السبت، أغسطس 24، 2013

سياسة رب ارجعون.

سألني:
لماذا لم تغير صورة بروفايلك للون الأسود رغم موت الألآف رغم أنك غيرتها سابقا عندما قتل عدد أقل منهم بكثير؟ أم لأنهم إخوان؟
لم أجـِبه -كعادتي مع أمثاله- ليتلذذ بنشوة النصر كلما رآني.
ولو جاوبته لقلت:
لأنني الإبن الوحيد لوالديَّ، ويوم وفاتهما سأكون من يقف لأخذ العزاء لا من يلبس سواد الحداد ويبكي. وما حدث ويحدث يساوي في نكبته ومرارته فقدهما سويا.
..
أحيانا كثيرة أخاف أن أكون قد تحولت لوحش لا يعرف رحمة ولا شفقة، وأبحث عن قلبي أمازال داخل صدري أم تراه غادر، أمازال برقته أم تراه تحجر حتى صار وجوده وحضوره يتساوى مع عدم وجوده وغيابه. ربما ما يلطف نيران الحشا أحيانا هو أن العقل هو ما يحل العقد والمشكلات لا العواطف، وربما أن من ظللنا لقرون نعاملهم بالرحمة ولم يستجيبوا يجب أن يأتي يوم ونعاملهم بالعدل، والعدل نراه أحيانا قمة الوحشية، وذلك لأنه يعيد تطبيق جريمتنا علينا!
وربما لأن عبارة " مش فاهم حاجة " ليست صك غفران ينجيك من جزاء الجهل، فمن ظلموا أنفسهم وقالوا كنا مستضعفين في الأرض قال لهم ربهم:
ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
فالإكتفاء بالجهل هربا من مسئولية المعرفة ظلم للنفس، وظلم للمجتمع والبشرية.
فلا مبرر لمن ملك عقل وقلب وقوة.
حتى أن القانون الوضعي قد أعلنها هو الأخر صريحة بأن القانون لا يحمي المغفلين. فالبحث عن المعرفة واجب وفرض، وإتخاذ موقف مبني على هذه المعرفة واجب وفرض، والخطأ والصواب في هذا الموقف - طالما قد بني أساساً على طلب الخير والمنفعة العامة- كلاهما حسن لأنه قد بني على إقتناع بمنطق وعقل.
ربما لأننا قد أصبح أغلى أحلامنا الأن أن لا تزهق المزيد من الأرواح وأن لا تراق المزيد من الدماء، أما حلمنا المستحيل فهو أن يحدث بيننا وبين بعض تطبيع! نعم نحن شعب عِشَري، وإن أردنا فإننا ننسى ونندمج سريعا، ولكن يبقى الشرط الوحيد هو عرض الود من الطرفين.
ربما لأن كلانا نخشى سجن السلطان، رغم أننا قد بنينا في كل شبر من الأرض سجن للأخرين ولو إستطعنا لرمينا في ظلماته كل من يعارضنا أو ينتقدنا أو يعكر صفو مزاجنا.
ولو أننا هدمنا تلك السجون وأعتقنا الأخرين من ربقة أنانيتنا وتعصبنا لأنفسنا منهجنا ومنحناهم حريتهم ونلنا منهم حريتنا، لأنهدمت سجون السلطان فوق رأسه.
..
في تدوينات سابقة قد كتبت أشياء كثيرة عن رؤيتي لما نمر به في مصر، ولم يكن كلام إنشا ولكنه يستند لأفكار ولدلائل لها سند واقعي، ولكن دوما الإنسان في حاجة لمراجعة قناعاته أكثر من حاجته للبحث عن قناعات لشكوكه، فالفعل الصادر عن قناعة يكون أشد تدميرا حين يتضح أنه كان خطأ. وربما إقبالك على فعلك الشئ مقتنعا بصوابه هو أيسر كثيرا من إحجامك عن فعله رغم إقتناعك بصوابه أو شكاً لجزء في المليون بخطأه، فإستطاعة القيام بالفعل أيسر وأسهل وأضعف من إستطاعة الإحجام عن فعله.
ومازال بحثي قائم عن ما يزلزل قناعاتي ويهدمها، أو يدحض أفكاري ويثبت خطأها، فهو وإن كان بحث عن تدمير فهو إن خاب تقوية وتثبيت.
فمثلا في أيامنا هذه البعض عندما يسمع عبارة إشتباكات بين الأهالي وأنصار المعزول محمد مرسي، ربما ما يتبادر لذهنهم -وربما هم معارضون للإخوان، فما بالك بإعتقاد الإخوان انفسهم- هو أن ذلك كذب وأن كل هذه ألاعيب داخلية وأمن دولة. ولكن ربما أنا لي رؤية أخرى مستندة لواقع أشاهده بعيني وأسمعه بأذني وأعيشه بكل مفرداته، فالواقع في قريتنا مثلا هو أن الإخوان عندما يقومون بمسيرة فإن لهم حدود إن تخطوها قامت بينهم وبين المعارضين للإخوان -ولا أقول المؤيدين للسيسي- إشتباكات تتفرق على إثرها مسيرة الإخوان وتعود للتجمع في المكان المسموح لهم بأن يقيموا فيه مسيراتهم.
فالواقع أن معظم الإشتباكات ليست بين إخوان ومؤيدين لهم في مجابهة سيسي ومؤيدين له، ولكن بين إخوان ومؤيدين لهم في مجابهة معارضين للإخوان، تلك المعارضة التي تجاهلوها وأستهونوا بها وأستهزأوا بها وتعالوا عليها في كل الحقب من فاروق حتى مبارك حتى تحولت لكراهية.
والأن لا يصدقون ما يرون ويعترضون على صناعة هم من أنتجها ورعاها وساندها.
لا يحق لنا أن نمل من الكلام أو أن ندفن رؤوسنا في الرمال، فما بهذا تحل المشاكل أو تفرج الأزمات، يبدو الكلام قبيح أحيانا، وهو قبح الواقع الذي يرسمه، ولذا يجب أن نعري القبح تماما حتى نعرف كيف نُجَمّله.
مؤخرا لاحظت تغير طفيف في سياسة الإخوان المجتمعية، فهم دوما كانت سياستهم -مع إهانتهم لكل فكر يضاد فكرهم أو على الإقل تجاهله وإهماله- أن يخاطبوا مشاعر البسطاء لا فكر المفكرين، أن يستدروا عطف الناس وشفقتهم، لا حبهم وتفهمهم وموافقتهم. الأن وبعد معارضات من البسطاء والمفكرين لنجاحهم في فقد الجميع بدأوا ممارسة سياسة جديدة، وأنا أسميها سياسة رب ارجعون، لأنها بلا طائل، ففي الحقيقة هم في حاجة لسياسة بعث وليس لسياسة بقاء- فقد تغير خطابهم في الناس وتغيرت قليلا نبرتهم المتعالية والعدائية، فهم قد بدأوا في الدعاء للمسيحين أن يحفظهم الله، بعد ان كانت لا صلاة لهم تخلوا من ترديد " اللهم عليك بالنصارى ومن ناصرهم"، وهذا ليس حبا وتسامحا ولكنه دفاعاً وإنكاراً لتهمة حرق الكنائس. بدأوا يدعون للجيش ويدعون على من قتل الجنود في سيناء، وهذا ليس تأييدا ودعما للجيش الذي دعوا لهلاكه علانية، ولكن دفاعاً وإنكاراً لتهمة أن يكونوا هم أو من يساندهم من الجهاديين في سيناء من قتل الجنود. بدأوا يدعون بالهداية -وهذا جفت حلوقنا طلبا له- لمن لم تخلوا صلاة لهم من الدعاء عليه بالقتل والهلاك وترميل نساءه وتيتيم أطفاله وهذا ليستروا أنفسهم وليزيحوا عنهم تهمة العدائية والكراهية. ولكن هذا ليس منه طائل لأنه أولاً جاء من جراء ضغط الناس ونقدهم لا من جراء رغبة حقيقة صادقة في التغيير، أي جاء كفعل لجني مكسب سياسي لا كتوجه لجني مكسب إجتماعي، وثانيا لأن الجميع يعرف ذلك!
ما يجعل هذه السياسة ناجحة، هي أن لا تكون سياسة من الأساس بل أن تكون توجه صادق للمصالحة مع الناس والإندماج في المجتمع بعد توجه ومنهج الإلتفاف على النفس وإهمال وتجاهل المخالف.
..
قلت في منشور على الفيس بوك في بداية الأزمة، أن لا خيار يخلو من مرارة، إذ كيف لي مثلا أن أقبل عبارة السيسي حمار ومرسي سبع، فربما أنا أرى السيسي حمار ولكني متيقن أن مرسي ليس سبع، بل ربما هو حماران!
يبدو أن أحدهم اليوم قد إجتزأ كلامي- كما يحدث دوما- فخط على الحائط الأمامي لبيتنا عبارة السيسي حمار!
ورغم أن أي كتابات أو ملصقات-حتى لو أوافق عليها تمام الموافقة- أرفض تماما وضعها على حائط المنزل، لأنني أرى أن ذلك تشويه، والأفضل أن نحتفظ بشعارتنا في فكرنا وعقلنا وأن نطبقها في أعمالنا وأفعالنا. كنت أتمنى أرى من كتب العبارة، لا كي أقوم بضربه أو سبه أو إجباره على إزالتها، ولكن لكي أسأله هل لديه الشجاعة أن يكمل العبارة كما قلتها؟!
..
تعليقا على موقف السعودية وقطر.
السعودية تعلم أن مصر لو سقطت ستسقط كل الأمة العربية، وربما قد تم الضغط عليها لتقف على الحياد على الأقل، ولكنها تملك من القوة ما يجعلها قادرة على معارضة السياسة الأمريكية، أما لو نظرنا لقطر على سبيل المثال فسنرى أنها لا تملك أي خيار أخر، فهي ولاية أمريكية شاءت ذلك أم أبت، أو لنقل قاعدة امريكية خالصة وهي والقطريون ضيوف عليها!
فلا تظلموا قطر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول