الأربعاء، أكتوبر 10، 2012

اللغة كقوة إقتصادية


ربما مشاركتي في يوم النهوض باللغة العربية قد لا أتناول فيها فكرة اللغة كقيمة في ذاتها بل-قدر المستطاع-إستخدامها كثروة يجب الإستفادة منها وإستغلالها.
يقول الكثيرون أن اللغة بجانب كونها أداة تواصل، ورمز من رموز الوحدة، تنطوي على قيمة، مثلها مثل إمتلاك النقود، يمكنها ان توسع مجال العمل والإستثمار بين الأفراد والدول.
ربما من أهم أسباب النجلزة والفرنسة التي نجدها حولنا في الشوارع في لافتات المحلات والمطاعم والإعلانات وغيرها، هو إقتناع من يقوم بهذا هو أن هذا هو السبيل الأمثل لترويج سلعته في مجتمع قد بحث عن كل غربي وعافى كل عربي. وما هو إلا متبع لطريقة إقتصادية تمليها عليه متطلبات السوق!
فعلى حد تعبير الدكتور محيي الدين عميمور، نجد بعض بلادنا قد تخطت مرحلة الفرانكفونية ووصلت إلى مرحلة الفرانكومانيا(الهوس بالفرنسية) الممتزجة بالأرابوفوبيا(رهاب العربية)!
وهنا تكمن أهمية اللغة إقتصاديا، يجب ان تدعم اللغة بدعمها في المجال الإقتصادي وليس في المجال الثقافي والتعليمي وفقط، ومن القضايا الشهيرة جدا في فرنسا قضية المواطنين الذين رفعوا قضية على إحدى شركات الدخان( شركة سيتا) وذلك لأنها إستعملت الكلمة الإنجليزية filter  بدلا من الفرنسية filtre وبالفعل ربحوا القضية وتم إتلاف كل الأغلفة التي تحوي الكلمة الإنجليزية وتم إبدالها بالكلمة الفرنسية!
عندما تكون اللغة مدعومة إقتصاديا وعلميا تسود وتنتشر وتؤثر فنجند أنه من أعظم الأثار لفترة إزدهار العرب بالأندلس هو أنها قد أثرت بشكل أو بأخر في اللغات الأوروبية،ونجد أن معظمها قد اخذ عن العربية الكثير من أسماء النباتات والفاكهة، ونجد أن مفردات اللغة الإسبانية-طبقا لخبراء اللغة-ربعها من أصول عربية. ولكن ما تبع ذلك من إضمحلال للعرب جعل اللغة العربية أيضا في هبوط،على المستوى العالمي وأيضا على المستوى المحلي، وكان هناك من لديهم يقين أن لغتهم سترتفع بمرور السنين وسيكون لها شأن وستغزو العالم وذلك لأن أهلها في صعود إقتصادي وعلمي، فنجد مثلا اللغوي الأمريكي الشهير Webster وبستر، صاحب القاموس الشهير الذي مازال يطبع حتى اليوم قد قال في تصديره لمعجمه حين طبعه في عام 1806 " بعد خمسين عاما من الأن سوف يتحدث الإنجليزية الأمريكية أناس أكثر من الذين يتحدثون لهجات اللغة الأخرى، وخلال مائة وثلاثين عاما سوف يتحدثها أناس أكثر ممن يتحدثون أي لغة أخرى على الأرض بما في ذلك اللغة الصينية "
وهذا ببساطة ما تحقق وما نعيشه الأن!
بكل تأكيد كلنا عليه دور في بعث وإنعاش اللغة العربية، كأفراد وكمؤسسات، ولكن لايجب أن يكون دور الحكومات-وهي دوما الأقوى والأقدر على التأثير بشكل سريع لتوافر الإمكانات لديها- هو وضع اللغة العربية كاللغة الرسمية للدولة في الدستور وفقط، ولا الإهتمام بتدريسها في المدارس والجامعات وفقط، بل يجب أن يكون هناك قرارات رادعة بإستخدام اللغة العربية في كل شئ في الدولة، في عناوين كل المنتجات المحلية وكل المحلات والمطاعم ..إلخ، أي أن نجعل للغة دور إقتصادي لا دور ثقافي معرفي وفقط،وهو بكل تأكيد ما سيدعمها ويقويها.
إلى جانب دور اهم ألا وهو، تصدير اللغة، ربما نحن العرب لم نسمع عن هذا المصطلح وربما من سمعوه لم يستطيعوا تطبيقه، فلابد أن يكون هناك حقيبة وزارية أو حقيبة تابعة لوزارة الخارجية يتم تموليها بكرم من أجل ترويج اللغة العربية ونشرها على أوسع نطاق، وهذا ما تفعله دول عدة، ولتأخذ ألمانيا على سبيل المثال، فوزارة الخارجية الألمانية لديها قسم لترويج اللغة الألمانية ويخصص له حوالي 50% من الميزانية الثقافية لوزارة الخارجية، وذلك لنشر اللغة الألمانية، بالتعاون مع هيئات وسيطة لتحقيق هذا الهدف، مثل معهد جوته والهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي(daad) وغيرها، وأنا شخصيا تعلمت الألمانية- او ماوصلت له فيها لأني إنقطعت- من خلال دورات الإذاعة الألمانية (Deutsche welle ) و قد إرسلوا لي اكثر من مرة كتب دورات اللغة وغيرها من الكتب عن ألمانيا واللغة الألمانية وكل ذلك مجانا ليساعدوني في تعلم اللغة!
كذلك نجد في فرنسا أنهم قد وعوا إلى خطورة الغزو اللغوي ودوره في تدمير الإقتصاد، فنجد مثلا أن أحد الوزراء عندهم ذات مرة صرح بأن( الإحتكار اللغوي الأنجلو-أمريكي هو بمنزلة إفقار ثقافي غير مقبول، وأن سياسة تنويع تدريس اللغة الأجنبية هي مكون أساسي للقوة الإقتصادية الضاربة لفرنسا). ونجد وزير التجارة الخارجية الفرنسي، ميشيل جوبير، صرح بأن بيع اللغة الفرنسية إحدى أولوياته!
وهو ماظهر بعدها في شكل إنشاء الحركة الفرانكفونية من أجل ترويج ونشر وبيع اللغة الفرنسية!
ونحن العرب ماذا نفعل للعربية؟!
...
اللغة- كما يقول دكتور عميمور-عنصر رئيسي من عناصر الهوية الوطنية،والقاعدة الرئيسية لأمن البلاد القومي، وكذلك هي إسمنت الوحدة الوطنية التي تعطي لأي بلد قوته الحقيقية في مواجهة الأخر والتعامل معه بمنطق الندية، والتمسك بها في حد ذاته تجسيد لهيبة الأمة وتعبير عن كرامتها، ورمز لمكانتها ودعم لإرادتها عندما تتصارع الإرادات الدولية.
...
تتبع بعض الدول في نشر لغتها منهج ذكي جدا، فنجد مثلا أن من يقومون على نشر الألمانية حول العالم يقومون بتوحيد المناهج الدراسية، فنجد أن ما يدرسه الشخص في مصر هو نفس مايدرسه الشخص في نيجيريا و نفس مايدرسه الشخص في كوبا أو أستراليا، وهذا يصنع نوع من الإنسجام بين دارسي اللغة وكأنهم درسوا في نفس المدرسة وفي نفس الفصل!
نحن كدول عربية في حاجة إلى إنتهاج نفس المنهج لوضع منهج موحد لتعليم العربية ونشره في كل الدول، ودعمه بكرم، وكذلك صنع و إيجاد ما يدعم اللغة إقتصاديا فهذا أضمن سبيل لإستمرار تقدمها وإنتشارها.

ولكن ربما مجتمعاتنا العربية جميعها تعاني من مشكلة إنفصال-بنسب مختلفة-بين اللغة المكتوبة في الأدب والصحافة و اللغة المحكية بين الناس وفي وسائل الإعلام،ورغم أن- بحسب د.عميمور-العامية بلكانتها ولهجاتها يمكن أن تكون مصدر إثراء للغة الفصحى، فإن اللغة الفصحى هي دعامة الوحدة اللغوية،وهي التي تجعل من الشعوب أمة.
وعليه فيجب رأب الصدع القائم بين اللغة المكتوبة والعامية، وهذا له علاقة وثيقة بالأمية المنتشرة في بلادنا فعلاقة المواطن المحدودة بالقراءة والكتابة تسفر عن إزدواج لغوي، حيث تتطور العامية غير متأثرة باللغة الأدبية، ووجود لغة عامية لا علاقة لها باللغة الفصحى يزيد الهوة والفجوة بين الأمة وبين لغتها وبالتالي يؤثر في قوة ترابطها مع الشعوب التي من المفترض أنها تشاركها نفس اللغة والمفروض أنهم أمة واحدة.
..
ربما من حظنا كأمة، وهي نعمة كبرى من الله، أن جعل لنا دستور وكتاب يحافظ على وحدتنا اللغوية وهويتنا العربية، وهو القرآن الكريم، الذي أنزله الله بلسان عربي مبين، والذي يمثل لنا مرجع نلتف جميعنا حوله ونرجع إليه حين الخلاف، ولكن هذا ليس كافي، فنحن في حاجة إلي تقوية لغتنا العربية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى زيادة التقارب والترابط بيننا وهو ما سيزيد من قوتنا ومنزلتنا بين الأمم الأخرى.
بقي فقط أن نستغل هذه النعمة وأن نتشارك في النهوض بلغتنا العربية، كلا بما يجيده وبما يستطيعه.
===================
المراجع:
- اللغة والإقتصاد. فلوريان كولماس. سلسلة عالم المعرفة،الكويت 2000
- ربع مفردات اللغة الإسبانية من أصول عربية. سلمى الحفار الكزبري. مجلة العربي، يناير 2003
- راهن اللغة العربية في أوطانها. د.محيي الدين عميمور. مجلة العربي، مايو 2012
..
...
كل الشكر للأستاذة كريمة سندي صاحبة مدونة تيا فهي صاحبة الفكرة والداعية لها.
..

هناك 7 تعليقات:

  1. مساؤك خير ووسعاده استاذ احمد
    مقال اكثر من رائع فلغتنا الجميله مليئة بما يثرى حضارات وحضارات
    احسنت المقال والقول
    مودتى واحترامى

    ردحذف
  2. تحياتي أخي أحمد.

    الجميل في هذا اليوم الموسوم: بيوم النهوض باللغة العربية، أن كل مدون تناول موضوع القضية من زاوية معينة، ومن نظرة خاصة، فبدت القضية تكتمل ملامحها وتظهر جوانبها، فمثل المواضيع المتناولة بشكل جماعي، يكون فيها تكامل، موضوع يكمل الأخر.

    مقالك مميز أستاذ أحمد، وقد أضاءت جانبا مهما آلا وهو الجانب الاقتصادي للغة، فعنصر الثقافة مثلا عنصر مهم، لكنه ليس كافيا في نشر اللغة وتثبيتها في مجتمع معين، بل حتى الجانب الاقتصادي بما له من قوة تفرض نفسها، فالاحتكاك بالاخر يولد التجانس، والتأثير، وكما تفضلت أن الأندلسين أثروا في الاسبان بشكل واضح وهذا يظهر في الكلمات المستعملة في الاسبانية، وهذا لم يأت هكذا عبتا بل جاء بناء على أن الأندلس في وقت كانت قوة حاكمة، يعني كانت الأمم المجاورة تابعة لها ولم تكن كزمننا نحن اليوم تابعون للآخرين، فأثروا فينا ثقافيا ولغويا، واقتصاديا...
    للأسف العرب استهانتوا بمسألة اللغة، فتخلوا عنها ظانا منهم أن التقدم يأتي من باب استخدام لغة الأخر...

    يطول الكلام في الموضوع، لكني أتوقف هنا، واثني على موضوعك الجميل الذي تظهر عليه سمات البحث والاطلاع، فبارك الله فيك وأعزك.


    رشيد أمديون/ من مدوناته:
    همسات الروح والخاطر
    أضواء على العالم

    ردحذف
  3. السلام عليكم ..

    لقد وجهت نظري لموضوع آخر تماما عمال كنت كتبته وبحث في زاوية حرجة جدا .. وهي ربط اللغة بالاقتصاد فلم اقرأ من قبل عن هذه الموضوع الهام والحساس جدا ..

    وبالنسبة للغات الأخرى فهي موجة أو كما يقال موضة ثم تنتهي ونعود للمارسة حياتنا الطبيعية بنفس لغتنا الأم.

    بارك الله فيك وأثابك وقد أضفت مشاركتك التي لم أتنبه لها وعذرا على ذلك في التدوينات المشاركة وأشكرك مرة أخرى على تلبية الدعوة

    ردحذف
  4. سأقتبس من كلام استاذ رشيد ما شعرت انه يلائم رأيى ويوافقه

    ((الجميل في هذا اليوم الموسوم: بيوم النهوض باللغة العربية، أن كل مدون تناول موضوع القضية من زاوية معينة، ومن نظرة خاصة، فبدت القضية تكتمل ملامحها وتظهر جوانبها، فمثل المواضيع المتناولة بشكل جماعي، يكون فيها تكامل، موضوع يكمل الأخر.))


    اتمنى ان نجعل كل يوم للاحتفال بلغتنا العربية ودائما نكون فى حراستها والزود عنها وليس مجرد يوم فقط


    احسنت اخى بارك الله فيك وجزاك خيرا
    تحياتى وتقديرى

    ردحذف
  5. أخى الكريم
    أحييك على هذا الطرح القيم والذى حصل منك على مجهود واضح ولكنه مجهود مثمر وبأفكار جيدة نتمنى أن تجد طريقها إلى التطبيق والتفعل.....

    تقبل أخى خالص تقديرى واحترامى
    بارك الله فيك وأعزك

    ردحذف
  6. عجبني قوي تناولك للموضوع من زاويةمختلفة ومهمة جدا في نفس الوقت

    ردحذف
  7. الالمان لايتكلمون الا الالمانيه ويرفضون حتي مع السياح ان يتكلموا اي لغه اخري
    كذلك الفرنسيين رغم تعلمهم الانجليزية
    تعالي بقا هنا
    يتباها الشاب بعوجت لسانه
    وكل المحلات تكتب اسمائها بالانجليزية
    عندما كنا ننتقي اسم جديد لمعرضنا اصر زوجي الله يرحمه ان يكون اسم غربي حتي يشد الناس
    فااصريت انا ان يكتب بالعربية
    فااصبح اسم انجليزي مكتوب بالعربي
    :))

    ردحذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول