسلم أيضاً. وأصبح إطلاق الرصاص لا ينقطع لا بالليل ولا بالنهار، وكلما
اتصلنا على ميكانيكي نحتاجه في عمل ما يرد بأنه لن يستطيع مغادرة بيته!
وبعد تأزم الأمر سعى بعض العقلاء في طريق الصلح واستطاعوا التوفيق بين
الطرفين. ولكن هل عادت المياه إلى مجاريها بين المسلمين والمسيحيين هناك؟ بل دعونا
نسأل، هل كانت المياه في مجاريها يوماً ما من الأساس؟!
أنا كنت أتعامل مع مسيحيين ومسلمين من هذه القرية، إما أصحاب محلات أو
ميكانيكية أو غيرهم من أصحاب المهن. بعد هذه الأحداث سألت عمرو، وهو مسلم، يعمل في
آبار المياه، لماذا لا تصلحون بين هؤلاء المتناحرين، خاصة أنكم جيران وأهل قرية
واحدة؟
فأجاب:
ما هُما اللي بيجيبوه لنفسهم!
وطبعاً يقصد بـ (هُما) المسيحيين!
قد يعتقد البعض أن عمرو هذا عنصري أو متعصب أو يكره المسيحيين، ولكن في
الواقع هو ليس متعصب أبداً، بل هو بشوش ومتسامح جداً!، فهو عندما كان يصادف عم عماد الميكانيكي –وهو مسيحي-
عندنا، لا يخاطبه إلا بعم عماد، ويعامله بود ولا تشعر بأن هذا مسيحي وهذا مسلم أو
أي شئ من هذا القبيل، وكذلك هو يتعاون مع أبناءه في أعمال مشتركة تابعة لورشتهم،
وكنت أمر أحيانا فأجده عند عم عماد يشرب شاي ويتحدث ويضحك!
وهذا ليس تمثيل أو نفاق، بل هو واقع فالود والتعايش يجمع بين المسلمين
والمسيحيين دون أن تشعر بوجود أي فرق أو اختلاف، ولكنك تعجب أحيانا من بعض
تصرفاتهم أو كلماتهم، مثلما قال عمرو الذي وصفهم بـ (هُما) رغم أنه في الواقع لا يعيش عن انفصال عنهم، بل هو ممتزج بهم تماماً!
..
حكي لي عم عماد الميكانيكي ذات مرة حكاية وهو يضحك، قال أنه كان في قرية
مجاورة في رمضان، وكان يوم جمعة، وكان يقوم بعمل ما عند مسلم من أهل هذه القرية،
ووقت الصلاة جلس تحت شجرة ينتظر صاحب العمل المسلم حتى ينتهي من صلاته. وهو في
مكانه كان يسمع الخطبة التي يلقيها الخطيب في المسجد، وخلال الخطبة نبَّه الخطيب على
المصلين بأن من يأتي بمسيحي يعمل عنده فلا يُقدم له طعام طالما أننا في رمضان!
يقول عم عماد ضحكت لما سمعت ذلك، وانتظرت حتى خرج المصلون من المسجد وجاء
ناحيته صاحب العمل ليصطحبه إلى بيته. يقول عم عماد فسألته:
مش الشيخ خالد هو إللي كان بيخطب؟
فضحك صاحبنا وسأله:
انت سمعت إللي قاله؟ واستمر في ضحكه.
يقول عم عماد فقلت له:
طيب هأستناه عشان أسلم عليه!
وخرج الشيخ خالد، وسلم على عم عماد وأخده بالحضن!
فقال له عم عماد وهو مبتسم ممازحا:
بقى تسلم عليا وتاخدني بالحضن، وانت لسة قايل ما تأكّلوش المسيحيين؟ نموت من
الجوع يعني عشان خاطرك؟!
ويضحك الشيخ خالد، ويقوله:
أنا ما كنتش أقصدك إنت يا أبو بشير، ويا سيدي على الطلاق ما أنت متغدي عند
حد غير عندي!
وخده غداه عنده!
..
هذا هو التناقض الذي لا تستطيع تفسيره أبداً!
رغم انك بتتكلم كتير عن الصعيد ومافيه بس عمرك ماوصفت الحياه حلوة قد ايه هناك (او سيئه) اكيد الحياه مش حرب بس ، معظم اللى اعرفهم خصوصا فى النوبه بيحكو عن مال كل حاجه هناك .. إحكى وإشجينا بقي :))
ردحذفبس يظل السؤال المُلح ..جود لك عجبت ولا لا؟ :D
لا دا أنا ما لمستهاش الجود لك دي...أنا كنت مدكن في الشنطة كام صابونة "كامي" من الأصلي بتاع زمان وقررت إن ده اليوم الإسود إللي تنفع فيه الصابونة البيضة! :D
حذف..
يمكن فعلاً عندك حق يا مها إني مش باتناول الحياة بالمجمل في المنيا، بحلوها ومرها، وبأركز على سلبيات معينة. لكن فعلاً أنا عاوز اكتب عن الحياة هنا، ومن السنة إللي فاتت في فكرة في دماغي بتطاردني ونفسي أقدر اكتبها، هتوصف الحياة هنا، بإجمالها، زي ما شفتها ومن الحكايات إللي سمعتها من الناس هنا. وباتمنى أقدر أبدأ كتابة الفكرة دي.
..
قافلة حسابك على الفيس، ومش بتنشري على المدونة حاجة. السؤال المُلح بقى:
نغلّس عليكي إزاي؟ :)
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ردحذففي الحقيقة احنا عايشين في مجتمعات فعلا غريبة الشكل والأطوار
ربنا يهدينا جميعا يارب
تحياتي
فعلا أستاذة فاطمة نحن في مجتمعنا نعاني من غرابة الأفعال والأقوال، واللامنطقية والعشوائية المطلقة في الكثير من الجوانب الحياتية والمجتمعية، ونحن في أشد الحاجة إلى الهداية والوعي والتفاهم المشترك والترابط، وحينها ربما نجدنا في مجتمع صحي قويم.
حذف..
كل الشكر والتحية لكٍ أستاذة فاطمة
أسعد واتشرف دوما بوجودك.
اهو الشيخ خالد امثاله في الصعيد كتييييييير يدخل في قلوب الناس الضغينه وهو من الناحيه التانيه بيعمل عكس اللى بيقوله
ردحذفلما كنت في ابتدائي كان عندى اصدقاء مسيحين ومكنتش مدركه فرق الدين وكنت بحبهم زى ما هما كده كبشر يعنى
باختلاف طبعا انهم بيتكلموا عن دينهم والهم والحوار دة بس دايما كنا بنحط دينا على جنب انما حاليا مثلا تعالى شوف لو بنت مسيحيه اتعرفت على مسلمه اوالعكس الموضوع بيكون عامل ازاى دة ممكن يخبوا على اهلم اساسا موضوع زى دة
الموضوع كله محل اعتقادات من الطرفين بسبب كلام الشيوخ وكلام كنائسهم برضوا بيخلوا في ضغينه بداخل كل طرف مننا
وانا مع مها هنشوف امتى حاجه تورينا الحياه نفسها كده بحلوها ومرها في الصعيد :)
ما هي دي واحدة من مشاكل، أو مصائب، مجتمعنا يا رنا، الناس إللي بوشين!
حذفمنذ الماضي السحيق لمصر والتسامح والتعايش هو السمة المميزة للحياة المجتمعية فيها، ليس فقط بالنسبة للديانات ولكن ايضاً بالنسبة للثقافات، فقد احتضنت مصر حضارات مثل الحضارة الرومانية والحضارة اليونانية، ثم كانت الحصن الذي احتمى به المسيحيون المضطهدون، ثم احتضنت الإسلام وتعايشت معه وانصهرت معه، وهذا هو الفارق بين الحضارة الإسلامية وكل الحضارات التي وفدت إلى مصر طوال تاريخها، الإنصهار. فقد كانت مصر حاضنة للثقافات دون الإنصهار فيها مبتعدة عن هويتها، ولم تنصهر إلا مع الإسلام.
ولكن النقطة المقصودة بعيداً عن كثير الكلام هو أن ما يحدث الأن هو نتاج قرون من الجهل الديني والتحريض المذهبي والطائفي، الذي ربما ينبذه الناس انفسهم بمعزل عن قياداتهم الدينية، ولكن كما يقول المثل الشعبي: الزن على الودان أمر من السحر!
والزن على الودان لا ينقطع!
..
والله زي ما عقبت على تعليق مها، أنا في دماغي فكرة بأحاول أكتبها، ولو ده حصل وقدرت أكيد هأقدر أقدم صورة للحياة إللي شفتها هنا بحلوها ومرها! :)
بسيطة لأننا لانطبق ما نقول
ردحذفأو ربما نقول مالا نقصد، ولكن فقط لنظهر بمظهر معين أو مسايرة للواقع المحيط!
حذفالمنيا عروس النيل يااحمد
ردحذفبس غريب موضوع الصابونة ده
:)
اول مره اسمع قصة الخناقة اللي سببها قامت الحريقة دي كلها :)
هو النيل في المنيا ما عليهوش خلاف وباتمنى أقدر أخد يوم أجازة من المعتقل إللي انا فيه في الأرض هنا واخرج أتفسح وألف المدينة بأكملها، لكن واضح إن الموضوع ده مش هيتخطى مرحلة التمني!
حذف..
في كل مكان في الدنيا المدن هي من تصنع الأحداث وتحتويها، إلا في الصعيد، فالقرى والنجوع هي من تصنع الحدث!
ويمكن أنا معظم تواجدي هنا في القرى والخفوج بعيدا عن المدينة، فالحدث والوضع بيكون مختلف شوية.
..
دا لو الريحة ينفع تتصور كنت صورتها ونزلتها هنا! :)
..
دا في قصص تشيب الجنين زي ما بيقولوا، الشخصية الصعيدية لو جُمع لها كل أطباء علم النفس والتحليل النفسي اللي عرفهم التاريخ عشان يحللوها ويفسروها الشخصية هيفشلوا!
..
أشكرك أستاذتنا، دايما بأتشرف بوجود حضرتك.