الأحد، يوليو 22، 2012

الأشيــاء و قيماتها


 تذكرت حدوتة كنت قد سمعتها من أبي منذ سنوات طويلة، وربما إلى اليوم مازلت حائر في مغزاها، ربما تستطيعون أنتم أن تروا فيها ما قد عجزت عن رؤيته..
..
تقول الحدوته..
كان في راجل كبير راح مع إبنه يشتروا جلابية،دخلوا المحل سألوا البياع:
ثمن المتر كام ؟
- رد البياع:
المتر بـــ ١٠ جنية
- قال الأب لإبنه :
ياه دا أرخص من زمان !!
إبنه أصابه الذهول و سأله بإستغراب:
إزاي يا والدي،هو زمان المتر كان بكام ؟
- رد والده:
كان المتر بــ ١٠ قروش
إزداد ذهول إبنه و سأله :
١٠ قروش؟ يبقى بــ ١٠جنية أرخص إزاي ؟!
- رد والده :
زمان كان أغلى رغم إنه كان بــ ١٠ قروش لأن الـ ١٠ قروش ما كانوش معايا، و دلوقت بــ ١٠ جنية أرخص لأن الـ ١٠ جنية معايا !!
...
ربما قيمة الشئ نُقدرها بمدى إحتياجنا له،أو مدى إستمتاعنا به، فمثلا الأُمّي قد لا يهتم بكتاب ما ولا يجد له أي قيمة و يفرش عليه طعامه أو يستخدمه في لف البضائع بينما قد يرى باحث أو قارئ هذا الكتاب ثروة، و كذلك ثمن الشئ بالنسبة لمن يملك و من لا يملك، من لا يملك يرى كل شئ باهظ الثمن،بينما صاحب المال تتساوى لديه الأشياء، بل و يبحث عن أبهظها سعرا و قد لا يقتنع بها و قد لا يُفرحه إمتلاكها.
ربما نحن نملك المال في أيامنا هذه و لكني أكاد أجزم بأننا قد فقدنا (البركة)، فحتى من يملك الكثير أصبح يشكو من العوز و الإحتياج،و إن لم يشكو من هذا فهو يشكو من أن كل شئ قد أصبح بلا معنى أو طعم أو سعادة في إمتلاكه !!
ربما منذ زمن كنت تجد من يتمنى أن يشتري ثوب جديد و لكنه لم يكن يملك ثمنه، و الأن صار في نظره الملبس الحرير مثل الملبس الخيش بعدما صار يملك ثمن الأثنين، و ربما كان هناك من يتمنى أن يأكل أبسط الأطعمة رغم أنها بملاليم و لكنه لم يكن يملك هذه الملاليم و يأكل عيشه حاف، الأن ربما لا يجد طعم لأشهى المأكولات التي أصبحت متاحة له ورهن إشارته، لم ترخص الأشياء في أثمانها و لكنها فقدت معناها و جوهرها، و أمتلكنا أضعاف ثمنها و مع ذلك نفتقدها، كَثُرَت الأشياء و قلَّت أو إنعدمت زهوتها، ربما عنائنا من أجل إمتلاك الشئ لم يجعلنا نستمتع به ، بل جعلنا نكرهه و لا نشعر بأي لذة بأمتلاكه.
إمتلأت الدنيا بما صٌنعَ - إدعاءا - ليريح الانسان و يسعده، فأتعبه و أحزنه، لأنه ببساطة قد أبعده عن الأنسان.  

هناك 5 تعليقات:

  1. والله معاك حق يا احمد
    وانت عارف اد اية قيمة الاشياء أصبحت تقاس بغير قيمتها
    فالالتزام اصبح يقدر بالشكل
    والاخلاق تقدر بالكلام والشكل
    والفلوس تقدر بـــ ماذا لا اعرف
    لكن ما اعرفه ان الاشياء اصبحت تقدر بغير قيمتها الحقيقية وهذه كارثة للأسف

    ردحذف
  2. هو ده مفتاح اللغز مافيش بركة

    علشان الدين بقا مظهر وليس جوهر

    علشان ماحدش راضي باللي في ايده

    علشان حاجات كتير

    خلت الاشياء تفقد قيمتها الحقيقية
    حتي الوقت اصبح مافيهوش بركة

    ردحذف
  3. تغير الزمن .. ففقدت كل الأشياء قيمتها ..
    ذلك أن الإنسان لم يعد يعيش بإنسانيته ..
    و ما المال أمام الإنسانية ؟!
    أصبحنا في زمن أخر .. كل شيء فيه مختلف .. و أنا ـ ابنة العشرينيات ـ أشعر بأشياء غريبة و كأني من زمن أخر فما بالك بمن عاشوا الزمنين .. لا بد أنهم في معاناة ـ ربما مثل أبي الذي قريبا سيصاب باكتئاب ـ
    قد تكون مجرد كلمات عابرة للبعض .. لكن هذه التدوينة أثرت بي كثيرا لأني أفكر بها بشدة ..
    متى نستعيد قيمة الأشياء ؟ متى يعود لنا نَفَس في الحياة ؟
    أحيانا كثيرة ، أجد نفسي أمام الثلاجة و هي مليئة بالطعام لكن لا يغريني أي صنف من الأصناف ..
    ذلك أن قيمة الحياة ليست بالماديات .. بل بالروح .. بالمبدأ .. بالأخلاق .. بإنسانية الإنسان ..

    دمتَ طيبا و مبدعا

    ردحذف
  4. عندك حق يا أحمد
    كل حاجة حوالينا اتغيرت وفقدت جوهرها ومعناها الجميل .. تحس ان المشاعر والمعانى الجميلة رحلت عن عالمنا
    الحب فقد جوهره ومعناه وبقى مجرد كلمات واسطوانات بنقولها ومش بنحسها ولا بنعمل بيها
    الوقت بيضيع مننا ومش بنستفاد بيه
    حتى احنا كمان اتغيرنا أوى عن زمان .. فقدنا شقاوتنا ومرحنا وحبنا للحياة
    تحياتى لتأملاتك الجميلة .. فى انتظار جديدك

    ردحذف
  5. اللي أنا شايفة إنك فهمت الحدوتة كويس أوي يا أحمد لا وكمان شرحتها بطريقتك ومن وجهة نظرك الفلسفية اللي بحبها

    تسلم إيدك

    ردحذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول