في عهد مبارك كان هناك قاعدة عريضة من الحرامية الكبار، رجال السلطة -حكومية وقضائية وعسكرية- وأهل الأعمال، وأهل الفن.
بعد مبارك وفي فترة المجلس العسكري إتسعت هذه القاعدة لتشمل حرامية صغار بدأوا يستغلون الظروف. حتى إذا ما وصلنا لعهد مرسي إختفى تقريبا كبار الحرامية واتسعت جداً قاعدة الحرامية الصغار. فقد سنحت لهم الفرصة دون غيرهم بالوصول لهذه المكانة!
..
وأنا ذاهب إلى المنيا منذ أيام شاءت الظروف أن يسلك الأتوبيس الطريق الشرقي لا الطريق الغربي، وبرر السائق ذلك بأن الطريق الغربي مغلق. وهو ما يعني أنني مضطر أن أبقى في الأتوبيس حتى أصل المنيا (المدينة) ثم أستقل عربة أخرى عائداً إلى المكان الذي أريده، فقد كنت أنزل في ذلك المكان مباشرة عندما يسلك الأتوبيس الطريق الغربي، ولكن رب ضرة نافعة.
عندما نزلت وبحثت عن عربة تقلني للمكان الذي أريده، ركبنا عربة ربع نقل مكشوفة، وهي المتوفرة لهذه المواصلة، وركب معنا مجموعة من أهل البلد، رجال ونساء وأطفال، جلس بجانبي رجل أظنه في بداية الخمسينات، وعندما سمع لهجتي وأنا أتحدث مع من معي وغضبنا من "قفلة" الطريق الغربي، قال لي:
إنت بحراوي!
فأجبته:
أه من كفر الشيخ، من بلطيم!
فأخبرني أنه قد ذهب إلى بلطيم وإلى أماكن أخرى في مختلف مناطق الجمهورية، وعدد لي مدن في البحيرة والمنوفية وكفرالشيخ وغيرها.
لكن ربما ما جعلني أستغرب هو أنه كان مؤيد، بل وسعيد، لقفل الطريق من قبل قوات الجيش والشرطة!
وقال أنهم يجب أن يقوموا بتنظيف المحافظة حتى يعود لها الأمان بعد أن ضاع في عهد مرسي وصار السلاح يحمل ويباع علناً والمخدرات يتم تعاطيها وبيعها علنا، وبعد أن صارت البلطجة من مفردات الحياة اليومية في المحافظة.
قال أن ما يفعله الجيش والشرطة قليل وأنه يجب أن يكون هناك شدة أكثر!
ربما لا أتذكر الحوار بأكمله، خاصة أننا كنا نتحدث بينما الهواء (يسفخ) أذاننا، وأنا أضع أذني بجانب فمه لأسمع جيداً ما يقول بعد أن شدتني كلماته.
ومما قاله أنه ممن إنتخبوا مرسي ولكنه ندم بعد ذلك!
أتذكر هنا حوار مع شخص منياوي في العام السابق، وقد كان هذا الشخص يحلل لي المجتمع المنياوي بوجه خاص والمجتمع الصعيدي بوجه عام بطريقة رائعة تنم عن فهم عميق. أتذكر مما قاله لي أن الصعيد سيختار مرسي وسيندم على ذلك! فالصعيد قد عاني منذ فترة التسعينيات -فترة الإرهاب- وحتى الأن من مبارك وداخليته ونظامه، وعليه فإن المجتمع الصعيدي سيرحب بالإسلاميين جداً، ولكن هذه ستكون غلطة!
..
لقد قضيت بالمنيا عدة شهور العام الماضي خلال فترة حكم مرسي، وأعلم جيداً ما يقصه ذلك الرجل، وربما يهاجمني كثيرون عندما أدعم شدة وقوة الجيش في الصعيد وفي سيناء، اليوم عندما رجعت وتحدثت مع الكثيرين ممن أعرفهم، ربما إتضحت لي عدة أمور.
- ربما أولها أن الإخوان ومسانديهم، ربما بدون علمهم، إيد واحدة مع البلطجية وتجار السلاح والإستغلاليين. ولكن مع فارق بسيط، وهو أن الإخوان لا يستطيعون حماية أنفسهم أما أولئك فيستطيعون!
فأنا أعلم شخصيات بعينها يقومون بالتجارة في السلاح وغيره قيل لي أنهم قد ساهموا في قطع الطرق مع مساندي الشرعية، وأنهم كانوا من يحضرون المعدات الثقيلة -من لوادر وجرارات وغيرها- من أجل ذلك، وأنهم خرجوا في مظاهرات تطالب بالشرعية وعودة مرسي!
بإختصار إنهم يريدون عودة من في عهده كانت الدنيا كما نقول، مفتوحة على البحرى!
أي بلا ظابط أو رابط، والخير كان كتير!
- أن الأزمات في سلع بعينها، مثل السولا والبنزين والغاز، ربما في طريقها إلى الظهور.
ففي المنيا مثلا تجد أن كل قرية صغيرة ربما بها عشرة أشخاص يقومون ببيع السولار والبنزين، وقد كانت تجارتهم رائجة جداً في عهد مرسي، فقد كانوا يكسبون أرقام خيالية لعدم توافر السولار والبنزين، والذي كانوا يحصلون عليه من البنزينات بالتراضي بقسمة المكسب مع أصحاب البنزينات أو بالقوة وهذا رأيته بعيني، واليوم بعد توفر هذه السلع، واليقين من أنه ليس هناك فرصة للتلاعب أو القوة لأن الرد سيكون جاهز وقاسي، أصبحت تجارتهم كاسدة بدون أي مكاسب، ولذا فهم يقومون بإصطناع وجود أزمة. وتجدهم -كما قالها لي أحدهم- يصرخون:
خربوا بيتنا الله يخرب بيتهم!
فمثلاً سائق أعرفه عنده بنزينة، طبعاً غير مرخصة، ربما كسب عشرات الألاف العام الماضي في فترة أزمة السولا والبنزين، قال لي:
أنهم بيقولوا هيحصل أزمة في السولار!
طبعاً الكذب كان بادي عليه تماماً، خاصة عندما عرفت أن مصدر هذه المعلومة أصحاب البنزينات أمثاله، والذين كسدت تجارتهم، فهم الأن يحاولون إيهام الناس بأنه ستأتي أزمة، وبعد عدة أيام يبدأون هذه الأزمة فيرفعوا سعر السولار ويربحوا قليلاً بعد هذا الكساد الذي أصابهم بتوفر السولار والبنزين!
وعندما صرحت له بأن ذلك مقصود ليرفعوا الأسعار ضحك وقال:
يا شيخ حرام عليك!
- ربما يشك البعض، وربما هو يقين، أن تجار السلاح كانوا يعملون تحت رعاية ونظر الداخلية بشروط لا يجب الإخلال بها، وفي فترة مرسي عشنا جميعاً دولة بدون داخلية، هذه الفترة جعلت تجار السلاح والمخدرات وغيرهم يطمعون في الخروج على رعاتهم الرسميين، الداخلية وكبار القيادات فيها، وكما ذكرت ظهرت فئات أخرى راغبة في جني أي مكاسب أزادت من قاعدة الحرامية الصغار، وهذا معناه أن الداخلية والجيش أمامهم حرب شرسة مع هؤلاء -الذين هم في الأساس صانعوهم أو الراعين الرسميين لهم- بالتوازي مع مواجهة المظاهرات التي ربما تزيد الوضع سوءاً وهو سئ بما يكفي ويفيض!
..
الأن، ماذكرته أعلاه لا يعني أبداً أنني أؤكد أو أقصد أن ما يحدث في الصعيد، أو المنيا تحديداً، من مظاهرات أو ما شابه تحمل شعار عودة الشرعية أو سقوط حكم العسكر ما هي إلا محاولات من المستفيدين لعودة عصر قد إفتقدوه- وإن كان لها غرض شريف فالأكيد أنها تساند هذه الفئة بلا شك- فأنا أتحدث عن ما رأيته وما أثق فيه، قد ينطبق هذا بشكل جزئي أو كلي في مناطق أخرى وقد لا ينطبق. ولكنه في النهاية موجود.
حتى في أشد المواقف والأوقات الصادقة الوطنية تجد أن هناك مستفيدون يتربصون ويجنون مكاسب ويتصيدون فرص، فما بالك بهم عندما يكون هناك إنقسام واضح؟
ستزداد المكاسب وستفيض الفرص وسيكون هناك أكثر من طريق للهروب والنجاة.
..
بعد مبارك وفي فترة المجلس العسكري إتسعت هذه القاعدة لتشمل حرامية صغار بدأوا يستغلون الظروف. حتى إذا ما وصلنا لعهد مرسي إختفى تقريبا كبار الحرامية واتسعت جداً قاعدة الحرامية الصغار. فقد سنحت لهم الفرصة دون غيرهم بالوصول لهذه المكانة!
..
وأنا ذاهب إلى المنيا منذ أيام شاءت الظروف أن يسلك الأتوبيس الطريق الشرقي لا الطريق الغربي، وبرر السائق ذلك بأن الطريق الغربي مغلق. وهو ما يعني أنني مضطر أن أبقى في الأتوبيس حتى أصل المنيا (المدينة) ثم أستقل عربة أخرى عائداً إلى المكان الذي أريده، فقد كنت أنزل في ذلك المكان مباشرة عندما يسلك الأتوبيس الطريق الغربي، ولكن رب ضرة نافعة.
عندما نزلت وبحثت عن عربة تقلني للمكان الذي أريده، ركبنا عربة ربع نقل مكشوفة، وهي المتوفرة لهذه المواصلة، وركب معنا مجموعة من أهل البلد، رجال ونساء وأطفال، جلس بجانبي رجل أظنه في بداية الخمسينات، وعندما سمع لهجتي وأنا أتحدث مع من معي وغضبنا من "قفلة" الطريق الغربي، قال لي:
إنت بحراوي!
فأجبته:
أه من كفر الشيخ، من بلطيم!
فأخبرني أنه قد ذهب إلى بلطيم وإلى أماكن أخرى في مختلف مناطق الجمهورية، وعدد لي مدن في البحيرة والمنوفية وكفرالشيخ وغيرها.
لكن ربما ما جعلني أستغرب هو أنه كان مؤيد، بل وسعيد، لقفل الطريق من قبل قوات الجيش والشرطة!
وقال أنهم يجب أن يقوموا بتنظيف المحافظة حتى يعود لها الأمان بعد أن ضاع في عهد مرسي وصار السلاح يحمل ويباع علناً والمخدرات يتم تعاطيها وبيعها علنا، وبعد أن صارت البلطجة من مفردات الحياة اليومية في المحافظة.
قال أن ما يفعله الجيش والشرطة قليل وأنه يجب أن يكون هناك شدة أكثر!
ربما لا أتذكر الحوار بأكمله، خاصة أننا كنا نتحدث بينما الهواء (يسفخ) أذاننا، وأنا أضع أذني بجانب فمه لأسمع جيداً ما يقول بعد أن شدتني كلماته.
ومما قاله أنه ممن إنتخبوا مرسي ولكنه ندم بعد ذلك!
أتذكر هنا حوار مع شخص منياوي في العام السابق، وقد كان هذا الشخص يحلل لي المجتمع المنياوي بوجه خاص والمجتمع الصعيدي بوجه عام بطريقة رائعة تنم عن فهم عميق. أتذكر مما قاله لي أن الصعيد سيختار مرسي وسيندم على ذلك! فالصعيد قد عاني منذ فترة التسعينيات -فترة الإرهاب- وحتى الأن من مبارك وداخليته ونظامه، وعليه فإن المجتمع الصعيدي سيرحب بالإسلاميين جداً، ولكن هذه ستكون غلطة!
..
لقد قضيت بالمنيا عدة شهور العام الماضي خلال فترة حكم مرسي، وأعلم جيداً ما يقصه ذلك الرجل، وربما يهاجمني كثيرون عندما أدعم شدة وقوة الجيش في الصعيد وفي سيناء، اليوم عندما رجعت وتحدثت مع الكثيرين ممن أعرفهم، ربما إتضحت لي عدة أمور.
- ربما أولها أن الإخوان ومسانديهم، ربما بدون علمهم، إيد واحدة مع البلطجية وتجار السلاح والإستغلاليين. ولكن مع فارق بسيط، وهو أن الإخوان لا يستطيعون حماية أنفسهم أما أولئك فيستطيعون!
فأنا أعلم شخصيات بعينها يقومون بالتجارة في السلاح وغيره قيل لي أنهم قد ساهموا في قطع الطرق مع مساندي الشرعية، وأنهم كانوا من يحضرون المعدات الثقيلة -من لوادر وجرارات وغيرها- من أجل ذلك، وأنهم خرجوا في مظاهرات تطالب بالشرعية وعودة مرسي!
بإختصار إنهم يريدون عودة من في عهده كانت الدنيا كما نقول، مفتوحة على البحرى!
أي بلا ظابط أو رابط، والخير كان كتير!
- أن الأزمات في سلع بعينها، مثل السولا والبنزين والغاز، ربما في طريقها إلى الظهور.
ففي المنيا مثلا تجد أن كل قرية صغيرة ربما بها عشرة أشخاص يقومون ببيع السولار والبنزين، وقد كانت تجارتهم رائجة جداً في عهد مرسي، فقد كانوا يكسبون أرقام خيالية لعدم توافر السولار والبنزين، والذي كانوا يحصلون عليه من البنزينات بالتراضي بقسمة المكسب مع أصحاب البنزينات أو بالقوة وهذا رأيته بعيني، واليوم بعد توفر هذه السلع، واليقين من أنه ليس هناك فرصة للتلاعب أو القوة لأن الرد سيكون جاهز وقاسي، أصبحت تجارتهم كاسدة بدون أي مكاسب، ولذا فهم يقومون بإصطناع وجود أزمة. وتجدهم -كما قالها لي أحدهم- يصرخون:
خربوا بيتنا الله يخرب بيتهم!
فمثلاً سائق أعرفه عنده بنزينة، طبعاً غير مرخصة، ربما كسب عشرات الألاف العام الماضي في فترة أزمة السولا والبنزين، قال لي:
أنهم بيقولوا هيحصل أزمة في السولار!
طبعاً الكذب كان بادي عليه تماماً، خاصة عندما عرفت أن مصدر هذه المعلومة أصحاب البنزينات أمثاله، والذين كسدت تجارتهم، فهم الأن يحاولون إيهام الناس بأنه ستأتي أزمة، وبعد عدة أيام يبدأون هذه الأزمة فيرفعوا سعر السولار ويربحوا قليلاً بعد هذا الكساد الذي أصابهم بتوفر السولار والبنزين!
وعندما صرحت له بأن ذلك مقصود ليرفعوا الأسعار ضحك وقال:
يا شيخ حرام عليك!
- ربما يشك البعض، وربما هو يقين، أن تجار السلاح كانوا يعملون تحت رعاية ونظر الداخلية بشروط لا يجب الإخلال بها، وفي فترة مرسي عشنا جميعاً دولة بدون داخلية، هذه الفترة جعلت تجار السلاح والمخدرات وغيرهم يطمعون في الخروج على رعاتهم الرسميين، الداخلية وكبار القيادات فيها، وكما ذكرت ظهرت فئات أخرى راغبة في جني أي مكاسب أزادت من قاعدة الحرامية الصغار، وهذا معناه أن الداخلية والجيش أمامهم حرب شرسة مع هؤلاء -الذين هم في الأساس صانعوهم أو الراعين الرسميين لهم- بالتوازي مع مواجهة المظاهرات التي ربما تزيد الوضع سوءاً وهو سئ بما يكفي ويفيض!
..
الأن، ماذكرته أعلاه لا يعني أبداً أنني أؤكد أو أقصد أن ما يحدث في الصعيد، أو المنيا تحديداً، من مظاهرات أو ما شابه تحمل شعار عودة الشرعية أو سقوط حكم العسكر ما هي إلا محاولات من المستفيدين لعودة عصر قد إفتقدوه- وإن كان لها غرض شريف فالأكيد أنها تساند هذه الفئة بلا شك- فأنا أتحدث عن ما رأيته وما أثق فيه، قد ينطبق هذا بشكل جزئي أو كلي في مناطق أخرى وقد لا ينطبق. ولكنه في النهاية موجود.
حتى في أشد المواقف والأوقات الصادقة الوطنية تجد أن هناك مستفيدون يتربصون ويجنون مكاسب ويتصيدون فرص، فما بالك بهم عندما يكون هناك إنقسام واضح؟
ستزداد المكاسب وستفيض الفرص وسيكون هناك أكثر من طريق للهروب والنجاة.
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول