الجمعة، يوليو 27، 2012

الشيــخ فكـــري (2)


   مشيت مع الشيخ فكري شابكا ذراعي بذراعه،و بين حديثنا كان يقاطعني بلطف و يقول :
- إحود ( لف،إتجه) شمال !
- الشارع الجاي يمين !
- خد بالك ألا في عتبة واكلة نص الشارع تخبط فيها !!
لم أمش أنا تقريبا هذا الطريق من قبل،و لو حدث ربما لن أتذكر - و أنا المُبصر - تفاصيله بهذه الدقة التي يعرفه بها الشيخ فكري ، و هو الكفيف !
في الطريق أوقفني،ثم إستدار يمينا، ولاحظت حينها مجموعة من الأطفال تلعب كرة القدم و قد تعالت و أختلطت أصواتهم بكلمات التهليل و السباب أحيانا،  ثم نادى بإسم معين بصوت عال، فإذا بطفل صغير يأتي عندما سمع النداء ورءانا.
إعتدت على الذهول ، و لكني طبعا تساءلت، كيف إستطاع أن يميز صوت هذا الطفل من بين أصوات أقرانه التي تشابهت جميعها و أختلطت ببعضها البعض،و كيف و أنا أُحَدّثه لاحظ ذلك على الرغم من أنني لم ألاحظ تماما !
إقترب الطفل و سلم على الشيخ فكري،و داعبه الشيخ ببعض الكلمات ثم سأله :
تعرف دار فلان الفلاني ؟
- فأجاب الولد :
أعرف !
- فقال له الشيخ فكري :
طيب وديني ( إذهب بي ) هناك
- ثم إستدار إلي و قال :
هتعرف ترجع لوحدك يا أبوصالح و لا أوصلك ؟!
- ضحكت و أجبته :
لا لا هأعرف أرجع لوحدي!
مع السلامة يا شيخنا !!
...أتذكر بعدها بسنوات كنت أجلس أمام محل خالي منير،و إذا به يمر بصحبة حفيده، كان يبدوا أنهما قد أتيا من مكان بعيد ، و ما أذهلني كالعادة هو أنه عندما مر من أمام المحل تماما سأل حفيده :
مش إحنا قدام محل الأستاذ منير دلوقت ؟!!
...
ربما قص الكثيرون نوادر و حكايات و أعاجيب عن الشيخ فكري،و لكن كان من أجمل و أطرف مواقفه هذا الموقف الذي يقصه هو بنفسه.
يقول أن زوجته أم زويل ( و زويل هذا هو إسم عائلتها ) قد أغضبته في شئ ما أحمق، وصراحة هي طيبة جدا و صادقة و بها كل الصفات الطيبة،و لكنه تعصب جدا و أراد أن يعاقبها بشكل ما، و لكن في نيته أنه بعد أن يفعل بثانية واحدة سيطلب منها السماح و يصالحها !
يقول أنه إغتاظ جدا،و رأته زوجته و هو يسير بإتجاه عصاه ( عكازه الذي يسير به ) و يتناوله من مكانه ، فخمنت أنه سيقوم بضربها،رغم أنه لم يفعلها من قبل أبدا.
يقول الشيخ فكري أنه تناول العصى و بدأت المطاردة بينه وبين زوجته، بدأت تجري في أنحاء البيت و هو يجري خلفها و يستدل على مكانها من صوتها، إلى أن دخلت غرفة النوم، فدخل خلفها و أغلق الباب، و لكن ما حدث هي أنها قد إستكانت في ركن من أركان الحجرة و صمتت تماما و كتمت أنفاسها كي لا يستدل على مكانها، و دار الشيخ فكري برأسه شمالا و يمينا محاولا سماع أي نفس ليستدل به عن مكانها و لكنه عجز، فحاول إغرائها على الكلام بكل السبل :
- طيب قوليلي بس ليه عملتي كدة؟
- طيب ليه ما قولتيش من الأول ؟
- طيب الواد محمد طلع إمتى ؟ و فطر و لا ما فطرش ؟!
..كل هذا و هي صامتة و ساكنة تماما !!
يقول أنه لم يستسلم، فخطر على باله شئ خبيث يعلم أنه سيأتي بنتيجة فعالة ، فقال لها بصوت غاضب و حزين :
بقى بتتلحسي ( تخرج له لسانها ) عليا يا أم زويل !!
و هنا نطقت زوجته الطيبة تنفي التهمة عنها :
و الله ما اتلحست عليك يا شيخ فكري !
..و هنا طااااخ
ضربها بالعصى الضربة التي كان يتمناها،و بعدها بدأ يضحك و هو يحاول مصالحتها و هي تتمنع عليه !!
...
....
بارك الله في عمرك يا شيخ فكري،و جزاك الله كل الخير على ما علمتنا،و على ما حفظتنا من القرآن.

هناك 17 تعليقًا:

  1. اللهم آمين

    جميل أوى ان الانسان يقدر يتكيف مع الواقع برضا من غير ما يعترض على قدر ربنا
    وقتها ربنا هيعوضه بصفات كتير أوى
    زى ما بيقول الرسول صل الله عليه وسلم ( انما الصبر عند الصدمة الأولى )

    بس أنا نفسى أعرف ليه غالبا بيكون الشيوخ اللى بيحفظوا قرآن مكفوفين ؟ ، أنا مش شفت فى الحقيقة بس المسلسلات دايما بطلعهم كده

    تحياتى ليك ولذكرياتك الجميلة

    ردحذف
    الردود
    1. اعلام مضلل يا ميرووو
      زي بالظبط البنت المحجبة ف المسلسلات والافلام بيخلوها بشعة جدا
      شفت انا شيوخ مكفوفين وشيوخ مبصرين
      بس دايما بيكون الكفيف بيثير فينا تأمل قدرة الله سبحانه وتعالي

      حذف
    2. جميل جدا تعبيرك و تعليقك يا مروة،و صدق رسولنا الكريم..
      و زي ما رحاب قالت في تعقيبها اللي بأتفق معاها فيه تماما، هو تفسير الوضع..تحياتي

      حذف
  2. الناس دي بيبقا عندها ذكاء فطري شديد

    ربنا يكرمه
    ويبارك له في حسة السمع والشم
    :))

    ردحذف
    الردود
    1. اللهم آمين..و هو فعلا ذكاء فطري و بصيرة..أشكرك أستاذتي..تحياتي

      حذف
  3. شوف الدنيا يا أخي
    سبحانك يارب
    أول مرة أعرف ان الفلسفة بتوجع !

    بس واضح انك متعمق وقاري فيها كويس اوي !

    ردحذف
    الردود
    1. بلاش سخرية أحسن كله يسخر زيك..طبقا لنظرية الزيطان !!!
      هههه..أنا شفت مدونتك و عجبتني جدا..و واضح برضة أنك متعمق و قاري كويس !!
      شرفتنا بالزيارة و اتمنى دوما رؤيتك هنا،و طبعا سيسعدني أيضا قراءة كتاباتك..تحياتي

      حذف
  4. سبحــان الله ..

    هناك من المبصرين من هم عميان و العكس صحيح ..

    لكنها نعمة لا بد من حمد الله عليها ..

    سلامي

    ردحذف
    الردود
    1. سبحان الله،هناك من البشر من هم غافلون عن نعم الله و لا يشكرونه عليها و لا يستفيدون بها،و هناك من يرضون و يشكرون فيزيدهم لله..
      سلامي و تحياتي إيمان

      حذف
  5. كل واحد بياخد العشرة بتوعه
    على راى الشيخ الشعراوى
    ربنا بيعوض حاجة بحاجة

    تحياتى

    ردحذف
    الردود
    1. رحمة الله عليه..و الأكيد طبعا ان الله إن أخذ شئ منح و أعطى غيره أشياء..دوما تسعدني بوجودك أستاذ إبراهيم..تحياتي

      حذف
  6. ههههههههههههه
    متخيل الموقف وعمال أضحك ومش عارف ليه بجد افتكرت محمود عبد العزيز في الكيت كات وحسيت إن هو الشيخ فكري وهو بيجري ورا مراته علشان يضربها
    هههههههههه

    بالتوفيق دايما

    ردحذف
    الردود
    1. دا أنا كمان ما قدرتش أعبر عنه زي ما هو بيحكيه،و كل ما أتخيله ما أقدرش امسك نفسي من الضحك..أشكرك يا صديقي..تحياتي

      حذف
  7. بجد ما شاء الله..ربنا يحفظه يارب..
    فعلا حاجات غريبة لكن ربنا بييسر الأمور لعباده
    عجبني أسلوب سرد حضرتك ...شكراا

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك ياسمين، أسعدتيني و شرفتيني جدا بالزيارة، رمضان كريم و كل سنة و انت بألف خير..تحياتي

      حذف
  8. فوق الروعه بمراحل
    كعادتك يا صديقى متألق فى السرد
    ودعنى اقول ان الله سبحانه وتعالى عندما يمنع احد احدى حواسه لعبرة يعلمها هو سبحانه وتعالى فانها يزيد من قدرة الحواس الاخرى

    تحياتى لابداعك

    ردحذف
  9. أشكرك يا محمد، و دوما ربنا عز وجل لا يعلم حكمته إلا هو،ولا يشعر بعدله إلا المؤمن..
    دمت بخير يا صديقي.

    ردحذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول