الخميس، يوليو 12، 2012

لحظة الخلاص


     وجد نفسه في مؤخرة عربة، وحيد في ظلمة الليل تحوطه الكآبة و البؤس، خلال رحلة تبدو بلا نهاية،على طريق بلا معالم أو أنوار،بوسط كون بلا سماء أو نجوم، يرقب بعين الحسرة من خلال كوة صغيرة السائق على عجلة القيادة و بجانبه رفيقه يتسامران و يتضاحاكان، فقط يراهم ولا يستطيع سماعهم، وهم أيضا لا يستطيعوا سماعه، وأبدا لن يلتفت أيا منهم و ينظر للخلف ليراه، فلماذا يفعلوا؟..بل ربما هم من الأساس لا يعلمون بوجوده !!
لا يدري كيف جاء إلى هنا،و هل جاء برضاه أم مجبرا؟و إن كان قد جاء مجبرا فمن أتى به إلى هنا ؟ وكيف ؟و لماذا؟ و إلى أين هو ذاهب الأن؟ ولماذا لم يركب معهم في الأمام؟ وهل سيلقوه وحيدا في مكان ما وسط هذا الضياع و هذه المتاهة و يذهبوا أم سيرافقوه؟
      وجد نفسه مقيدا بغير قيد، فهو لا يقوى على مغادرة تلك العربة أو كسر تلك الكوة الفاصلة، أعمى وعيناه مفتوحتان عن أخرهما، فلا يستطيع أن يرى ما حوله إلا ظلام، أصم وأذنيه يملأهما الصراخ،ولا يستيطع أن يسمع حوارهما فيأتنس به ، أبكم و لسانه يعرف كل الكلمات،ولا  يستطيع أن ينطق فيسمعونه، وحيد في دنيا مزدحمة بالبشر و لكنه لا يعلم أين ذهبوا ؟!
....


     بعد حرب عاصفة في مجاهل روحه تيقن أن أحدا لم يأتي به إلى هنا، وأنه جاء مشيا على فكره قبل قدميه،و أنه لا يستطيع أن يسمع أحد لأنه أعتاد أن لا يسمع إلا نفسه،ولا يستطيع أن يرى أحدا لأن أحدا منهم لم يُسر مرة برؤيته، أبكم لأنه قد منع غيره الكلام...
....
      لقد عرف الحل،فهو لم يفكر قط أنه ربما البشر لم يذهبوا،بل هو من غادرهم ورحل،فالحل لا أن يكسر النوافذ أو يدق عليها لينتبهوا له و يسمعوه و يروه، ولا أن ينظر إليهم بحسرة و حزن فقد يشفقوا عليه و يجعلوه ينضم إليهم، بل الحل أن يشاركهم ما يفعلوه..
فحرك شفتيه كما يفعلون و ضحك مثل ضحكهم،شعر ذلك داخله، فنظر حوله فإذا بمعالم الكون بدأت في الارتسام من حوله،و إذا السماء قد ظهرت، وإذا بكل نجومها تتلألأ كما لم يرها من قبل، وإذا بنسيم معطر يملأ المكان من حوله و يغازل أنفه و شعرات رأسه و يتسرب الى روحه..
نظر للسائق و رفيقه فإذا كلا منهما قد إستدار له و هو مبتسم و إذا بالكوة الضيقة التي كانت تفصلهم قد اتسعت و اتسعت حتى انمحت..أفسحوا له المكان مرحبين فولج مكانه بينهما و كأن هذا هو المعتاد، و أكملت العربة صدحها بغناء لم يسمعه من قبل، و هي تشق سبيلها على ذاك الطريق الذي بدأت تظهر أمامه ملامحه الأن جلية و واضحة، و هاله أن منها ما قد رأى ما يشبهه من قبل ولكنه الآن بصورة أجمل و أروع، و منها ما لم يره إلا في هذه اللحظة.....لحظة الخلاص.


...
....

هناك 5 تعليقات:

  1. مساء الغاردينيا احمد
    حين نصنع سور من غرور
    وجسر من كبرياء وسقف من تعالي
    تأكد لن نرى ولن نسمع من حولنا
    ولن يكون في الكون بشر لأننا من أرتضينا فصلهم عنا"
    ؛؛
    ؛
    ماأروع وصفك وماأجمل فكرك الخصب بـ الجمال
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    reemaas

    ردحذف
  2. ساعات بنتهم غيرنا انهم بعاد عننا ومش بيحاولوا يقربوا لينا ومش بيحاولوا يفهمونا
    لكننا بنكتشف بعد كده اننا اللى بنبعد ومش بنعرف أو بنحاول نشرحنا ونعرفنا ليهم

    جميلة القصة والفكرة أوى ووصفك ليها رووعة

    ردحذف
  3. جميل جدا ان يندمج و ان يتقرب
    و جميل جدا ان يشعر بالسعادةالتى قد تكون حقيقية
    و لكن الاصعب ان يكون قد مثل انه مندمج وسعيد
    و الاصعب ان يستمرء التمثيل

    تحياتى لفكرك

    ردحذف
  4. الله يا أحمد.. بشكل كبير أوي القصة دي بتنتمي لنوعية الواقعية السحرية.
    من أول وصف الجو المحيط بالبطل لحد طرح تساؤلاته وبداية صراعه مع نفسه انتهاء بلحظة التنوير .. كله ده عملته بإبداع حقيقي

    "جاء مشيا على فكره قبل قدميه".. عبارة لازم تتبروز

    تسلم إيدك بجد

    ردحذف
  5. قصة فيها عبرة ..

    تسلم إيدك

    ردحذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول