السبت، أغسطس 31، 2013

R2P

ربما نحن لسنا في حاجة لمعرفة طريقة وضع القناع القانوني والإنساني الذي يتوارى خلفه الوجه الإجرامي القبيح لأمريكا والغرب في تعامله مع بلادنا العربية والإسلامية، لأن هذا لن يغير شئ. وربما نحن في حاجة لمعرفتها من باب العلم بالشئ!
..
في القمة العالمية للأمم المتحدة عام 2005 أقر القادة السياسيون المجتمعين مبدأ جديداً لتنظيم السلوك السياسي العالمي تحت مسمى مسؤولية الحماية( Responsibility to protect ) ، ووفقا لهذا المبدأ أقرت دول العالم أن منع الفظائع الإجرامية الجماعية- متمثلة في الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي- ضد المواطنين تقع على عاتق الدولة ذات السيادة، مع التأكيد على أن السيادة ليست حق بل مسؤولية، وإذا فشلت الدولة في تحمل وتطبيق مسؤوليتها تجاه مواطنيها من منع هذه الجرائم المذكورة أعلاه فإن من حق وواجب المجتمع الدولي أن يحمي المدنيين في تلك الدولة بالتدابير القسرية المتمثلة في العقوبات الإقتصادية وصولاً للخيار الأخير وهو التدخل العسكري!
بالطبع مبدأ مسؤولية الحماية هذا قد تم مناقشته وتعديله وإضافة شروط مكملة لبعض بنوده وغير ذلك على مدار سنوات. وكذا توافقه مع قواعد اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدولة( ICISS) التي تقول أنه قبل التدخل العسكري بأية صورة من الصور فإن هناك ستة معايير يجب تمامها. وهذه اللجنة التي شكلتها الحكومة الكندية في عام 2000 والتي في جولتها الثالثة بلندن في فبراير 2001 قد إقترحت عبارة مسؤولية الحماية كبديل عن حق التدخل(right to intervene ) او واجب التدخل(obligation to intervene ). حتى تم إقرار هذا المبدأ بعد قمة 2005 والذي تم دعمه لاحقا في إبريل 2006 من قبل مجلس الأمن في قراره رقم 1674، ثم لاحقا في 2009 في قراره رقم 1894.
يمكن الإطلاع على كل هذا وغيره بإستفاضة على المواقع الإليكترونية، مثل ويكيبيدا وغيرها.
http://en.wikipedia.org/wiki/Responsibility_to_protect
الفكرة فقط هو أن كل هذا لن يؤثر تقريبا بالنسبة لنا، فعندما تريد أمريكا أو الغرب تطبيق مبدأ علينا-هو في الأساس وُضع من أجلنا- لن يتعبوا في إيجاد الأسباب وخلقها!
إذ أن هذه المنظمات التي من المفترض أنها عالمية وملك لكل دول العالم هي في الحقيقة تدار من قِبل أمريكا ودول غربية بعينها، وعليه فإنك تجد إستثناءات وتأويلات وتحويرات تُخلق كلها لتتماشى مع أغراض وأهداف أمريكا وتابعيها من الدول الغربية.
وتجد أحيانا أن موافقة هذه المنظمات أو معارضتها -حفظا لماء الوجه- لا تشكل عائقا يقيد يد أمريكا، الدولة الديمواقرطية راعية الإنسانية الأولى، في أن تقوم بواجبها في حماية المدنين وتخليصهم من أنظمتهم الديكتاتورية وزرع الحرية والديموقراطية في أوطانهم!
وكذا الفيتوهات التي تستخدمها الدول الخمس في مجلس الأمن، والتي تبنى على أساس المصالح، لا يتم الإلتفات لها، فالنظر يوجه للغنائم لا للغطاء الأممي أو القانوني.
وساعتها جل ما قد تستطيع فعله المؤسسات الدولية هو الشجب والإستنكار مع تأكيدها على أنها لم توافق على ذلك!
..               
وبنظرة بسيطة حولنا لما حدث في العراق وليبيا وسوريا ومصر لوجدنا أن أمريكا والغرب قاموا بعمل ممتاز في إطار خلق الأسباب التي تؤدي لتطبيق هذا المبدأ، فنحن يتم التلاعب بنا، يتم زرع القلاقل بيننا لتفريقنا ولوضع دولنا وجيوشنا في مواجهة شعوبها، حتى لا يصبح أمامها إلا خيار من إثنين، إما أن تتهاون في تعاملها مع المعارضين أو المناوئين لها، متهاونة بهذا في هيبة الدولة وفاتحة الباب أمام تفتت الدولة ومؤسساتها، وهذا يحقق لهم هدف التدمير بأقل الخسائر، لأنه تدمير ذاتي!. أو أن تحافظ الدولة على هيبتها وأمنها بمجابهة هذه المعارضة أو هذه الجماعات، وهذه لن يتم إلا بالشدة والعنف والقتل، وهنا تكون الدولة في موقف قتل مواطنيها بدلا من مسؤوليتها عن حمايتهم، وهنا لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي، يجب أن نتدخل!
..
لم يمر وقت بعيد على التدخل في ليبيا ظاهريا تحت غطاء هذه المبدأ، والذي دعم من قبل الأمم المتحدة، أما في الخفاء فأظننا جميعا نعلم أسباب التدخل وأغراضه وأهدافه.
اليوم جاء الدور على سوريا، وإذا كان ما حدث طوال العامين السابقين في سوريا من قتل وتدمير لم ينجح في جعل الدولة السورية تنهار، كان لابد من إيجاد سبب قوي وفوري للتدخل. فجاءت حادثة الكيماوي.
تشير معظم التقارير الأكاديمية الغربية -التي تحلل التقارير الإخبارية، وتتابع التصريحات السياسية على مستوى أمريكا والدول الغربية وكذا الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الأممية- أن النظام السوري بنسبة كبيرة جدا لم يستخدم السلاح الكيماوي في الحادث المزعوم، وأن الإحتمالين الأقرب للحقيقة هو أن الكيماوي لم يستخدم من الأساس وأن هذه الحادثة مفتعلة إستنادا على تحليلات كثيرة، أو أن من إستخدم الكيماوي هو الجيش السوري الحر بدعم مخابراتي وحربي أمريكي، وليس الجيش النظامي السوري.
http://www.globalresearch.ca/lies-and-fabricaitons-to-jutify-war-un-admits-it-didnt-ask-for-access-in-syria-until-saturday/5347168

http://www.globalresearch.ca/syria-another-western-war-crime-in-the-making/5347038

إذ تشير بعض التقارير إلى عدة حقائق تم تغافلها عمداً من قبل الإعلام الغربي. وبغض النظر عن تحذيرات أوباما المتعددة للنظام السوري من إستخدام الأسلحة الكيماوية، وهي تحذيرات تحمل مغزى عميق بكل تأكيد، ففي مايو الماضي صرحت العضوة بلجنة الأمم المتحدة للتحقيق كارلا ديل بونتي(Carla Del Ponte) في حديث للتلفزيون السويسري أن هناك دلائل توحي بأن المتمردين قد إستخدموا السارين، ولم تستبعد أيضا أن تكون القوات الحكومية قد إستخدمته.
http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-22424188 
وفي يونيو نشرت صحيفة زمان التركية خبرا بأن الشرطة التركية ألقت القبض على 12 عضوا تابعين لتنظيم القاعدة في سوريا وجبهة النصرة، وبحوزتهم أربعة باوندات ونصف من غاز الأعصاب السارين، وأسلحة يدوية وقنابل. وقالت أن كل هذا كان من أجل تنظيم هجمات على مدن تركية، وهو ما نفاه البعض مؤكدا أن هذا كان في طريقه لسوريا، خاصة أن القبض على هؤلاء كان بالقرب من الحدود السورية التركية.
إلى جانب تقارير إستخبارتية متعددة تؤكد قيام الولايات المتحدة ودول غربية بتزويد الجيش السوري الحر بمعدات ثقيلة وغيرها من الأسلحة.
كل هذا يوضح ما يحدث في سوريا، ويؤكد أننا -طبقا لما نعلن عنه شعبيا ورسميا- بعيدين تماماً عن كل ذلك، فرؤية الغالبية، بدون الخوض في تفاصيل، تستند إلى منظور ديني طائفي.
..
لو وضعنا تقارير وتحليلات وأخبار وغيرها لن تكفي مئات الألاف من الصفحات، ولو وضعنا التقارير والمقالات التي تربط بين كذب الساسة والإعلام الغربي ودوره في حرب العراق ودور كذبهم في الإعداد للحرب على سوريا لن تكفينا أيضا مئات الألاف من الصفحات، وربما لو وضعنا كل هذا لن ياتي علينا بأي فائدة، فنحن نعيش زمن العجز العربي، إذ يتركز كل جهدنا على أن لا نعرف، أن نظل على عمانا وعلى جهلنا، لأن المعرفة ستعري عجزنا وضعفنا وهواننا ومذلتنا.
فلا تسأل عن موقفنا الرسمي مما يحدث أو مما سيحدث، يكفيك أن تتذكر العراق وأنسخ من موقفنا تجاه ما حدث معها نسخة بالكربون، بل ربما نتخاذل أكثر!
يبقى الرهان على ثقل سوريا العسكري، وعلى موقف حزب الله وإيران، فإن كان من أهم أهداف تدمير سوريا هو المضي قدما في تفتيت الجيوش العربية وتقسيم دولها وضمان أمن إسرائيل، فإن إيران ترى أن دخول أمريكا لسوريا يعني قطعها لخطوة قاتلة لتطويق إيران.
ربما هذه الحسابات وغيرها تجعل ضرب سوريا لا يتخطى كونه تهديد لن يصل إلى حيز التطبيق.
..
يا بلادنا ليس لنا بعد الله إلا نحن، فإما بمحبتنا وترابطنا ووحدتنا نحيا، وإما من دونهم نفنى. وهو الحادث.

الخميس، أغسطس 29، 2013

خيانة

أنا لم أخُنـْـك
يا حـُزنــِـي المُقيـِم
ولم أخُنْ تلك الدمـَــاء
ولا شَذى قطَرَاتِهــا
فضحكتي رَسمٌ عَقيـــم
ولم تتخط يوماً صَوت هَاهَا
ولم تُصِب قلبـــِـي قط
نشـْــوَى سِهَامِها



أنا لم أخـُنـْك
يا ذا النـَّحيب المُستديـم
ولم أخنْ دُموع البَائسين
ولم أصُمّ الروحَ عِند صُراخِها
فسَعادتي هَيكل سَجيــن
بداخل قـُمْقــم
عَمْيَاء دَاخل ظـُلمـَــة
لم تَخْلع يوماً ثوب حِدَادِهـا


أنا لم أخـُنـْك

يا حُلمِـي القـَديم
ولم أدَع طـَوعاً يَداي
تـُواري نـَبْت جِهادِها
فهاك مَائـِي قد نـَفـَدَ
وغادرت ظهري نُطفة نسلِها
وتـَمَرَّدت أحْشـَائي
وتـَكـَفـَّنت دُنيَاي داخِل لـَحْدِها

أنا لم أخـُنك يا قـَلبي السَقيم
ولم أبـِعـْك بزيْفـِها
ولم أسِرْ دُروب اليَائسين
ولا لوَّحَ أمَلي بلوائِها 
بل نـَافِخاً صُوره نبَشَ القـُبور
مُتكفلا بمُهمة بَعْثِـها
ليبقىَ فيا مَعْنى الحَيـَـاة
ومعْنى صُمودِهـــا.
 

الاثنين، أغسطس 26، 2013

ذات مرات في حوارت!

في خضم ما نعيشه الأن ربما يمثل الحوار بين الطرفين المتعارضين أداة من أدوات الوصول للحقيقة أو الوصول لحالة من الوفاق تفيد الجميع، هذا في حالة إن ما كان حوار عقلي منطقي قائم على الإحترام والرغبة في المعرفة لا الرغبة في إثبات صحة موقفي وفقط، وليس حوار كعادة معظم حواراتنا التي تنتهي في العادة بتبادل السباب والإتهامات!
هذا الشخص الذي أنشر صورة لأحد مساجلاتي معه على الفيس بوك - وهي الوحيدة التي أستطعت الوصول إليها- تعلمت منه الكثير، هو ليس صديق لي ولكنه صديق عند إحدي صديقاتي على الفيس بوك، وهي سيدة مصرية تعيش في لندن، دارات بيننا مساجلات كثيرة وطويلة، وتنوعت ما بين سياسية ومجتمعية ودينية، ربما كان أولها بعد يناير 2011 ، ونقاشي معه حول تخلي مبارك عن السلطة وعن وجود المجلس العسكري على كرسي حكم البلاد وعن الحزب الوطني وأعضاءه، وأظنني إستفدت منه كثيراً وتأكدت أن أراءه كانت حكيمة وعقلية ومنطقية. وأظنني أفتقده الأن فأنا في حاجة ماسة لمناقشة وضعنا الحالي معه!
بعث لي برسالة بعد إحدي تلك المساجلات، وشكرته وأعلمته أنني تعلمت منه الكثير، وكنت أتمنى أن نصبح أصدقاء على الفيس بوك ولكني أخشى أن ذلك سيعرفنا على بعض أكثر وربما هذا يفسد العلاقة بيننا!
تعجَّب من هذا ولكنه قبَله، وسار دأبنا هو السجال من خلال منشورات صديقتنا المشتركة تلك، فأنا إن وجدته علـَّق على منشور لديها أعقب على تعليقه ويستمر السجال، وهو يفعل المثل.
ربما ما جعلني أحترم هذا الرجل- بعيدا عن ثقافته وحكمته ومنطقيته في الحوار- هو شعوري أنه لا يريد هزيمتي أو الخروج من السجال منتصرا -شأننا جميعا!-، بل كنت أراه يريد أن يتعلم وأن يستفيد، كان يبحث عن معرفة سيحصلها من الحوار.
كما أنه لم يكن يهمل ولو كلمة واحدة في التعليق، هروبا لعدم وجود رد عنده عليها أو تعصبا لرأيه وفقط.
أنشر هذا السجال لأنني ماعدت أتناقش مع أحد وما عدت أحمّل نفسي عناء شرح فكرتي للأخرين، لأنني أقتنعت أن من يريد أن يعرف فكري يساعدني على ذلك لا يحاربني ويسبني!
..
هذا السجال، وأظنه ربما من أبسط سجالاتنا وأقصرها!، كان على منشور نشرته صديقتي تلك، وكان عن القذافي وما حدث معه.
..
·                           med Ahmed Saleh you are right Gehad,sure Gadafy deserves Death but by a fair trial and i think what happend with him was brutal and barbaric..
·                          
Robert Jefferies You are both right but niether of you were on the other end of Sadam Hussain, M Ghadaffi or Mubarak or any of the other Islamic leader when they were being far more barbaric. I can understand (but not approve) of how people feel when they are in this situation. Is it Islamic what these people (SH, MG, HM etc) did and what those in power are still doing. Do you wish them something they did not give their victims. Do they deserve better than they gave. There are in my opinion many barbaric things happening today in Egypt and other middle east counties but as with Ghadaffi here, its a viewpoint.
·                          
Ahmed Ahmed Saleh Well, at first those who you have mentioned(SH,MG,HM) are not Islamic leaders because they were not ruling countries with Islamic constitution or Islamic laws it is not khilafa (Islamic rule)..just they were civil leaders ruling civil countries..and sure what they did is not from Islam… although sometimes the power corrupt the ideology..
Sure those people(MG,HM etc..) don't deserve better than they gave,but Islam said forgive when you can punish, and if we wanted to build a new country with real democracy we should respect the law and put the revenge aside and walk the right way and i think this will be the best thing we do.
·                          
Robert Jefferies Ahmed - This picture is new to me and I do find it tasteless, you may not respect the man when he is alive but we should respect the sanctity of the dead. I can agree with you on the need to forgive and put things aside – the Christian and many other religions preach the need for forgiveness - but I can still understand the feelings of people who have lost (loved ones) family to these dictators and I can understand their need for retribution. When someone has completely destroyed your life and your family it is difficult to retain these grand moral stands. You are right; you cannot build a country on the basis of acts of evil or lies. (This is another important point that I have discussions with amongst my Egyptian friends related to another country in the Middle East).
I think my terminology was wrong and I bow to your better knowledge of the meaning Islamic – word retracted. We mix up being a Moslem and the term Islamic. They were supposed to be Moslems and to the world they represented the Moslem world. I like your use of the word Ideology; I use the term “cultural, belief and world views”. From the beginning of time the problems of the world have usually started when people begin to believe that their ideology is the only correct view and all non believers are evil heathens. They then try to impress their view on the world through oppression; they also at the same time corrupt their ideology as a means to suppress its own followers.
·                          
Ahmed Ahmed Saleh I want to add, or to explain, that forgiveness is only a right for the persons and they can use it, but the law or the country has no right to forgive, and no one can deny that the retribution is a right, and Quran says: and there is (a saving of) life for you in retribution(equality in punishment)..and says: and whoever forgives and makes reconciliation Allah will grant them..,and sure there is some crimes(like what these dictators did) we shouldn't forgive just we should take revenge by the right way or we will commit the same crime!! and i do understand the feelings of people who have lost loved ones of their families but I should condemn what they did just to make them learn and not to let what they did becomes rule!!!
..thank you Mr Robert,really I got many benefits from your words.
·                          
Robert Jefferies Thank you - we agree on all points.


 ..
أريد أن أضيف جزئية بسيطة، وهي أن حوارتنا في العوالم الأليكترونية أظنها تتطابق تماما مع حوارتنا في العالم الواقعي، تعصب وسباب وإتهامات. فهل سنرى في الشوارع أفراح وحب وعناق؟!
وأننا نركز في اللعبة السياسية الدائرة وما يحدث في بيوتنا وشوارعنا ولا نركز في ما يحرك ويتحكم في كل هذا، نحن ببساطة نشاهد فيلم سينما لن تتغير صورته على الشاشة إلا إن تغير الشريط في البروجيكتور!
..
كنت عند الحلاق من يومين، وهو شاب ولكنه شخص بسيط، سألني: هي البلد صحيح منقسمة؟
قلت له: البلد عمرها ما كانت متحدة، طول عمرنا منقسمين بس كنا كدة في صمت، دلوقت الصمت بقى صراخ!
ولكني تذكرت المشهد العبقري في فيلم الأرض والذي يلخص فلسفة الشخصية المصرية المعقدة، تذكرت خناقة عبد الهادي مع دياب، فأيديهم التي كانت منذ ثوان تتبادل اللكمات والضربات تشابكت متعاونة لتخرج الجاموسة التي وقعت في الساقية!
لكن هو لازم الجاموسة تقع في الساقية؟!
..

السبت، أغسطس 24، 2013

سياسة رب ارجعون.

سألني:
لماذا لم تغير صورة بروفايلك للون الأسود رغم موت الألآف رغم أنك غيرتها سابقا عندما قتل عدد أقل منهم بكثير؟ أم لأنهم إخوان؟
لم أجـِبه -كعادتي مع أمثاله- ليتلذذ بنشوة النصر كلما رآني.
ولو جاوبته لقلت:
لأنني الإبن الوحيد لوالديَّ، ويوم وفاتهما سأكون من يقف لأخذ العزاء لا من يلبس سواد الحداد ويبكي. وما حدث ويحدث يساوي في نكبته ومرارته فقدهما سويا.
..
أحيانا كثيرة أخاف أن أكون قد تحولت لوحش لا يعرف رحمة ولا شفقة، وأبحث عن قلبي أمازال داخل صدري أم تراه غادر، أمازال برقته أم تراه تحجر حتى صار وجوده وحضوره يتساوى مع عدم وجوده وغيابه. ربما ما يلطف نيران الحشا أحيانا هو أن العقل هو ما يحل العقد والمشكلات لا العواطف، وربما أن من ظللنا لقرون نعاملهم بالرحمة ولم يستجيبوا يجب أن يأتي يوم ونعاملهم بالعدل، والعدل نراه أحيانا قمة الوحشية، وذلك لأنه يعيد تطبيق جريمتنا علينا!
وربما لأن عبارة " مش فاهم حاجة " ليست صك غفران ينجيك من جزاء الجهل، فمن ظلموا أنفسهم وقالوا كنا مستضعفين في الأرض قال لهم ربهم:
ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
فالإكتفاء بالجهل هربا من مسئولية المعرفة ظلم للنفس، وظلم للمجتمع والبشرية.
فلا مبرر لمن ملك عقل وقلب وقوة.
حتى أن القانون الوضعي قد أعلنها هو الأخر صريحة بأن القانون لا يحمي المغفلين. فالبحث عن المعرفة واجب وفرض، وإتخاذ موقف مبني على هذه المعرفة واجب وفرض، والخطأ والصواب في هذا الموقف - طالما قد بني أساساً على طلب الخير والمنفعة العامة- كلاهما حسن لأنه قد بني على إقتناع بمنطق وعقل.
ربما لأننا قد أصبح أغلى أحلامنا الأن أن لا تزهق المزيد من الأرواح وأن لا تراق المزيد من الدماء، أما حلمنا المستحيل فهو أن يحدث بيننا وبين بعض تطبيع! نعم نحن شعب عِشَري، وإن أردنا فإننا ننسى ونندمج سريعا، ولكن يبقى الشرط الوحيد هو عرض الود من الطرفين.
ربما لأن كلانا نخشى سجن السلطان، رغم أننا قد بنينا في كل شبر من الأرض سجن للأخرين ولو إستطعنا لرمينا في ظلماته كل من يعارضنا أو ينتقدنا أو يعكر صفو مزاجنا.
ولو أننا هدمنا تلك السجون وأعتقنا الأخرين من ربقة أنانيتنا وتعصبنا لأنفسنا منهجنا ومنحناهم حريتهم ونلنا منهم حريتنا، لأنهدمت سجون السلطان فوق رأسه.
..
في تدوينات سابقة قد كتبت أشياء كثيرة عن رؤيتي لما نمر به في مصر، ولم يكن كلام إنشا ولكنه يستند لأفكار ولدلائل لها سند واقعي، ولكن دوما الإنسان في حاجة لمراجعة قناعاته أكثر من حاجته للبحث عن قناعات لشكوكه، فالفعل الصادر عن قناعة يكون أشد تدميرا حين يتضح أنه كان خطأ. وربما إقبالك على فعلك الشئ مقتنعا بصوابه هو أيسر كثيرا من إحجامك عن فعله رغم إقتناعك بصوابه أو شكاً لجزء في المليون بخطأه، فإستطاعة القيام بالفعل أيسر وأسهل وأضعف من إستطاعة الإحجام عن فعله.
ومازال بحثي قائم عن ما يزلزل قناعاتي ويهدمها، أو يدحض أفكاري ويثبت خطأها، فهو وإن كان بحث عن تدمير فهو إن خاب تقوية وتثبيت.
فمثلا في أيامنا هذه البعض عندما يسمع عبارة إشتباكات بين الأهالي وأنصار المعزول محمد مرسي، ربما ما يتبادر لذهنهم -وربما هم معارضون للإخوان، فما بالك بإعتقاد الإخوان انفسهم- هو أن ذلك كذب وأن كل هذه ألاعيب داخلية وأمن دولة. ولكن ربما أنا لي رؤية أخرى مستندة لواقع أشاهده بعيني وأسمعه بأذني وأعيشه بكل مفرداته، فالواقع في قريتنا مثلا هو أن الإخوان عندما يقومون بمسيرة فإن لهم حدود إن تخطوها قامت بينهم وبين المعارضين للإخوان -ولا أقول المؤيدين للسيسي- إشتباكات تتفرق على إثرها مسيرة الإخوان وتعود للتجمع في المكان المسموح لهم بأن يقيموا فيه مسيراتهم.
فالواقع أن معظم الإشتباكات ليست بين إخوان ومؤيدين لهم في مجابهة سيسي ومؤيدين له، ولكن بين إخوان ومؤيدين لهم في مجابهة معارضين للإخوان، تلك المعارضة التي تجاهلوها وأستهونوا بها وأستهزأوا بها وتعالوا عليها في كل الحقب من فاروق حتى مبارك حتى تحولت لكراهية.
والأن لا يصدقون ما يرون ويعترضون على صناعة هم من أنتجها ورعاها وساندها.
لا يحق لنا أن نمل من الكلام أو أن ندفن رؤوسنا في الرمال، فما بهذا تحل المشاكل أو تفرج الأزمات، يبدو الكلام قبيح أحيانا، وهو قبح الواقع الذي يرسمه، ولذا يجب أن نعري القبح تماما حتى نعرف كيف نُجَمّله.
مؤخرا لاحظت تغير طفيف في سياسة الإخوان المجتمعية، فهم دوما كانت سياستهم -مع إهانتهم لكل فكر يضاد فكرهم أو على الإقل تجاهله وإهماله- أن يخاطبوا مشاعر البسطاء لا فكر المفكرين، أن يستدروا عطف الناس وشفقتهم، لا حبهم وتفهمهم وموافقتهم. الأن وبعد معارضات من البسطاء والمفكرين لنجاحهم في فقد الجميع بدأوا ممارسة سياسة جديدة، وأنا أسميها سياسة رب ارجعون، لأنها بلا طائل، ففي الحقيقة هم في حاجة لسياسة بعث وليس لسياسة بقاء- فقد تغير خطابهم في الناس وتغيرت قليلا نبرتهم المتعالية والعدائية، فهم قد بدأوا في الدعاء للمسيحين أن يحفظهم الله، بعد ان كانت لا صلاة لهم تخلوا من ترديد " اللهم عليك بالنصارى ومن ناصرهم"، وهذا ليس حبا وتسامحا ولكنه دفاعاً وإنكاراً لتهمة حرق الكنائس. بدأوا يدعون للجيش ويدعون على من قتل الجنود في سيناء، وهذا ليس تأييدا ودعما للجيش الذي دعوا لهلاكه علانية، ولكن دفاعاً وإنكاراً لتهمة أن يكونوا هم أو من يساندهم من الجهاديين في سيناء من قتل الجنود. بدأوا يدعون بالهداية -وهذا جفت حلوقنا طلبا له- لمن لم تخلوا صلاة لهم من الدعاء عليه بالقتل والهلاك وترميل نساءه وتيتيم أطفاله وهذا ليستروا أنفسهم وليزيحوا عنهم تهمة العدائية والكراهية. ولكن هذا ليس منه طائل لأنه أولاً جاء من جراء ضغط الناس ونقدهم لا من جراء رغبة حقيقة صادقة في التغيير، أي جاء كفعل لجني مكسب سياسي لا كتوجه لجني مكسب إجتماعي، وثانيا لأن الجميع يعرف ذلك!
ما يجعل هذه السياسة ناجحة، هي أن لا تكون سياسة من الأساس بل أن تكون توجه صادق للمصالحة مع الناس والإندماج في المجتمع بعد توجه ومنهج الإلتفاف على النفس وإهمال وتجاهل المخالف.
..
قلت في منشور على الفيس بوك في بداية الأزمة، أن لا خيار يخلو من مرارة، إذ كيف لي مثلا أن أقبل عبارة السيسي حمار ومرسي سبع، فربما أنا أرى السيسي حمار ولكني متيقن أن مرسي ليس سبع، بل ربما هو حماران!
يبدو أن أحدهم اليوم قد إجتزأ كلامي- كما يحدث دوما- فخط على الحائط الأمامي لبيتنا عبارة السيسي حمار!
ورغم أن أي كتابات أو ملصقات-حتى لو أوافق عليها تمام الموافقة- أرفض تماما وضعها على حائط المنزل، لأنني أرى أن ذلك تشويه، والأفضل أن نحتفظ بشعارتنا في فكرنا وعقلنا وأن نطبقها في أعمالنا وأفعالنا. كنت أتمنى أرى من كتب العبارة، لا كي أقوم بضربه أو سبه أو إجباره على إزالتها، ولكن لكي أسأله هل لديه الشجاعة أن يكمل العبارة كما قلتها؟!
..
تعليقا على موقف السعودية وقطر.
السعودية تعلم أن مصر لو سقطت ستسقط كل الأمة العربية، وربما قد تم الضغط عليها لتقف على الحياد على الأقل، ولكنها تملك من القوة ما يجعلها قادرة على معارضة السياسة الأمريكية، أما لو نظرنا لقطر على سبيل المثال فسنرى أنها لا تملك أي خيار أخر، فهي ولاية أمريكية شاءت ذلك أم أبت، أو لنقل قاعدة امريكية خالصة وهي والقطريون ضيوف عليها!
فلا تظلموا قطر!

الاثنين، أغسطس 19، 2013

هل يمكن جمع الخيوط؟

يحق لك أن تشعر بالإرتباك عندما تكون على معرفة بأشياء كثيرة ولا تستطيع الربط بينها أو سبر مدى صدقها أو كذبها، ولكن عندما تكون جاهل بكل شئ فأنت في هذه الحالة ربما لا يحق لك إلا الموت!.
فأنا أعتقد أن البحث عن الحقيقة في زماننا قد إختلف تماما عنه في الماضي، ففي الماضي كانت الحقيقة تـُستر أو يحفر لها بئر وتدفن فيه، وكانت طريقة قنصها هي حفر البئر وتناولها من قعره، أما الأن فالحقيقة توضع مكشوفة على السطح بعد خلطها بمليون كذبة وصورة زائفة، فمن تراه سيقدر على إستخلاصها؟
الكذب والتزييف في المقام الأول ليس من أجل كسب الند بل من أجل الحفاظ على المؤيد، فأنت تغذي مؤيدك بما يجعله يستمر في تأييدك ولا يهمك الند أحيانا لأنه في الغالب في واد وانت في واد أخر.
فالإنفصال بين أتباع الأطراف المتناحره يأتي في العادة في صالح الرؤوس التي تدير المعارك فلا هي تـُقتل حين الهزيمة ولا هي تدع لأتباعها شئ من الغنائم حين النصر.
لا يخفى على أحد أننا- جميع الدول العربية والإسلامية- نواجه حرب مؤامرات من قِبل أمريكا وإسرائيل ودول غربية، وربما لا يخفى على أحد أن غالبية -وربما كل- هذه المؤامرت تنفذ بأيدينا نحن.
وربما لا يرى البعض أنها حرب مؤامرت، بل حرب خيانة وعمالة وبيع أوطان على يد السلطات والقوى الفعلية في بلادنا، أو لنقولها واضحة بيع أوطان على يد جيوشنا العربية. ومنها الجيش المصري طبعا، أو لنقل قادة الجيوش.
ولكن في كل الأحوال كل طرح يحترم مادام لديه من الأدلة والبراهين ما يؤكد أو يدعم رؤيته.
عندما ننظر لما حدث في مصر في الفترة السابقة، ومازال يحدث يجب أن لا نتناوله بمعزل عن ما دار في دول عربية أخرى مثل العراق وسوريا أو ليبيا، وخاصة العراق وسوريا. وكذا لا يجب أن نتناوله بمعزل عن الصحافة والإعلام الغربي والمواقف الدبلوماسية والرسمية الغربية.
وكذلك ليس بمعزل عن الدراسات الأكاديمية المعنية والمتابعة للأحداث السياسية، بجوانبها الحربية والدبلوماسية والإستخباراتية.
..
ربما نحن كعرب قد نتابع الصحف والمواقع الإخبارية العالمية، ولكننا قد نهمل متابعة شئ هام، وهو متابعة المواقع البحثية والأكاديمية، والتي قد نجد فيها أشياء هامة جدا، بغض النظر عن ثقتنا في صدقها أو خلوها من روح توجه مقصود، فإنها على الأقل تفتح أمامنا باب تساؤل ومصدر معرفة يزيد من مساحة نافذة النظر للأحداث.
ربما كان من أخطر الأبحاث التي طرحت على واحد من هذه المواقع البحثية(global research) كان البحث الذي قدمه البروفيسور ميشيل شوسودوفسكي(Michal Chossudovsky) والذي جاء في ثلاثة أجزاء كان أولها قد نشر بتاريخ 9 أغسطس 2011.
وشوسودوفسكي هو أستاذ إقتصاد بجامعة أوتاوا بكندا، وصدر له كتاب(عولمة الفقر والنظام العالمي الجديد) 2003 وكتاب (حرب أمريكا على الإرهاب) 2005 وكتاب (تجاة سيناريو حرب عالمية ثالثة، أخطار الحرب النووية) 2011.
ربما يصعب عرض ما كتبه شوسودوفسكي تفصيلا، وسأضع في نهاية التدوينة عدة روابط يمكن من خلالها الإطلاع على المقالات ومقالات غيرها، ولكني سأحاول عرض لب الفكرة في بحثه أو مقالاته هذه.
في بحثه يربط شوسودوفسكي بين ماحدث في السلفادور بتخطيط من الولايات المتحدة كبداية للعبة قذرة وتم إعادة لعبها في العراق ثم في سوريا(تحت مسمى خيار السلفادورSalvador option) والذي هو بمثابة نموذج إرهابي(terrorist model) للقتل العشوائي الذي تقوم به فرق الموت المدعومة من قبل أمريكا. وربما في مصر بصورة أخرى لأعتبارات إختلاف مصر عن السابقين.
يبدأ بعرض ما يسمى بفرق الموت (Death squads) التي تدعمها وترعاها أمريكا، والتي تم تطبيقها الأول في السلفادور في عنفوان المقاومة ضد الديكتاتورية العسكرية، وراح ضحية أعمال فرق الموت هذه ما يقارب 75.000 قتيل في السلفادور.
في الفترة من 1981 حتى 1985 كان جون نجروبونتي(John Negroponte) سفير الولايات المتحدة في الهندوراس ومن موقعه هذا لعب دور رئيسي في دعم وتمويل مرتزقة الكونترا في نيكاراجوا (Nicaraguan contra mercenaries ) الذين كانوا يتمركزون في الهندوراس والإشراف على تدريبهم، والذين قاموا من خلال عملياتهم الإرهابية داخل نيكاراجوا بقتل ما يقارب 50.000 مدني.
بعد هذا النجاح الباهر لنجروبونتي، وبعد توليه منصب رئيس الإستخبارات الوطنية في إدارة جورج بوش، تم تعينه كسفير الولايات المتحدة في العراق في عام 2004، بتفويض رسمي ومهمة رسمية لتطبيق (خيار السلفادور) على العراق.
والذي عمل على تنفيذ الخطة بنجاح، ووصلت الأمور في العراق لما شاهدناه وعايشناه جميعا.
بقي أن نذكر أن أحد رجال فريق نجروبونتي في بغداد في تلك الفترة(2004-2005) كان روبرت ستيفن فورد (Robert Stephen Ford) والذي تولى منصب سفير الولايات المتحدة في سوريا بداية من يناير 2011 ليقوم ببدء تطبيق (خيار السلفادور) على سوريا.
أنا هنا كما قلت حاولت أن اوضح لب فكرة شوسودوفسكي وسأضع الروابط في النهاية للإطلاع على جميع التفاصيل التي ذكرها، وفي النهاية هو مجرد طرح قد يثبت صدقه أو كذبه، ولكن يجب أن نعلم كل شئ ثم نحاول تقييمه، لأن الجهل بالشئ بكل تأكيد لن يفيد.
ربما من أهم ما قد نستنتجه من بحث شوسودوفسكي بعيداً عن صدقه أو كذبه- والذي يربط الأمور بمصر- هو سعي أمريكا لتوريط النظم التي تريد إقتلاعها من أجل تدمير دولها، هو سعيها على توريطها في العنف والقتل والتدمير- إذ يقول شوسودوفسكي أن حادث الحولة الرهيب والذي تم إتهام حكومة الأسد في القيام به، لم تقوم به حكومة الأسد ولكن قامت به الفرق التابعة للمخابرات الامريكية، وسط كمية كبيرة من الصور والأخبار المزيفة لتوريط نظام الأسد فيها، خاصة أن من قام بإمداد الجيش الحر بالأسلحة كان ديفيد بتراوس والذي عينه أوباما رئيساً للمخابرات المركزية-، وبهذا فهم يضعون الشعب والرأي العام أمام خيار: كيف تساند دكتاتور وقاتل ضد باحث عن حرية وديموقراطية؟
وهنا في مصر- وهو فرض إن صح موضوع فرق الموت هذا- ربما تم إستخدام الإخوان كفرق موت ولكن بشكل مغاير يتناسب مع مصر، وبالتأكيد كذلك تم إستخدام الجماعات الجهادية الموجودة في سيناء وغيرها.
فنحن نجد أن سياسة الإخوان كانت تميل دوما إلى إيصال الأمور لحد القتل وإسالة الدماء، وهذا ما عايشناه منذ الإحتكاكات الأولى التي حدثت أمام الحرس الجمهوري ثم نصب الجندي المجهول..إلخ. والتي كان الغرض منها جميعها إسالة الدماء لوضع الشعب أمام الخيار الذي ذكرناه سلفا.
وصولا لما عايشناه جميعا ونعايشه الأن.
الخطة الأمريكية تحرص وتعمل على حتمية أن لا تحوي المواقف على نقاط أو فرص للتراجع، وأن لا تحوي مصالحات أو إتفاقات أو حلول وسط، إذ يجب خوض الطريق حتى منتهاه بدون أي تغيير، فمثلا نجد أنه لا رجعة للجيش الحر عن مهمة تحرير البلاد وشنق بشار وأفراد نظامه، فلا تفاوض ولا مصالحة مع نظام دكتاتوري يقتل شعبه. وكذا نجد في مصر أنه لا رجعة عن عودة مرسي والشرعية، فلا تفاوض ولا مصالحة مع سيسي دكتاتور قاتل.
وعليه فالنتيجة المنتظرة من ذلك هو إما تدمير الجيش النظامي السوري تماما على يد الجيش السوري الحر، أو إستهلاك الجيش السوري الحر وإستنزافه لقوة الجيش النظامي السوري وتدمير البلاد. فلا وجود لفرضية المصالحة او الحلول الوسط.
وكذا في مصر، نجد أن الإخوان قد رفضوا كل الخطط والعروض التي تم طرحها لإقامة مصالحة، فالخطة أنه يجب خوض الطريق حتى منتهاه، إما بإنضمام كل الشعب للإخوان ضد الجيش والدولة، أو تدمير الإخوان ومعهم تدمير الدولة المصرية سياسياً ومجتمعياً.
لا يخفى على أحد خباثة السياسة الأمريكية في تناولها للأوضاع في مصر، فهي في بداية الأحداث رفضت الإعتراف بكون الأمر إنقلاب عسكري، ربما لتعطي إنطباعاً بأنها تدعم الجيش المصري وقياداته، والذي سيقابل بكل تأكيد بنقد وشجب من الألة الإعلامية الأمريكية، والذي سيكون مردوده في الشارع المصري بكل تأكيد هو التصعيد في مواجهة الجيش المصري الخائن المدعوم من أمريكا. ثم بعد أن أتت هذه الخطوة ثمارها وبعد سقوط أول قتيل تم تحويل الموقف قليلا ليتخذ مساره الأساسي، والذي تحول لدعم للإخوان عن طريق شجب وإنكار القتل والدم الذي يسيل على يد من المفروض أنهم يحمون هذا الشعب لا يعملون على قتله وإسالة دمه. ثم بعد ذلك تعود الخطة لتأكيد أن الجيش المصري تابع لأوباما عن طريق شجب الميديا الأمريكية لإدارة أوباما التي يتهموها بأنها ظاهريا تندد بالدماء والقتل بينما هي في الخفاء تحرك أصدقاءها في الجيش المصري لقتل شعبه. وهنا الناظر بنصف عين لا يفهم إلا ما تريده أمريكا أن يفهمه فيتحرك للإتجاه الذي يريدونه لتتم الخطة بنجاح.
يجب فقط أن لا ننخدع فيما نقرأه.
مثلما تجد البعض، وخاصة الإخوان في صفحاتهم على الفيس بوك، حريصين على ترجمة ونشر تقارير المراسلين الأجانب والصحف الأجنبية والتي يرونها مساندة لموقفهم رغم أن بها ما يدينهم، فتجدهم مثلا يترجمون تقرير لروبرت فيسك- وهو شخص أظنه يضعه البعض في مرتبة أظنه لا يستحقها، حتى أني أظنه كما وصفه أحد القراء في تعليق على مقالة له Fisk is rarely right about anything، أي أنه نادرا مايكون محق بشأن أي شئ!-، تجده مثلا في واحد من تقاريره والذي وصف ما حدث فيه بالمجزرة من قبل الشرطة والجيش يقول بصريح العبارة أن الإخوان ليسوا مسلحين كما يعتقد البعض، اللهم إلا شخص واحد رآه بعينه يحمل كلاشينكوف!
ثم في تقرير أخر، ترجموه منقوص كالعادة، عن حادث مسجد الفتح نجده أنه يقر بأن إطلاق النار كان متبادل ويقول أننا لا يجب أن نكون رومانسيين بشأن الإخوان المسلمين، ويقول أن زميله Alastair Beach رأى شخص وسط الحشود يطلق النار على الشرطة، ويرى فيسك أن فكرة الإخوان في الإعتصام بالجثث داخل المسجد هو أن الإخوان إحتاجوا لوجود هذه الجثث في المسجد، لأن يوم بدون وجود شهداء فيه قد يقدم فرضية إنتهاء الإخوان.
ولكننا سنعتبر كل هذا هراء وكذب وما هو كله إلا لعبة نحن فيها أوراق اللعب بيد المتقامرين ونحن من يملك المكان والترابيزة ومن يدفع الرهانات، كيف لنا إذن التخلص من كل هذا؟
لابد من وجود حلول وسط ومصالحات، حلول سياسية ومجتمعية، والرافض لها يكون قد كتب بيده شهادة إدانته، وللأسف فإننا منذ البداية لم نجد تحدي وتصعيد إلا من قبل الإخوان حتى وصلنا لمرحلة أصبحت الحلول الوسط والسلمية فيها أشبه بالمستحيل.
أنا هنا أكتب فرضيات تشير إليها دلائل ربما رأينا وعشنا معظمها، وأنا مازالت أتهم الإخوان بالخيابة وليس بالخيانة، فحق إتهام شخص أو مجموعة بالخيانة أظنه غير متاح لأي أحد إلا في ظل تواجد أدلة وبراهين يقينية على ذلك. كذلك فإنني لا أقر بشرف العسكر ووطنيتهم ولكني أرى أن كفة الأوضاع تميل بأقل الأضرار لجانبهم.
في النهاية لا أريد أن نظل على وضع (القيد في رقبتك ومفتاحه في يدك) أي وضع: أنا لا أمرك أن تكذب ولكن فقط لا تقول الحقيقة!
أي وضع رفض الدم والقتل وعدم القدرة على إتخاذ خطوة في سبيل تنفيذ ذلك.
=====
هذه بعض الروابط لبعض المقالات، وربما البحث قد يوصل للمزيد والمزيد منها.
http://www.globalresearch.ca/the-salvador-option-for-syria-us-nato-sponsored-death-squads-integrate-opposition-forces/31096

http://www.globalresearch.ca/1582-1610-1575-1585-1575-1604-1587-1604-1601-1575-1583-1608-1585/26388

http://www.globalresearch.ca/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D9%81%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84/5319630


السبت، أغسطس 17، 2013

صمٌ بكمٌ عميٌ.

جميعنا نلجأ إلى الله بالدعاء دون أن تتغير أفعالنا ولا قلوبنا ولا نوايانا، فهل تراه إذن يستجيب؟
نحن نخشى قول رأينا كي لا نخدش صورتنا في أعين الأخرين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالدم. فالفكرة أن كلانا قد يكون على خطأ ولكن أن تحمل فكرة خاطئة أفضل من أن تحمل فكرة حمقاء.
أن تبني رأيك على رؤية أقرب إلى الشمولية والموضوعية غير أن تقبل وتعتنق رأي ضيق أرضعك إياه أحدهم عن جهل أو بقصد خبيث، أن تكون على علم بعشرة أسباب قد تفسر ما تراه وما يحدث وتختار من بينها واحد فقط، غير أن تختار سبب واحد فقط لأنك لا ترى ولا تعلم إلا هو وفقط.
أن تعلم أنك عندما تنظر للأمور من ثقب إبرة فإن محاولة توسيعه لترى أكثر لن تفيدك بشئ، لأنك في الحقيقة في حاجة لإزالة الإبرة بثقبها وإستبدالها بشباك لا تطوي حدوده عيناك. 
أن تحسب الأرباح والخسائر في ما تراه من منطلق رؤيتك لإتخاذ موقفك، غير أن تأخذ موقف دون أي حسابات لمكاسب أو خسائر ستترتب من إتخاذك لهذا الموقف.
أن تكون إختياراتك محصورة بنسب بين 45% لما ترفضه و 55% لما تقبله، غير أن تكون إختياراتك بنسبة 0% لما ترفضه و 100% لما تقبله، فلا يقين ولا حقيقة تجعلنا قادرين على الإختيار بنسب قاطعة.
إذا تسائلنا أيهما أقرب إلى الصواب، التفكير في دم الإنسان(الذي لا شك يُسال) أم في حريته(التي هي مازالت في علم الغيب)؟
فبماذا يمكننا أن نجيب إن أردنا أن نجيب إجابة واقعية؟
هل الصواب أن نتعامل مع ما وصلنا إليه دون التعرض لما مضى، أم الصواب إذا أردنا أن نصل لحل واقعي أن نتعرض للماضي لكي نحدد من الذي عليه أن يتراجع؟
من قبل كتبت أنه إذا أراد الله ليا الحياة وطال بي العمر وسئلت من أبنائي أو أحفادي عن أيامنا هذه، قلت أنني لا أخشى أن لا أجد إجابة لسؤال:
كنت هناك فكيف لم تفعل شئ؟
فهذا سؤال ربما إجابته سهلة، ولكن السؤال الذي يقتل تفكيري هو سؤال:
كنت هناك فكيف لا تعرف شئ؟!
كيف أننا هنا ولا نعرف شئ؟
جميعنا نشعر بالتخبط، نشعر أننا عميان رغم أننا نرى، ونشعر أننا صم رغم أننا نسمع، وكل هذا لأننا نسمع ونرى ولا نقدر على الفهم، فتخرج الكلمات من لساننا الفصيح مبهمة ككلمات البكم.
عندما تجد أن الأشياء واضحة أكثر مما يجب فالصواب أن لا تصدقها بسهولة. فالأكيد أن البعض يحاولون إتقان تمثيل بعض المشاهد ورسم بعض الصور ليصدقها الناظر والمشاهد بسهولة، ويقسم أنه رآها وأنها الحقيقة. وهو صادق فيما رأى ولكن هذا لا يعني أنه الحقيقة، فربما هذا في الحقيقة هو تم التخطيط له بعناية ليحل محل الحقيقة. فالحقيقة أغلب الوقت غير محسوسة بالبصر.
دوما هناك حقائق تساعدنا في الحكم على الأمور، وتحمي عقولنا من القصف الدائم للأسلحة التدميرية لترسانات الإعلام بكل أشكاله، فمثلا حقيقة أن الليل ظلام والنهار ضياء تجعلك قادر على تكذيب من يريك صورة له يظهر فيها ضوء النهار والأشياء من خلفه بكل وضوح ويحاول أن يقنعك أنها ألتقط له في الليل. ولكن حكمك هذا ليس حتمي الصواب رغم منطقيته وإستناده لحقائق، فربما بعمل فوتوشوب بسيط تم تحويل الخلفية الليلية للصورة إلى خلفية نهارية واضحة بشكل فج. واجبك فقط هو أن لا تجعلك يقينك في أن الصورة كاذبة 100% وأجعل لإحتمالية تعرضها لعملية فوتوشوب نصيب من شكك. أما صاحب الصورة نفسه فيتحمل عبء أكبر لأنه يرى الصورة نهار ويصمم أنها ليل دون حتى أن ينبه أن الصورة كانت ليلا ولكن الخبثاء قاموا بتزييفها.
كذلك نحن في مصر عندما نتحدث عن الإخوان وعن الشرطة وعن الجيش فإننا هنا لا نتحدث عن أشياء وأشخاص من الفضاء الخارجي لا نعرفها أو نعرفهم، بل عن أشياء وأشخاص نعرفهم معرفة تصل حد الكمال لتوجهاتهم وأساليبهم.
فالجيش والشرطة ليسوا جميعهم شرفاء ولكنهم يعجون بالسافلين والسفاحين والقتلة، والإخوان ليسوا جماعة إرهابية ولكن جماعة غبية.
فالإرهابي يضر عدوه، والغبي يضر ويدمر نفسه والأخرين الذين يشبهوه ولا يخدم إلا عدوه.
ولكن كيف أرفض الدماء وفي نفس الوقت أرفض الإخوان؟
هذه هي المعضلة التي نحن فيها، من رفضنا الإخوان ولم نسلم أو نصفق للعسكر ومن كنا ننتظر دور قادم بلا شك سنقوم به ضدهم جميعا لأجل هذا الوطن.
ولكن أظن أن لا أدوار بعد اليوم لأن السيناريو قد أخذ منحنى أخر من تبعات أفعال الأوائل.
الواقع الأن أن المعركة لم تعد بين الإخوان والعسكر، فقد دخلها أخرون من هذا الشعب لم يستطيعوا الصمت وسط كل هذه الدماء، وهذا لا يعني أبداً أنها كانت كذلك من البداية فالواقع أنها لم تكن كذلك، والواقع أيضا يؤكد أن من أرادوا لها أن لا تبقى كذلك نجحوا فيما أرادوا.
كيف تقدر الأن أن تقف بجانب من قبَّلت الأرض بين يديه داعيا إياه أن لا يلتقط الطـُعم الذي فيه هلاكه وتبعا له هلاكك ولكنه أبى إلا إهانتك وإبتلاعه كاملا، والأن يدعوك لتخليصه رغم أنك توسلت إليه أن لا يفعل ويهينك على صمتك وسكوتك؟
الجميع أصبح يلوي ذراعك بالدماء لتنضم إليه، فهل تستجب حفظا لماء وجه إنسانيتك مظهريا، أم تتبع قناعاتك وأفكارك التي تجدها منطقية جدا وتعزي إنسانيتك التي مازالت تحيا داخلك والتي سبَّها البعض وأتهموها بالإنتحار؟
لا حقيقة الأن إلا الدماء، ولا يجب أن يكون هناك توجه أو فعل إلا لحفظ هذه الدماء مهما كان الثمن ومهما كانت تنازلاتنا. تلك التنازلات التي في الحقيقة لم يفرضها علينا العسكر بل الإخوان.
..
يكفيني أن أكون صادق، ولا أخشى أن أكون مخطئ فهذا وارد جداً، فقط إتركوا أبواب الصفح والغفران مفتوحة لي إن أثبتت الأيام خطأي.

الجمعة، أغسطس 16، 2013

هل هذا قدر ومصير؟

أخشى ما أخشاه هو أن تفرض الدماء سياسة دكتاتورية يقبلها الجميع ولا يستطيع أحد رفضها خشية أن يقال عليه شامت أو خائن.
هذا ما قلته في تدوينة سابقة قبل أنهار الدماء التي سالت في المجزرة الأخيرة وما بدأ يُطبق بالفعل.
فرفضك للقتل والعنف بكافة أشكاله الذي يُمارس في الشارع أصبح لا يثبت أنك إنسان مادمت لم تنضم للإخوان بعد، فأنت مازلت في صف القاتل.
إذا لم يكن هذا رأي كثيرين فربما على الأقل هو رأي أقاربي من الإخوان.
..
  كم كنت أتمنى أن يسألني من شهر أو من عام إبن عمي الذي عاد بالأمس من رابعة مصاب في عدة أماكن من جسده بطلقات خرطوش، كنت أتمنى منه أن يسألني، إحنا كإخوان مش عاجبينك لية؟ في إية في سياستنا غلط؟
كم كنت أتمنى أن توجه هذه الأسئلة لي منه ومن إخوته ومن إمام المسجد ومن كل أقاربي الإخوانيين ومن كل شخص إخواني ويعرف أنني ضده.
كم كنت أتمنى أن يناقشوني فيما كتبته من أراء وقرأوها وسمعوها مني في بداية الأزمة قبل ويوم 30 يوليو قائلا أن الإخوان بإمكانهم صنع تاريخ لهم يحفظ للبلد المسار السلمي ويجنبها كل ما وصلنا إليه. ولكن هذا لم يحدث وتجاهلوا كل شئ.
كم كنت أتمنى أن يستمع لي أقاربي وأصدقائي الإخوانيين عندما قلت لهم لا تستخدموا على الإنترنت شعارات قد تستخدم ضدكم وألعبوا سياسة بشكل صحيح، كم قلت لهم لا تقولوا وتكتبوا بكل فخر أنكم تريدون الشهادة وان أرواحكم على كفوف أيديكم وتحضروا أطفال أبرياء وتسموهم مشروع شهيد، بل قولوا نحن نريد الحياة ولنا الحق في الحياة ولنا الحق في الإعتصام وواجب الحكومة والدولة أن تحمينا وأن تحافظ على حياتنا.
كم قلت لهم عندما جاءت أشتون ووزراء خارجية عدد من الدول لمقابلة مرسي وعدد من قيادات الإخوان المسجونين، أن لا يغادروا الواقع، الذي يصرخ بالقول أن هذه الزيارات ماهي إلا تثبيتاً لما حدث حتى يقال أن جميع المحاولات قد أستنفذت، منغمسين في توهماتهم بالقول أن حضور هؤلاء يعني أن البساط ينسحب من تحت أقدام الإنقلابين وأنهم يبحثون عن مخرج وأن الرئيس مرسي سيعود غداً!
...كم وكم وكم.
..
نحن ونحن أبناء العائلة الواحدة لم نفتح قناة حوار بيننا يعرض من خلالها كلا منا أسباب معارضته للأخر، لا أريد أن أقول أنني وغيري قد دخلنا معهم في حوارات إنتهت قبل أن تبدأ بسبب توجههم هم فليس منهم أحد هنا ليرد على كلماتي أو يثبت صدقي من كذبي وعليه فأنا سأعتبر أن الحوار بيننا لم يبدأ أصلا.
نحن كأبناء قرية واحدة مكشوفون لبعضنا البعض، فهل ترانا إن سَبَكنا دورا معينا لنظهره للغرباء ومن لا يعرفنا، هل ترانا سينطلي علينا كذب ما نعلم حقيقته تماماً؟
هذا ما قلته لأحد أقاربي -وهو بوق إخواني على الفيس بوك، وللأسف أنه هو نفسه كان قد عرض علي هذه الوظيفة في عام 2010 قبل الإنتخابات البرلمانية وأخبرني أن الإخوان يعجبهم أسلوبي وسينشؤون لي صفحة وسيدعموني بكل شئ!- قلته له وهو خارج لقطع الطريق يوم مذبحة رابعة، بعد أن قاموا بفض السوق الإسبوعي المقام في ساعاته الأولى رغم توسلات الباعة، من أجل أن يقيموا إعتصاما هناك ومن أجل إيقاف أي نشاط في البلد. وقاطعني تبعا لذلك مع إتهامي بأنني أعتقد نفسي الفاهم الوحيد، طبعا إلى جانب أني شامت وخائن للدماء.

   ربما كان هذا أخف مما حدث في مسجد قريب عندما ألقى الإمام دعاء لا يروق للبعض فخرجوا من الصلاة وقام بعد ذلك عراك شديد وكادت عائلتان أن يتقاتلا لولا أن بعض العقلاء إستطاعوا فض الموضوع بسلام.
وهذا بالتأكيد ربما يماثل ما حدث في إحدي المسيرات المؤيدة لمرسي عندما رفض البعض أن تمر المسيرة من أمام منازلهم ورحب وصمم البعض الأخر-وهو جار ملاصق للرافض- أن تمر المسيرة غصبا عن التخين في المنطقة!
رغم أنني عندما سألني أصدقائي المساندين للإخوان عن المسيرات أخبرتهم- بالظاهر وبعيدا عن ماقد يكون خفي- بأنه حق لهم ولكن يجب ملاحظة عدة أشياء وإتباعها، وكان من أهمها أننا قرية وأننا جميعا ربما نعلم من مع هذا ومن ضد هذا فالأولى أن يتخلى الإخوان عن النبرة العدائية والسلوك العدائي الذي إتبعوه في أول مسيرة والذي تمثل في تعمدهم الوقوف أمام منازل المعارضين ليشتد الهتاف ولتحمى الدعوات على الطرف الأخر، وهذا لن يتقبله المعارض فالأولى أن افعله أمام منزل مؤيد. ولكن هذا لم يحدث وتكرر سيناريو المسيرة الأولى فحدث ما حدث.
وعندما قام الطرف المعارض للإخوان بإقامة مؤتمر، وقبله بيوم خرجت عربة للدعوة للمؤتمر حدث شئ مماثل إذ وقف أمام العربة أحد قيادات الإخوان المعروفين في البلد هو وأبناءه ليمنعوها من المرور وإستكمال النداء، بينما بعده بأمتار وقف أخرون يحثون العربة على القدوم والنداء غصب عن التخين!
إذا كان هذا شأن الأقارب وسكان المنطقة الواحدة فتخيل ذلك على نطاق أوسع يشمل دولة بأكملها.
ستجد بإختصار أن هذا هو ما أوصلنا لما نحن فيه.
..
الأن وقد وصلنا لما وصلنا إليه، ماذا يجب علينا أن نفعل؟
..
This is a country that can't do a damn thing for itself but kill each other. Perhaps this is their destiny.
هذا كان تعليق أحد القراء على تقرير نشرته الواشنطن بوست عن الأحداث في مصر.
هل فعلا ليس هناك شئ بإستطاعتنا فعله لمصر ولنا إلا أن نقتل بعضنا البعض؟
وهل فعلا أن هذا قدرنا ومصيرنا؟
لا يصح أبداً أن نتحدث بحزن فالأوجب هو أن نتحدث بخجل ممزوج بالعار، فالحديث لا يجب أن يكون عن من مات وغادر الحياة، بل عن من مازالت الحياة تأن من وطء تحمّلهم وقد ماتت قلوبهم وعقولهم ومازالت ألسنتهم تهذي وأياديهم تبطش وأرجلهم تتخبط، الحديث قبل كل شئ يجب أن يكون عن كلمة كفى. فهل هناك من سينطق بكلمة كفى؟
..

الأربعاء، أغسطس 14، 2013

هل نريد أن نخرج من هذا؟

يبدو أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه أن حصائد الألسنة هي ما تكُب الناس على مناخرهم في نار جهنم يوم القيامة لا يُخيف الكاذب بقدر ما يُخيفه تهديد من شخص جسور قائلا:
لو كذبت هأقطع لسانك!
أو:
إخرس مش عاوز أسمعلك صوت!
تـُرى أيهما أحق أن يُتبع وأن يُخشى؟ ولكنها طبيعة البشر عندنا.
أصبحنا نصدق الأكاذيب-المكتوب منها على شكل أخبار والمرئي منها على هيئة صور وفيديو- وننقلها ونروجها دون أدني تدقيق في مدى صحتها أو مدى ما قد تثيره في نفوس المتلقين، أصبحنا نغمض أعيننا إلا عن ما يُرضي هوانا وتوجهنا ومنهجنا وما سواه فهو غير موجود وإن إعترفنا بوجوده ففكرتنا أنه كذب وتلفيق وإدعاء.
أصبحنا نعتنق أفكار لا نفهمها ويتحدث بها لساننا دون وعي بمعناها ودون وعي بما قد تجلبه من سوءات ومزيد من القتل والدمار.
..
قد يفهم البعض موقف الغلابة من هذا الشعب من رفضوا الدماء والقتل، ولكنهم لن يفهموا موقف البرادعي وبعض القوى الليبرالية أو اليسارية والذين رفضوا فض الإعتصام بالقوة أو فضه من الأساس، فهم أولا ببساطة يدافعون عن حقهم المستقبلي والذي لن يخلوا من مظاهرات وإعتصامات، حتى إذا جاء حينها قالوا لقد أنكرنا القتل والدماء وشجبنا فض الإعتصام بل ورفضناه. فهم ليسوا بسذاجة الإخوان الذي ساندوا العسكر من بعد سقوط مبارك وحتى تولي مرسي في كل ما قاموا به من عنف وقتل في الشارع وأكتشفوا فقط  ذلك عندما حانت لحظة المصلحة وهتفوا يسقط يسقط حكم العسكر وطلبوا دعم الشارع والقوى الثورية فلم يجدوا منها إلا تذكير بمواقفهم القديمة وربما عبارة ربنا بيخلص.
وثانيا هم يحاولون الحفاظ على صورتهم العالمية، فنهجهم نهج الإعلام الغربي، يدين ويشجب القتل والعنف لا لأن هذا يحزنه فربما في الحقيقة هم يريدون المزيد من القتلى، ولكنهم يحاولون الحفاظ على صورة مجتمعهم الديموقراطي الإنساني الحنون!
من منا تراه يُنكر من ذاته القتل والعنف كموقف إنساني مُتغلبا على فكرة غباء نده الواضح أو إحتمالية إستحقاقه لما حدث له؟!
..
جميعنا نقول أن أمريكا وإسرائيل لهم يد طولى فيما يحدث في مصر، وهذا أكيد وسهل ملاحظته، ولكن المستحيل الوصول له لإجابة واحدة هو سؤال:
أي يد تستخدمها إسرائيل وأمريكا في مصر؟
خاصة أن جميع أيادينا تلوح بعلامة V علامة النصر الشهيرة لتشرشل، بينما يحمي رؤوسنا من الحر كابات طبع عليها NY نيويورك يانكيز، بينما باقى الملابس موزعة مابين كالفين كلاين، أديداس، ونايك! 
كل هذا بينما من يُقتل يُقتل ومن تسيل دماءه تسيل، ومن يحصي القتلى يحصيهم ومن يدعو لهذا وعلى هذا يدعو ومن في إتجاه يكمل في إتجاهه.
بينما لا ندري، من تراهم يريدون لبلدنا أن تخرج من هذا؟ وأين هم ؟
هل سيستمر الإخوان في نفس طريق تصعيدهم الذي قد يرى البعض أنه لا غرض منه إلا تدمير البلد؟
هل سيكتفي العسكر والحكومة الحالية بما قدموه سالفا من مبادرات أو ما وافقوا على طرحها من قِبل بعض الرموز ويضعوها جانبا من منطلق أن الإخوان قد رفضوها جميعا، وبأن الوضع قد حسم وباب المبادرات والمصالحات قد قفل بلا أي نية للرجعة؟
ترى لو كان هذا هو القادم، فهل سنجد لون أشد غمقاً وبؤساً من الأسود نصف به أيامنا؟

الاثنين، أغسطس 12، 2013

مجاذيب بلدنا. العباقرة وأولهم عوض.

كان عوض سائق عربة إسعاف في وقت كانت فيه أغلبية أهل قريتنا لا يعرفون ما هي العربة ولا ما هي الإسعاف.
بل لقد كان عوض (مُسْعِف) ماهر ومُدرب وليس مجرد سائق ينقل الجرحى والقتلى.
    مات عوض منذ سنوات قريبة عن سن كبيرة، ولقد ولد وعاش بشكل طبيعي وتميز من ضمن من تميزوا من الأجيال الأولى التى إلتحقت بالتعليم بعد إفتتاح مدرسة في قريتنا ضمت كل باحث عن التعليم في سبع قرى مجاورة.
بعد إكماله لمرحلة التعليم الإبتدائي بمدرسة قريتنا-وهي نفس المدرسة التي إلتحقت بها في أول دخولي للمدرسة إلى أن تحولنا لأخرى بعد زلزال التسعينات- إلتحق بالمدرسة الإعدادية بالمركز-والتي كان الذهاب إليها على الأقدام ولمسافة تقارب العشرة كيلو مترات- ثم أنهاها وذهب إلى البندر مع أحد الأقارب المقيمين هناك وبعد سنوات في أعمال متفرقة عمل كسائق لعربة إسعاف وقد أجاد معظم الإسعافات الطبية الضرورية.
من عاصروه في جيله ومنهم أطباء قالوا أنه كان عبقري ولو سمحت له الظروف بدراسة الطب أو العلوم لصار طبيب مشهور أو عالم كبير.
..
ذهل أهل القرية جميعهم ذات يوم عندما رأوا عوض غير ذاك الشاب الأنيق الذي إعتادوا رؤيته في الأجازات التي كان يأتي فيها إلى القرية، إذ أنهم رأوا بدلا منه شاب مجذوب رث الثياب منكوش الشعر هائم النظرات.
منذ ذاك اليوم بدأت حملات التكهن للوصول لسبب (لسعان مخ) عوض. البعض قال أنه بسبب مرض وراثي في العائلة فقد إنجن أحد جدوده بعد وصوله لسن الشباب وكان قبلها زين الرجال!
أما الأكثرية فقد جزموا بأن (عقله خف) من كثرة سماعه لحوارات عفاريت القتلى الذين كان يحملهم في عربة الإسعاف!
ولكن حتى اليوم لم يعرف أحد السر وراء ماحدث لعوض، وهل هو كان إختلال عقلي أم حالة نفسية كانت تحتاج فقط إلى تقويم ولم تجده، خاصة إنه رغم هيئته الرثة كان مازال برزانته ويعقل كل ما يقال له وما يقوله، ولكن الأكيد أنه كان ضيق الصدر في تعامله مع البعض وكان حازم في كلماته وأوامره، وأتذكر-فلم أره منذ سنوات طويلة وحتى وفاته ومعظم رؤيتي له كانت وأنا طفل- أنه كان صاحب إبتسامة ساحرة رغم شعر رأسه المنكوش وذقنه الطويلة.
..
أتذكر أننا -ونحن صبية صغار- كنا نراه دائم الجلوس في المقابر، وكنا نتعجب كيف أنه لا يخشى أن يطلع له عفريت، ثم جاءنا الجواب من سيدات القرية إنه أصلا بيروح التـُرب (المقابر) عشان يقابل العفاريت اللي جننوه!
ربما حينها كنا نمثل الخوف ونقول (يامه!) عندما نسمع هذا الكلام، ولكن بعد أن كبرنا، أو ربما أنا، بدأت أبحث عن تاريخ عوض وعن تاريخ هؤلاء المجاذيب وأسترجع مواقفي معهم وأتذكر-وأتعجب- كم كانوا حكماء في حواراتهم وكلماتهم.
..
منذ سنوات قريبة كان في القرية أحد المرضى وأردوا أن يضعوا له محلول، فذهبوا لأحد الأشخاص بالقرية والذي يعمل بالمستشفى المركزي ليضع له المحلول، ولكنه فشل في أن يجد له وريد ليضع فيه الإبرة فما كان منهم إلا أن إتصلوا بأحد الأطباء من أبناء القرية-وقد كان زميل عوض في الدراسة- والمقيم في المركز وأخبروه بالوضع وبأن الجميع فشل في أن يجد وريد يضع الإبره فيه وأنهم يريدونه ليقوم بهذه المهمة. فما كان من الدكتور إلا أن قال لهم إبعتوا لعوض وهو يركب له المحلول!
طبعا جادلوا كثيرا مع الدكتور خاصة أن عوض مجذوب من سنوات طويلة، ولكن الدكتور صمم بأنه الأقدر على فعل ذلك. ولم يكن أمام الجميع إلا الإنصياع لرأي الدكتور وذهب أحد الرجال ليطلب من عوض، في مقره الدائم في المقابر، أن يأتي ليركب المحلول لفلان الفلاني المريض، وبالفعل أتى عوض وسط ذهول الجميع، بثيابه الرثة وهيئته المنعكشة، مرفوع الرأس بكبرياء وفي عينيه نظرة تشبه نظرة الإحتقار ودخل على المريض وليزيد من حيرة الجميع أمرهم جميعا بالخروج وطلب ماء ليغسل يديه. وركب للمريض إبرة المحلول بوريد في رقبته وجلس بجانبه حتى نفد المحلول وإطمئن عليه ثم خرج إلى مقره الدائم بالمقابر.

الأربعاء، أغسطس 07، 2013

تقبل الله منا ومنكم


   رغم الجراح النازفة بأوصال الأمة وبقلوب كلا منا، يبقى دوما الأمل في غدٍ تملأه السعادة والحب والاخاء، ويحوطه الأمن والسلام والوفاق.
مضت علينا سنون طويلة ونحن فيها كلما اقتربت الأعياد شعرنا بإفتقاد وحنين وشوق جارف لأيام من حياتنا ولت كان لنا فيها عادات وطقوس تروي أرواحنا وتتخمها سعادة وبهجة، فجاء تالي هذه الأيام وحرمنا من هذه الطقوس والعادات التي كانت مصدر سعادتنا وبهجتنا، أو أبقاها لنا في صورة عملية ميكانيكية أو في صورة هيكل خاوى وقد سرق منها روحها فغدت فقيرة وخاوية من كل ما يمت للسعادة أو للفرح أو للبهجة بصلة.

   تمضي السنون وكلما اقتربت الأعياد واجهتنا معضلة عويصة، فواجبنا فيها أن نقدم التهاني رغم أن كل ماحولنا لا يستوجب إلا تقديم التعازي.
  يأتي العيد وبيننا من فـَقـَدَ غالي أو حبيب، صديق أو قريب، يأتي ودماء عربية سالت وتسيل في بقاع عدة من وطننا العربي، في مصر وسوريا والعراق والنازفة دوما فلسطين، والوطن الذي لا ينزف فيه دم أبناءه لا يخلو من نزيف كرامتهم أو حريتهم.
ربما ما نرددها الأن ليست تهاني من قلب سعيد بقدر ما هي أماني من قلب موقن أنه مهما كان ظلام الحالي حالك فإن فجر القادم سيأتي بشمس مضيئة تمحو كل ظلام، فيُسعد القلوب الحزينة، ويداوي النفوس الجريحة، ويُفـَرِِّج عن الأرواح البائسة.
فإذا ساد الحزن وتجبر فمقاومته بالسعادة واجبة، فدعونا نقاتل من أجل لحظة سعادة ولو بدت مستحيلة لنشعر بها أو لتغير طعم بحار الحزن التي نغرق فيها.
فمازالت هناك لحظات سعادة وبهجة من تلك النوعية القديمة مازالت قادرة ان تخترق جـُدر الحزن التي بنيت على أرواحنا وقلوبنا فتمسها برفق وتقول لها بهمس السعادة لم تمت بعد.
والقلب دوما قادر على صنع وإستقبال مثل هذه اللحظات.
..
  عيد فطر مبارك عليكم، وكل عام وأنتم وكل من تحبون وكل من يحبونكم بألف خير وسعادة، وكل عام والأمة العربية والإسلامية في خير وأمن وأمان، ويأتي العيد القادم عليكم وقد حقق كل من تمنى أمنيته، وكل من رغب رغبته، وكل من إشتاق شوقه، وعلى أمتنا وهي أحسن حالا وأعلى مقاما وأشد قوة وبأسا، محررة وطاهرة جميع أراضيها ومُصانة مُكرمة جميع شعوبها وأهليها.
وتقبل الله منا ومنكم.

..

الأحد، أغسطس 04، 2013

الإخوان والعسكر والتجربة التركية

يبدو أن العسكر في مصر عندما لاحظوا أن الإخوان يريدون تطبيق تجربة إردوغان في تركيا قابلوهم بتجربة العسكر هناك!
إذ ان العسكر هناك قد قاموا بثلاثة إنقلابات عسكرية، بمعدل إنقلاب كل عشر سنوات.
1960 ضد حكومة الحزب الديموقراطي وإسقاط الحكومة برئاسة عدنان مندريس
1971 ضد حزب العدالة وإسقاط الحكومة برئاسة سليمان ديميريل
ثم ياتي إنقلاب عام 1980 بقيادة كنعان إيفرين وهو الاكثر دموية في تاريخ الإنقلابات في تركيا. والذي قدم للمحاكمة لاحقا بعد تعديل دستور 82 في عام 2010 بناءا على طلب حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ثم تختم سلسلة الإنقلابات بالإنقلاب الناعم ضد حكومة إربكان في عامها الاول 1997 والذي انتهى بتقديم إربكان لإستقالته بعد ان نجح الجيش في قلب الشارع ضده.
..
ولكن الوضع في تركيا يختلف تماما عن الوضع في مصر، وإن كانت المشاهد يمكن تمثيلها على أي مسرح!
ففي تركيا هناك إنفصال شديد بين الدولة والحكومة، فالدولة متمثلة في الجيش (لاحظ ما فعله مرسي من إقالة لطنطاوي وعنان، حتى وإن كنا أردناها جميعا) والسلطة القضائية (لاحظ ما فعله مرسي مع المحكمة الدستورية أعلى سلطة قضائية في مصر) والبيروقراطية (لاحظ محاولة سيطرة الإخوان على مؤسسات الدولة ونقاباتها...الخ فيما سمي بأخونة الدولة) تعتبر الند الأول للحكومة والبرلمان (وهنا سياسة مرسي كانت محاولة التخلص من هذا الند)، وتتمثل مهمة الحكومة-في النظرية الكمالية- في نقل إرادة الدولة الى المجتمع والمواطنين.
وعليه إذا خرجت الحكومة عن نطاق هذه المهمة كان الإطاحة بها واجب وطني تقوم به الدولة، متمثلة في الجيش.
فبعد إعلان تركيا جمهورية في 29 أكتوبر 1923 على يد رجال الجيش بقيادة مصطفى كمال أتاتورك بعد حرب تحرير ضد القوى الأوربية، نال رجال الجيش ما يشبه التقديس من جانب المجتمع التركي.
النظام العلماني الذي أراده أتاتورك للدولة التركية قد تطرف عن العلمانية الغربية، إذا أنه لم يفصل بين الدين والدولة بشكل جزئي او كلي، بل جعل الدولة تتحكم في الدين، وجعل العلمانية هي ديانة الدولة وأي مساس بها يمثل خطر على الدولة التركية، وكان هذا هو السبب الأول في قيام الإنقلابات العسكرية السابق ذكرها.
وقد ظلت النخبة الكمالية (متمثلة في حزب الشعب الجمهوري) مسيطرة على الدولة التركية ومسيرة لها منذ إعلان الجمهورية التركية، حتى جاء عام 1950 وفاز بالإنتخابات البرلمانية الحزب الديموقراطي بعد أربع سنوات من تأسيسه في عام 1946 ، وبينما كان حزب الشعب يؤيد العلمانية وسيادة النخب وبيروقراطية المركز، قام الحزب الديموقراطي بمحاولة إزالة الهوة بين الأقاليم والمركز، وكذا بتطبيق إقتصاد السوق بدلا من إقتصاد الدولة المدعوم من الكماليين، ومنح مزيد من الحريات الدينية والإقتصادية. وهنا وجد الكماليون أن النظام الكمالي (إجتماعيا وسياسيا وإقتصاديا) يتم تدميره، وهو يمثل تدمير لعلمانية الدولة، لذا قام الجيش بوصفه أقوى أدوات الدولة بأول إنقلاباته في 27 مايو 1960 ليعيد الوضع كما كان سابقا (فيما سمي بثورة التصحيح) وليطيح بالحكومة الحالية ويعدم رئيسها وبعض من وزراءه.
بعد هذا الإنقلاب بعام تم إصدار ( قانون الخدمة الداخلية ) والذي صار رخصة قانونية بجانب الرخصة الدستورية للجيش بالتدخل. حيث تنص معظم مواده على واجب الجيش بحماية إستقلال الجمهورية والوطن التركي وحماية الجمهورية التركية والوطن التركي التي أقرها الدستور ومراقبتهما بحرص.
وهو ما اتى بالإنقلاب الثاني في عام 1971 .
ولكن بعد إنقلاب 1981 أراد الجيش أن يوجد مؤسسة تجابه الحكومة وتقوم الأمور بشكل مستمر بدلا من تدخل الجيش المباشر.
وهو ماحدث في دستور 1982، والذي سبق الإستفتاء عليه حملة عقوبات لكل من يتقدم بنقد لمسودته، في مشهد يذكرنا بحملة التجاهلات التي سبقت الإستفتاء على الدستور الأخير!، والذي حول ( مجلس الأمن القومي ) إلى مؤسسة يستطيع الجيش من خلالها التدخل والتأثير المباشر على السياسة.
وكان هذا المجلس مقسما بين سياسين وجنرالات، ولكن الرئاسة والتأثير فيه كان للجنرالات. وبقي على هذا الوضع حتى عام 2003 عندما عملت حكومة إردوغان على سحب النفوذ السياسي للجنرالات بتحويل المجلس إلى مجرد جهاز إستشاري- لاحظ ما قام به مرسي من إقالة للمشير طنطاوي والمشير عنان وتحويلهما لمنصب مستشارين- وعين لأول مرة في 2004 أحد المدنين أمينا عاما للمجلس، وهو السفير السابق لتركيا في اليونان محمد يجيت بدلا من الجينرال شكري صاري إيشيق.
ظل دستور عام 1982 مثل الشوكة في الزور بالنسبة لأردوغان وحكومته، بما كان يحمله من تحصينات لجنرلات الجيش، إلى أن نجح اخيرا عام 2010 في تعديل بعض مواد الدستور بعد تقدم حزب العدالة والتنمية بطلب تعديلها.
ربما ما ساعد إردوغان هو انه في بداية حكمه كان على رأس الجيش رئيس أركان وصف بأنه مواطن بالزي الرسمي، وهو الجنرال (حلمي أوزكوك)، لم يكن أوزكوك محبا لأردوغان وحزبه، ولكن كما قال البعض كان هناك بين أردوغان وأزكوك ما يشبه إتفاق غير مكتوب، مضمونه هو ألا يقدم أحدهم على خلق توترات-وقد كان هذا سلاح الجيش قبل كل إنقلاب- على ان يتراجع الجيش إلى المرتبة الثانية. (وربما هنا نجد إختيار مرسي للسيسي ظنه قد يكون مشابها لهذا الإتفاق،ولكن بقسم معلن!)
كما عمل أوزكوك على تحجيم مساعي بعض الجنرالات الساعين للإنقلاب، وأعلن دعمه لإعادة تفسير أتاتورك من جديد-وهنا إزالة للحجة العظمى للإنقلابات، الحفاظ على علمانية وكمالية الدولة!- وتنقيح مناهج الأكاديميات العسكرية وفقا لذلك، وهو ما يمثل ذبح للإديلوجية العسكرية في تركيا.
حتى أنه في خطاب له بالأكاديمية العسكرية بإسطنبول قبل تقاعده بأشهر طالب الطلاب بعدم التسرع في الحكم على الأراء الاخرى، وأنه ليس بالضرورة أن يكون صاحب الرأي المخالف خائنا للوطن. ولكن جاء من بعده الجنرال (بيوكانت) ليرمم ما افسده وليحذر الشعب من وجود قوى في الجمهورية تحاول إعادة تعريف مبادئ الأمة وعلى رأسها مصطلح العلمانية.
كما كان من أسباب نجاح إردوغان في ربط تركيا بالإقتصاد العالمي، وهذا أضعف الدولة (الراعية لإقتصاد الدولة) مما أبعدها عن الإقتصاد وأتاح الفرصة لإردوغان وحزبه للصعود بالسياسة الإقتصادية التي إتبعوها.
وأظننا جميعا على إطلاع بما دار ويدور في تركيا من هذا التاريخ حتى الأن.
..
من قبل كتبت هنا رؤيتي و قلت أننا صعب أن نؤمن أن الجيش يفعل ما يفعل بنية خالصة من أجل الله والوطن، وأنه وإن كان غير قادر أو راغب في ممارسة كافة شؤون السياسة فإنه على الأقل راغب وبشدة في تسيير بعضها، وربما هو قادر على ذلك، وأن مسألة الإستقواء بالجيش ذاتها خطيرة، فالأصح في الصراع بين المدنين في الساحات السياسية أن يكون الفيصل والحاكم بينهم هو الدستور والقانون وكل ما يتبعهم من ممارسات شرعية.
وقد يرى البعض الإطاحة بمرسي بعد عام من توليه منصب الرئاسة تشبه الإطاحة بإربكان بعد عام من توليه السلطة وإجباره على الإستقالة، قد تصح المقارنة وقد تثبت خطأ، ولكن إن نظرنا من منظور أخر لوجدنا أن الشعب، وهو المانح الأساسي للسلطة والشرعية، كان له دور في الإطاحة بمرسي بينما في حالة إربكان كان الجيش هو اللاعب الأساسي.
فبعيدا عن نظرية الإنقلابات والإطاحات لابد أن نضع رغبة وإرادة الشعب في موضعها الصحيح. فالواقع أن الشعب الذي منح معظمه الفرصة لمرسي مجبرا وجد أن إختياره كان خاطئ وأن من حقه في ظل تجاهل إدارة مرسي للكثير من مطالبه، وكذا إنكارها لأي خطأ في سياستها الداخلية والخارجية رغم وضوحه، وكذا لسياستها الإجبارية في فرض أشياء لم تتم بتوافق مثل الدستور وغيره، وإعطاء الفرصة لجماعات وتوجهات فكرية معينة بالصعود على السطح والتدخل في شؤون الدولة ومحاولة صبغها بصبغة معينة وتوجيهها على طريق معين، والأهم هو إدارة البلد بإديلوجية لا يراها الغالبية بالإسلامية الحقة ولا بالوطنية الكافية. وجد أن من حقه أن توضع لكل هذا نهاية. وبغض النظر عن الوسيلة التي إتبعناها أو وافقنا عليها للوصل لهذه النهاية فالأكيد أن فئة غير قليلة منا أرادت فعلا إخراج مرسي حتى لا تتفاقم الأمور وحتى يمكن تدارك كل شئ قبل وصوله لمرحلة التدهور والكارثة. وحتى بعيدا عن حكمة أو حماقة هذا، كان النظر لردة فعل مرسي والإخوان في مجابهة هذا قد أكد بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام جماعة لا تعي شيئا في السياسة ولا تعرف كيف تتعامل مع الأزمات. وإلا ما كانت أوصلت نفسها لم هي فيه الأن، فما نحن فيه لا يمثل أزمة وطن بقدر ما يمثل أزمة جماعة حفرت لنفسها قبر بيديها ومازالت مصممه على دفن نفسها فيه بلا رجعة!
..
ربما جميعنا قلقون ويتغشانا الحزن من جراء الوضع المحزن في بلدنا، من إنشقاق ودماء، أرتعب عندما أفكر إذا قدر الله وعاد بعض الأشخاص الذين أعرفهم من ميدان رابعة وقد قـُتلوا، كيف لنا-ونحن لا ينتهي حديثنا في الشارع أو في أي مكان- أن نتحدث بعدها في أمور الدولة؟
هل سيستطيع أحدنا أن ينطق أمام والد أو أحد أقارب شخص قد قتل قائلا بأنه داعم للجيش ورافض للإخوان؟ أم أنه حينها سيبدو في صورة الشامت والغير مراعي لمشاعر الأخرين وربما الخائن؟
فأخشى ما أخشاه أن تفرض الدماء سياسة دكتاتورية يقبلها الجميع ولا يستطيع أحد رفضها خشية أن يقال عليه شامت أو خائن.
.