أردت الكتابة في هذا الموضوع منذ مدة، وكنت دوما أؤجل كتابته،أو ربما لا أريد الكتابة فيه لأسباب ما، وربما تدوينة دعوة ماليش دعوة لأستاذتنا شمس النهار قد حفزتني لأكتب.
ربما عنوان التدوينة غامض قليلا، ولكن تفسيره ببساطة أننا أهل الإسلام الناطقين بلغة كتابه جهلاء به فمن للمسلمين الأعاجم؟
..
دارت بيني وبين أشخاص أجانب نقاشات كثيرة جداً حول الإسلام والمسلمين، وكان على الدوام محكها الرئيسي هل الإسلام دين يدعو للإرهاب وهل المسلمين عصابة من القتلة والإرهابين؟ يليه قضايا مثل تعدد الزوجات، والجنة والنار، ونظرة المسلمين لغير المسلمين..الخ.
ربما والحمد لله كنت دوما أجيد التعامل في مثل هذه المواقف، وأجعل أسانيدي ونقاط حواري تستند للمنطق الحياتي العام أكثر منها إستنادا للقرآن وتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان دوما إعتقادي هو كيف أجادل شخص وأطرح له أسانيد وحجج مصدرها شئ لا يؤمن به من الأساس؟ وعليه فقد كنت أتبع المنطق العام ومعرفتي التي إستمدتها من القراءة ومن الحوارات مع الأجانب أنفسهم لطرح أفكاري وحججي، حتى إذا ما وصلت لنقطة إتفاق ما أبدأ بسرد ما يدعم هذا في القرآن وفي الأحاديث النبوية..إلخ.
ولكن هذا لا يمنع أنني كنت أشعر بالعار من الصورة التي يقدمها بعض المسلمين عن الإسلام، ولكن بالمنطق كنت أثبت أنَّ أنْ يكون هناك مسلم سئ فهذا أبدا لا يعني أن الإسلام نفسه دين سئ، ففهم الدين أولا والإلتزام به ثانيا يمثلان أهم أركان حقيقة أو زيف تمثيل المعتنق لدين ما له.
وأنا هنا لن أتحدث عن ماذا قدمنا كمسلمين لغير المسلمين لنعرفهم عن الإسلام، ولكني سأتناول موضوع ماذا قدمنا ونقدم للأجانب الذين إعتنقوا الإسلام بالفعل؟
..
لم أختر في يوم ما أن أكون داعية إسلامي، ولكن بعض الإختيارت الحسنة يلقيها الله أمامنا كأعظم رزق نناله منه سبحانه وتعالى. ولا أظنني داعية، ولكني مسلم يمد يد العون لمسلم مثله، أو يد الفهم والتوضيح لناكر أو كاره لدينه، وهذا يستطيعه أيا منا إن اتيحت له الفرصة.
فمن خلال بعض الصفحات الإسلامية على الفيس بوك تعرفت إلى بعض المعتنقين الجدد للإسلام، وتصادقت مع الكثيرين منهم وكانت علاقتنا لا تتعدى التواصل العادي، إلى أن بدأت إحداهن- بعد أن علقت على بعض منشوراتها ووضحت لها بعض الأشياء- تسألني عن أشياء معينة في الدين الإسلامي خاصة أنها معتنقة جديدة له.
ربما لن أقص ما حدث جميعه فهو قائم منذ سنوات، ولكني سأعرض بعض النقاط التي جعلني أغلبها أبكي، أبكي من مدى تدنينا نحن المسلمين ومن المسؤولية التي وجدتني أحملها.
- ربما أول وأهم هذه النقاط هو إستغلال دول بعينها أو جماعات بعينها لهؤلاء المعتنقين الجدد للإسلام. بأن يعلموهم الإسلام على طريقتهم أو مذهبهم الخاص.
إذ أني وجدت من البلاوي ما هو كفيل- تقريبا- بصناعة دين أخر غير الإسلام! إذ أني عندما كان بعضهم يكتب شئ خاطئ كنت أصححه له فيقول لي هذه محاضرة للشيخ فلان ويرسل إلي رابط المحاضرة. فأجد أن المحاضر لا يقوم بتعليم الإسلام ولكن يقوم بحقن مذهب ما أو فكر ما في عقل من يحاضر فيهم، وهو يخطب بالإنجليزية وهم لا يجيدون العربية كي يطلعوا على القرآن بنصه العربي أو الأحاديث الشريفة أو كتب الفقه..إلخ.
فمصدر تعريفهم بالدين هم هؤلاء الشيوخ والكتب الفقهية المترجمة.
- وهنا تأتي النقطة الثانية، الكتب المترجمة التي تتناول التعريف بالإسلام والفقه المُيَسَّر.
ما قالته لي هذه الصديقة- وهي تجيد عددا من اللغات وتكتب في إحدى المجلات الأليكترونية الواسعة الإنتشار، مما ينفي عنها تهم الغباء وضيق الأفق وقلة الفهم!- أن هذه الكتب لا تستطيع أن تفهم منها شئ وهو ما جعلها تلجأ إليّ خاصة أيضا أن البنات في المسجد الذي تقصده لا يُجدن لغة مشتركة ولا يستطعن أن يوضحن لها شئ!
وحتى أنا عندما بحثت في المواقع التي تنشر الإسلام أو تتناول المواضيع المتعلقة بأركان الإسلام وفقهه باللغات الأجنبية وما إلى ذلك وجدت أنها صعبة الفهم عليِّ أنا شخصيا رغم أنني أعرفها فكيف بمن يجهلها من الأساس؟. ولكن عندما أقوم أنا بإجابة سؤال لها فإني أشرح لها الإجابة بأكثر من طريقة وبأسلوب مبسط، فكلمات توضيحية قليلة كفيلة بأن توصل القدر الأعظم من الفكرة، أما الأسلوب المتبع في ترجمة الفقه وما إلى ذلك فهو- كما أراه- مُعقد. فإعتقادي أننا كي نوصل للمسلمين الأجانب الأمور الفقهية والعقائدية بشكل سلس فإنه لا يجب علينا أن نترجم كتب الفقه وفقط، بل أن تكون الكتب تأليف مستقل يحاول فيها الفقيه او المؤلف توصيل الفكرة الشرعية أو الفقهية بإسلوب سهل لا بالأسلوب الفصيح المعقد الذي نقرأه جميعا في كتب الفقه والذي لن يستطيع المترجم الفكاك منه. ثم لا ضير من أن نجعل من الكتب الفقهية الرئيسة المترجمة مستوى أعلى لمن وصلته الفكرة بالكتب المبسطة. فالفكرة هي أهمية تواجد الإثنين.
- وهنا تأتي النقطة الثالثة. التقصير الشنيع في حق هؤلاء الذين إعتنقوا الإسلام حديثا، كيف لا يجدوا من يعلمهم دينهم ويفقههم فيه بلغة سهلة يفهمونها؟ كيف يُتركوا كفريسة لمذهب- بغض النظر عن كونه متشدد أو متهاون- ما أو توجة ما في الدين ولا يُعلموا الدين بشمولية وصدق وأمانة؟
كيف يمر على الشخص سنتان منذ إعتناقه للإسلام وهو لا يعرف أبسط الأمور الفقهية لأنه لا يفهمها من الكتب الصعبة الفهم ولا يوجد من يوضحها له بإسلوب سهل؟
- هنا تأتي النقطة الرابعة. الإستفسارات التي كنت أتلقاها من هذه الصديقة.
بكيت جدا من بعض الأسئلة التي كانت تأتيني منها. ذات مرة أخبرتني أنها مصابة بحساسية في الأنف، وأنها قد تعلمت أن الصلاة ( حركات محددة) ولكن التراب على سجادة الصلاة يجعلها تعطس رغم أنها تحاول جاهدة أن تكتم العطسة، فهل العطسة تـُبطل صلاتها؟
بالله عليكم ألن نحاسب على هذه وأمثالها ممن قصرنا في إيصال أبسط معلومات الدين إليها؟
كيف عجز من علمها أن الصلاة (حركات محددة) أن يوصل لها فكرة وروحانية الخشوع في الصلاة؟ فما كان منه إلا أن أخبرها أن الصلاة حركات محددة!
وأخرى تسألني إذا ذهبت متأخرة إلى المسجد ووجدت أن الإمام قد صلى وفاتتها بعض الركعات فماذا تفعل؟ ثم تستدرك أنها والحمد لله لا تذهب متأخرة أبدا ولكن البعض سألنها وأرادت أن تعرف لتخبرهم، وأخبرتني- وهذا ما أرعبني- أن كل ما أخبرها به توصله لصديقاتها اللاتي دخلن الإسلام حديثا!
هنا بكيت لسببين، أولهما أنها لا تذهب متأخرة للصلاة ونحن أغلبنا لا يصلي أصلا، وثانيهما من المسؤولية التي وجدتني قد تحملتها دون إختيار. إنه رعب مسؤولية أن تكون مرشد غيرك في طريقه إلى الله.
فهل ترانا نعلم مدى خطورة هذه المسؤولية؟ وهل ندرى مدى الخطورة الأعظم من ترك هذه المسؤولية؟
كيف تستقبل سؤال من يسألك عن سنن الصلاة وربما انت لا تصليها أو لا تعرفها أصلا وربما أنت لا تصلي من الأساس؟
كيف لمسلمة حديثة أن تسأل عن قصر الصلاة وجمعها، والأكيد أن هناك بيننا أمة الإسلام من لا يعلم كيف يكون ذلك وما سببه؟!
أي لوم نستحقه وأي عذاب من ربنا قد نلاقيه عندما تخبر إحداهن مصادفة بالظروف التي يحق للشخص فيها أن يفطر في رمضان ومن ضمنها السيدة في فترة الحيض وتخبرك أن أحدا لم يخبرها وأنها كانت تصلي وتصوم في فترة الحيض دون أن تعلم ذلك؟
فمن علمها معنى الطهارة والوضوء والإغتسال وهي المدخل الأساسي للصلاة؟
بالله عليكم ماذا نستحق نحن أمة الإسلام التي إنشغلت بأتفه أمور الدين والدنيا وأهملت من يبحثون عن طريق ربهم وتركتهم يجهلون أبسط أمور دينهم؟
كيف نملأ منابرنا وقنواتنا صراخا وخطبا رنانة، وسباب لأهل الكفر والإلحاد وهناك من في حاجة ولو لكلمة واحدة ترشده إلى الله؟
من أعطانا الحق بأن نحكم أن هذا المتشح بالجبة والقفطان هو الموصل الأوحد لرسالة ربه وأن فتى الفيس بوك كل شغله هو مصادقة البنات؟
كيف نتهم بعضنا البعض بالكفر بدلا من أن نهدي ونرشد الباحثين عن طريق الإيمان؟
كيف نطرح عقولنا جانبا ونهيم جهلا وغباءا ونحن أمة أفلا تتفكرون؟
بل كيف غزلنا من الدين ثوب زائف، حتى إذا ما خلعناه وجدنا أنفسنا عراة تماما من الإيمان ومن الأخلاق ومن القيم ومن الإنسانية؟
..
أجدني مشوش الفكر حتى أنني ربما لم أنظم ما كتبت، ولم أكتب ربع ما أردت، ولكني أعلم أنني هنا يكفيني أن ألمح للفكرة فقط وأنتم تكملوها.