الثلاثاء، يوليو 24، 2012

إنتحـــار



     كان لديه ما هو كفيل - في إعتقاده - بتبرير إنتحاره،كان يعتقد- بل يؤمن - أن الإنتحار هو سبيل خلاصه، بل هو سبيل خلاص الكثيرين، فلماذا حرَّمه الله؟ لماذا لم يترك لنا خيار إنهاء حياتنا عندما نريد و جعل هذا العمل خطيئة كبرى لا تُغتَفر،ألا يكفي أننا قد قدِمنا هذه الدنيا بلا أختيار، أيجب علينا أن نغادرها أيضا بلا أختيار؟
 كان هذا هو ما يسيطر على تفكيره طوال أيامه التي اشتعلت فيها فكرة إنتحاره،و لم يجد حوله ما يطفئها أو يمحوها، لماذا لا يملك الخيار في أن يموت ؟ إذا كانت هذه الدنيا بكل مافيها تعانده و لم تترك له مرة حرية الإختيار حتى في الأشياء التي فيها حرية الإختيار بديهية و يقبلها الجميع !
كان يرى و يؤمن أن حله الوحيد هو الموت،إنها الراحة ربي، فلما جعلتها محرمة ؟!
   ربما نحتاج أحيانا ولو لطفل صغير أن يُنبّهنا أو يقول لنا أنت على الطريق الخطأ، أو على طريق غير صحيح، لسنا دوما في حاجة لرأي أو كلمات تقنعنا بقدر ما نحن في حاجة لهذه الكلمات كي تجعلنا نفكر و وقتها سنصل لما يقنعنا بعدما سيطرت علينا فكرة أقنعنا أنفسنا بها لأننا لم نرى أحدا يشير لنا بما يضحضها و ينقضها..
و لكن ربما قد ضن عليه القدر بهذا أيضا و لم يضع في طريقه حتى كلب يعوي قد يلهمه أو يزيل غشوته.
...
من مكان إنتحاره هذا كان وحده في عالم و كل من حوله في عالم أخر،لم يكن يرى الناس من حوله رغم كثرتهم، ويبدو أنهم أيضا لم يكن بإستطاعتهم رؤيته، فيبدو أن الجميع أصبح لا يبالي و لا يرى إلا ما يريد و فقط، و لكن كان في إستطاعته أن يرى و يسمع بوضوح الملائكة من فوقه تلعنه و تدعوه للرجوع، و الشياطين من حوله تحفذه و تشجعه و تدعوه ليسرع و ينهي هذا الأمر..
ربما كانت لحظة ضوء هي ما قد جعلته يتراجع بعد أن كان بينه و بين القفز في أحضان النهر ثوان قليلة،ربما له الأن أن يختار، فليختار أن لا يموت !!
ظنه البعض مجنون عندما تراجع بعيدا عن السياج الحديدي للكوبري الذي كان يرتكن إليه بكفيه منتظرا اللحظة المناسبة للقفز لينهي هذه المسألة و هو يهتف :
هأختار هأختار !!
..
عندما نظر له من بعيد و هو رافعا ذراعيه و يبدو أنه يتكلم بصوت عالي، ظن ، و ربما أيقن ، أنه قد يقطع الطريق الأن فهو كان يبدو كالمجنون ،و لأنه كان يقود سيارته الأجرة في الحارة التالية للرصيف الذي يقف عليه مباشرة فقد خفض من سرعته حتى يتلاشى الإصتدام به إذا حاول قطع الطريق ليمر، و لكن ما حدث أنه رغم سيره ببطء حتى يتخطاه فوجئ به يقطع الطريق كما توقع ،و اصتدم بمقدمة السيارة، ظنه السائق لن يقع على الأرض فالصدمة ضعيفة و لكن ما أذهله هو أنه قد وقع على الأرض، و لكن ما صعقه بعدها عندما نزل ليطمئن عليه هو أنه وجده قد مات.
...
....

هناك 8 تعليقات:

  1. لأحد يعلم ماذا يخفي له القدر و أي ساعة سيموت
    كان يريد الموت إلا أنه عندما أختار الحياة داهمه الموت على حين غفلة
    جميلة جداً يا أحمد قلمك مبدع و ذو فكر راقي
    دمتَ بذات الجمال ~
    طبت

    ردحذف
  2. صباح الغاردينيا احمد
    وأعتذر جداً عن غيابي لأني مقلة في الدخول في رمضان
    الموت ومايخبئه القدر من أسرار الخالق عزوجل
    لو كنا نعلم بأقدارنا وموعد موتنا لأحتفظنا بـ الأيام والساعات
    وخبأنا الكثير منها في جيوب الإنتظار ..
    هو خطط لموته وأختار الطريق وتراجع
    والقدر أختار موته وحصل ..
    لكل أجل مسمى"
    ؛؛
    ؛
    دائماً رائع ياأحمد لله درك ماأروع فكرك ودرر أناملك
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    reemaas

    ردحذف
  3. سبحان الله يا احمد
    قصه فعلا جميله
    كم منا يفكر فى انه لو كان بيدى ان افعل كذا لفعلت وعندما يأتيه ما يريد يقول يا ليته لم يأتى
    اللهم اجعل الحياة زيادة لى فى كل خير واجعل الموت راحة لى من كل شر
    قال رسول الله ( ص ) فيما معناه
    لا يتمنين احدكم الموت لضر نزل به , فإن كان لابد متمنيا فليقل اللهم احيينى ما كانت الحياة خيرا لى وتوفنى اذا كان الموت خيرا لى . صدق رسول الله ( ص )

    تقبل تحياتى واعذرنى فى التأخر عن متابعتك خلال الايام الماضيه اخى فانت تعلم رمضان
    وكل عام وانت والاسرة الكريمة بخير

    ردحذف
  4. يا سبحان الله .. ذكرتني بقصة الرجل الذي سقط من الدور الرابع ولم يمت ثم سار إلى الشارع ليتصدق على نفسه فصدمته السيارة ومات .. لكل أجل كتاب لا يتأخر ولا يتقدم ثانية تحياتي الصادقة

    ردحذف
  5. قصة جميلة بتفكرنى
    بقصة 3 كانوا عايزين ينتحروا فى نفس الوقت .. وكل واحد فيهم الاتنين التانين يمشوا علشان يقدر ينتحر من غير ما يمنعوا أى شخص
    وسبحان الله التلاتة عرفوا تفكير بعض وقعدوا مع بعض يحكوا السبب اللى خلاهم يفكروا فى الانتحار
    الأول عنده مرض خطير
    والتانى مراته خانته
    التالت مش فاكره
    معلشى بقى الزهايمر
    المهم اتناقشوا وافترحوا انهم هيحاولوا يوم تانى يحلوا مشاكلهم ويتقابلوا بكره فى نفس المكان
    جه اليوم التانى واتقابل التانى والتالت لكن الأول مجاش فعرفوا انه استنى لما مشيوا فى اليوم اللى قبله وانتحر

    سبحان الله فى حكمة ربنا انه مخلاش فى ايدينا الاختيار لانهاء حياتنا .. كان زمانا من أول مشكلة تقابلنا - حتى لو كانت تافهة - انتحرنا

    يسلم خيالك وابداعك

    ردحذف
  6. عجبتني الخناقة بينه وبين الملايكة والشياطين
    تصوير جميل

    ردحذف
  7. القصة حلوة جدا وجسمي قشعر وانا بقراها وفكرتني بقصة كتبتها عن الانتحار برضك ...
    تصويرك جميل فعلا :)

    ردحذف
  8. القصة جميلة بكل ما فيها من عناصر .. فكرة وسرد ووصف

    كنت قاسي جدا مع البطل حتى في لحظة اختياره الوحيدة في الحياة ماتهناش بيها:)
    مش عارف إن كنت من المؤمنين بالجبرية وتسيير الإنسان (وإن كنت شخصيا لا اعتقد ذلك على حسب معرفتي البسيطة بك) ولكن القصة طرحت هذا التساؤل

    تسلم إيدك

    بالتوفيق دايما

    ردحذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول