الخميس، أكتوبر 23، 2014

يا ريتني ما عرفت!

في نظرية المعرفة "الإبستمولوجيا" بيتم تقسيم المعرفة "النوليدج" لأقسام كتيرة أو انماط مختلفة من المعرفة. يمكن أهمها نمطان، النمط الأول هو المعرفة الإفتراضية "البروبوزيشينال نوليدج" وهي المعرفة اللي بتفترض إن في شئ موجود أو بيحصل في الواقع بطريقة معينة. أما الثاني فهو معرفة القدرة "أبيلتي نوليدج" وهو معرفة الطريقة العملية والكيفية اللي بيمارس بيها الشئ اللي افترضنا حدوثه أو وجوده.
يعني عبارة "لو وقعت في المية لفترة طويلة هتغرق، لأنك هتبقى غير قادر على التفس لعجزك عن استخلاص الأكسجين الموجود بالماء لأنك مش زي السمك ليك خياشيم" دي معرفة نظرية، لأنها بتفترض ده، أما معرفة القدرة هي أما تقع في المية لفترة طويلة فتقوم تغرق :D.
أو خلينا نقول تفادي الوقوع في المية لفترة طويلة عشان ما تغرقش، لمعرفتك الافتراضية إن الوقوع في المية لفترة طويلة يسبب الغرق، يعني معرفة القدرة ممكن استخدامها خلف خلاف :D
وإن كانت المعرفة الإفتراضية برضو يمكن استخدامها خلف خلاف، بما يسمى "مبدأ الانغلاق" "كلوشر برنسيبال" اللي بيقولك إن الإنسان إذا توصل لمعرفة افتراض معين وكان عارف إن ده بيستلزم وجود افتراض تاني، فهو يبقى عارف الإفتراض التاني كمان. يعني لو انت عارف إن القاهرة هي عاصمة مصر، يبقى ده معناه إنها مش عاصمة دولة تانية زي انجلترا مثلاً، وعليه يبقى انت عارف كمان إن القاهرة مش عاصمة انجلترا.
وهو ده اللي استخدمناه في مثال الغرق، معرفتك إنك لو وقعت في المية لفترة طويلة هتغرق فده بيستوجب إنك تعرف إنك لو ما وقعتش في المية لفترة طويلة مش هتغرق!
ويمكن ده بيتماس شوية مع ما يسمى المعرفة البديهية/التجريبية "بريوراي/ إمبيركال نوليدج". واللي بتقولك هل المعرفة اللي اكتسبناها دي كانت نتاج بحث حوالينا ولا كانت بمعزل عن أي بحث أو استكشاف "بالمفهومية يعني!"، بيقولك يعني لو عرفت مثلاً إن القاهرة عاصمة مصر فدي معرفة تجريبية لأنك أكيد بحثت ودورت لغاية ما عرفت ده، أما مثلاً لو قلنا إن الست دي زوجها ميت فبديهي إنها "أرملة" ولو قلنا إن الراجل ده "أعزب" فبديهي إنه مش متجوز، كأن المسألة فيها مسألة ترادف، وده سهل تحصيله وأضعف المعرفة!
..
كلنا ممكن نمارس معرفة القدرة بدون ما يكون عندنا أصلاً فكرة عن المعرفة الإفتراضية المرتبطة بيها.
وده بسبب إن الإنسان عنده ما يسمى القدرات الإدراكية "كوجنيتيف فاكوليتيس" وده لأن الإنسان بيتمتع بحواس مثل السمع والبصر والشم واللمس، وقدرات مثل التفكير والشعور والوعي، فده بيتيح له اكتساب معتقدات حقيقية موثوق فيها عن طريق الممارسة العملية، لامتلاكه ما يسمى المهارات المعرفية " إبيستمك فيرشز" المتمثلة في الصفات اللي ذكرنها.
زي ما مثلاً ما الطاسة "سوري القلاية!" تولع على البوتجاز وانت بتحمر البطاطس، فبتشوفها بنظرك، ويدي عقلك أمر لإيدك فتقوم "تكتمها" بقطعة قماش فتقوم النار فيها تطفى، انت كدة قدرت تطفي النار لكنك في الواقع ما تعرفش ده حصل ازاي، ما عندكش المعرفة الإفتراضية لتفسير ده.

وفي نفس الوقت حاجات كتير في حياتنا بتكون معرفتنا بيها معرفة افتراضية، وللأسف حاجات كتير من الحاجات دي حاجات أساسية، زي الحب والتسامح والتكافل، وغيرها.
كلنا على معرفة افتراضية بالحاجات دي، لكن هل عندنا معرفة قدرة بيها؟ هل احنا قادرين على ممارستها وتطبيقها بما يكافئ ويوافي المعرفة الإفتراضية بيها؟
كلنا بنطلـَّع للحب ألف وصف وألف تعريف افتراضي، لكن هل في الواقع عندنا قدرة على ممارسة الوصوفات والتعريفات دي؟
كلنا بنحب كلمة التسامح وكلمة التكافل وكلمة العطف، وبنعرَّفهم بتعريفات افتراضية كتير، لكن هل احنا واقعيا بنمارس ما يكافئ هذه التعريفات؟
..
يمكن دي واحدة من مشاكل الإنسان، أو مشكلته الأساسية في الواقع، لأن الإنسان لا ينحصر فعله إلا ما بين إثنين، صح وغلط، أو صواب وخطأ!
وهنا بتظهر معضلة التوافق والتضاد بين المعرفة الإفتراضية ومعرفة القدرة، فربما يكون عندك معرفة افتراضية بإن حاجة معينة غلط، لكن هل عندك معرفة القدرة إنك ما تعملهاش؟
وبالمثل، ربما يكون عندك معرفة افتراضية بإن حاجة معينة صح، لكن هل عندك معرفة القدرة للقيام بيها؟
الإنسان بداخله بيملك الضعف والقوة، الجبن والشجاعة، التردد والجسارة، وكل ده بيظهر في افعالنا، المعرفة الإفتراضية بتقول لنا إمتى وفين ممكن نستخدم قوتنا، شجاعتنا، جسارتنا، وبتدي وصف لكل فعل منهم، لكن ممكن أما يجي دور معرفة القدرة ما نلاقيش إلا ضعفنا، جبننا، ترددنا.

يمكن من حسن حظ الإنسان، وربما من سوء حظه، وأظنه كذلك!، أن كل فعل يقوم به يقوم ضميره بتقييمه، وإما أن تقبله وتحبذه ذاته أو ترفضه وتنبذه. ولكن الضمير لا يحبذ شئ أو يرفضه إلا بسابق معرفة افتراضية به، وهذه المعرفة هي ما توجه معرفة القدرة لديه ليقوم بفعل ما أو ليمتنع عن القيام به. فإن انعدمت مصادر المعرفة الإفتراضية أمام الضمير بشان فعل ما أو سلوك ما، ربما وقتها سيقع في حيرة وصراع مع النفس، وحينها ستكون نتائج الفعل هي الفيصل، وإن كانت النتائج أصبحت تبرر أيا ما كانت!
وده اللي بيسموه المعيار المعرفي "إبيستمك نورم" اللي بيعتمده الإنسان عند افتقاده للقاعده أو للمعرفة الإفتراضية المسبقة، وهو قاعدة بيتبعها الإنسان عشان يتوصل لإعتقادات حقيقية عن طريق تقييم الأدلة والنتائج، وده بيستلزم منه انه يكون حريص ومحايد، عشان ما يطلعش بتبرير على مزاجه، وده بيبعده تماما عن الحقيقة.
..
الإبستمولوجيا علم جميل وبيوضح وبيفسر لنا حاجات كتير في سلوك الإنسان وتعامله مع العالم والكون، لكن في نفس الوقت هو علم تجريدي، بما يعني إنه صعب، قرأت 20 صفحة في كتاب خلال سنة!، ومحتاج الواحد باله رايق ودماغه فايقه عشان يقدر يقرأ فيه ويفهم...على الأقل يفهم 30%!
وأظن إني هلفطت كتير في التدوينة دي، لدرجة إني باين مش فاهم حاجة من اللي انا كاتبه، فكفاية كدة!

عاوز أختم بس بحاجة بسيطة، وهي إننا دايما بإمكاننا إننا نعرف، لكن مش بإمكاننا اننا نرجع للجهل باللي بالفعل عرفناه، فلو سعيت للمعرفة لازم يكون عندك العزم والشجاعة لتطبيق اللي عرفته، يمكن ده مُتعب، لكن يكفي إن المعرفة بتوَصَّل للحقيقة. مافيش حد وصل للحقيقة قبلنا، وما أظنش حد هيوصل لها بعدنا، لكن المهم إن سعينا للوصول للحقيقة ما يتوقف، وشغفنا ما يفترش، ده على الأقل كفيل إنها تبين لنا حتة منها، لأنها عمرها ما هتكشف منها فتفوته لحد مش عاوزها.
..

هناك تعليقان (2):

  1. ياااااه
    كل الكلام.ده.عن مفهوم المعرفه
    انا توهت منك ههههههه
    لا بجد.انا فاهماك والله بس لولا انك ضربت امثله مكنتش فهمت
    تحياتى لموضوعك المتميز

    ردحذف
    الردود
    1. ده حاجة ما تذكرش، مفهوم المعرفة أوسع جداً، دي بس كانت محاولة اقتراب من التعرف على الكلمة :)
      سعيد ان التدوينة عجبتك
      ودايما بيسعدني ويشرفني تواجدك
      ويا رب نشوفلك حاجة جديدة على المدونة، أنا كنت غايب لفترة صحيح، لكن قرات معظم اللي فاتني.
      أشكرك.

      حذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول