كانت سيدة ( الأعمال ) الأولى في القرية،حتى أن الجميع،رجال و نساء و أطفال، كانوا يخشونها أكثر من خشيتهم لحضرة العمدة أو شيخ الغفر،اللذان كانا كلاهما ضمن قائمة من يخشوها!،حتى أن أحدا لم يستطع أن يعترض أو يستنكر فعلتها عندما سمحت لرجل غريب-الأستاذ عبد المتجلي المدرس المغترب بالمدرسة الإبتدائية-بالسكن معها في بيتها مع ابنتها الصغيرة!!،و عندما إستجمع أحد كبار عائلتها شجاعته و طرق بابها ليعلن لها إعتراضه على ما تفعله،فكيف تسمح لرجل غريب بالسكن معها و هي وحدها و زوجها مسافر،و بأنها جعلت كل البلد تأكل وشهم،كان ردها أن صفقت الباب في وجهه بعدما أسمعته من الكلمات ما جعل خدوده تحمر كالعذراء في خدرها،و جعلت عرقه يسيل كأنه قطع نصف صحراء مصر مشيا في عز الظهر !!
ربما هو حلم أن تكون كل النساء مثل امرأة فرعون تطلب من ربها بيت في الجنة، فهى كانت بجبروت كيد إمرأة العزيز،التي عندما سألت ما جزاء من أراد بأهلك سوء، لم تنتظر الإجابة بل أصدرت الأوامر، إلا أن يسجن أو عذاب أليم !! و قد كانت هذه هي طريقتها مع زوجها الضعيف المسكين، فكانت هي من تسييره و تسوقه إلى حيث تشاء..
و هل كان بعد كل هذا يستطيع أحد أن ينطق عندما خرجت إبنتها الصغيرة فتحية ذات الخمس سنوات و قالت:
أنا بأستحمى من بلاص،و أمي و الأستاذ عبد المتجلي بيستحموا من بلاص !!!!
....
و مع هذا كانت لا تخاف حتى من أعتى المشعوذين و كأن لديها حصانة ، فالجميع يتذكر ذاك اليوم الذي أراد فيه معلمي المدرسة أن يختبروا قوة سحر الشيخ إبراهيم، فأخفوا عنه حذاءه- البلغة السوداء- في مكان ما و طلبوا منه أن يعرف أين هي، ربما كان في استطاعته أن يعرف مكانها و يذهب إليها و يشير و يقول هنا ! و يستخرجها،و لكنه أراد أن يريهم قدراته الحقيقية..
فطلب منهم قلة فخارية ممتلئة عن آخرها بالماء، و سط الذهول أحضروها، فما دخل القلة بالحذاء ؟!
أمسك القلة و وضعها على باطن كفه، ثم تمتم ببعض التعويذات ثم قلب كف يده !! وإذا بالقلة قد التصقت بباطن كفه..و الأعجب أنها لم تسقط منها قطرة ماء رغم أنها مملوءة عن أخرها !!
سار الشيخ إبراهيم ممسكا بالقلة بهذا الشكل بعد أن أخبرهم أن الماء سيسقط من القلة على المكان الذي يوجد به الحذاء، وبالفعل سار و سار من خلفه الجميع حتى وقف في مكان وبدأ الماء يتساقط من القلة، فحفروا و أخرجوا الحذاء !!
..عدل هو من وضع كفه،رفع القلة وشرب ثم إنتعل حذاءه و سار دون أن يلقي عليهم أي كلمة !!
أما هي فلم ترض أبدا بالسكوت حتى وإن كان فعل أضعاف ما فعل،فهتفت من خلفه :
مسيري في يوم أزنقك !! ورايا إللي أجمد منك !!
..تختلف الروايات في تحديد رد فعله، فمنهم من قال أنه استدار و قال لها :
المية تكدب الغطاس !!
و منهم من قال أنه استمر في طريقة و لم يلتفت و لم ينبس ببنت شفة !!
و إن كان الجميع قد أجمعوا أنهم- هي و الشيخ إبراهيم - لم يكن بينهم أبدا ( أعمال ) مشتركة !!
...
ربما كراهية الجميع لها لم تمنعهم من التعامل معها،ليس طبعا عن حب و لكن عن خوف !!فالفتايات يخدمنها في أي شئ فبيدها أن توقف حالهم و أن تمنع عنهم العرسان بعمل بسيط !! أما الشباب فلم يكن يجروء أحدهم أن يعصي لها أمر فبيدها أن تربطه يوم زفافه و حينها سيدور في كل أقطار الأرض ليبحث عن من يحله و يعيد له رجولته !!
و يقال أن أحدهم-بعدها بسنوات و عندما كبرت إحدي بناتها-قالت له :
ما تحاولش هتتجوزها يعني هتتجوزها !!
متبوعة بنظراتها الجهنمية و ضحكتها الباردة المخيفة !
يقال أن هذا الشخص لم يبت ليلته في بيته و سافر إلى القاهرة ومنها جهز أوراقه ودار في مجموعة من الدول العربية و لم يعد للقرية إلا بعد أن صادت لإبنتها عريس !!
...
و يقال أيضا أنها ذات يوم أوقفت أبو الأمجاد زعيتر وسألته :تغالبني يا مجد زي ما بتغالب الإنجليز ؟
و ضحكت ضحكتها الباردة المخيفة !
كان أبو الأمجاد هذا ليس ضخم الجسم و لكنه كان قوي،كان في أواخر الثلاثينيات، كان مثله مثل كثيرين من أهل القرية يسافر إلى الصعيد و يعمل عند الخواجة،و لكنه عندما إنتقل إلى البحيرة ليعمل هناك كان يهوى مغالبة(مصارعة) الإنجليز، فكان هو وإخوانه عندما يمر عليهم الجنود الإنجليز يهتفوا عليهم و يشيروا لهم بالأيادي أن تعالوا و يقولوا فايت فايت..يا ولاد التيران !!
و يأتي الجنود مهلليين فيبدوا أن منهم من سأم السياسة وأطماع الحكومات و الأشخاص الحاكمين، التي تلقيهم في أماكن ما كان أبدا ليخطر على بالهم أن يكونوا فيها،و تدفنهم في حروب لا يعلمون من أجل ماذا يخوضونها !!
كان كل فريق يقف صف في مواجهة الفريق الأخر،و كان دوما أبو الأمجاد يبدأ،فينزل هو الساحة وسط الفريقين و ينزل في مقابله جندي إنجليزي،فيهجم أبو الأمجاد على الجندي ويحيطه بذراعيه ثم يقوم برجه ويميل به مرة ناحية اليمين و مرة ناحية اليسار ليعلم أي الجانبين أسهل في إيقاعه ثم يوقعه على الأرض !! و يقوم بالتهليل رفاق أبو الأمجاد..و أيضا الجنود الإنجليز..فيبدو أنهم يشجعون الأقوى حتى لو لم يكن منهم !!
و يستمر أبو الأمجاد في إيقاعهم واحد بعد الأخر وسط الصيحات و التهليلات من الفريقين،حتى إذا أصابه التعب وكاد أحد الجنود الإنجليز أن يوقعه أرضا نزل لمساعدته أحد رفاقه و ساعتها ينزل أحد الجنود الإنجليز تلقائيا و كلما نزل واحد نزل في مقابله جندي،فهذا هو قانون اللعبة !!..و لكن الجميل أنهم كانوا ينصرف كلا منهم و هو يضحك من كل قلبه !
...
ربما أسهل شئ على أمثالها هو أذية الأطفال !!فعندما أصاب ذلك الطفل حالة غريبة جعلته يكره المدرسة و يكره كل شئ ، علموا أنها هي السبب فالأكيد أنها عملت له عمل كي تنتقم من أبيه الذي كان- رغم خوفه أحيانا !- يعارضها !!
و عندما ذهبت به إحدى قريباته العالمات بهذه الأمور الى إحدي المشايخ-و كانت سيدة- لم يرعبه ما رءاه، بل كان يفتح عينيه عن أخرهما ليرى أكثر،فلم يرعبه منظر الشيخة منكوشة الشعر و قد إرتدت جلباب أبيض يشبه الكفن-الذي كان يراه و هو يتلصص من بين الناس عندما يقومون بدفن ميت أثناء إنزاله لقبره-و قد تطاير من القصعة التي أمامها دخان كثيف ملأ الحجرة الضيقة شبه المعتمة التي لا يرى فيها بوضوح إلا حُمرة شعرها الطويل الذي صبغته بالحناء !!
...عندما إجتمع مع رفاقه الصغار في المدرسة مرة أخرى حاول أن يكرر عليهم الكلمات التي سمعها من الشيخة و لكنه لم يستطع،حاول أن يتذكر الكلمات التي كتبتها الشيخة بحبر أحمر كالدم على ورقة بيضاء-و سرقها هو من أمه الطيبة !- و أمرت أن تُنقع في ماء و يستحم بها و سيزول السحر الذي لبسه و يعود لمدرسته مرة أخرى، و لكنه أيضا فشل أن يتذكر الكلمات !
و لكن ما أضحكه هو و زملاءه الصغار حتى الثمالة هو أنه كان قد إستبدل (حجاب) الشيخة بورقة أخرى من تأليفه،و نقعتها أمه في الماء دون أن تلاحظ،ثم في اليوم التالي عندما أخبرها أنه يريد أن يستحم- و ابتهجت أمه لهذا كثيرا !- أعطته سطل الماء و قد لاحظ أن الـ(حجاب) قد ذاب فيه و إنتشر على سطح السطل ، لم يعترض و أخذ السطل و أول شئ فعله بعدما دخل الحمام هو أن قام بسكب السطل بمحتوياته في الحمام !!
و عندما ضحك زملاءه وقالوا له :
بس مش ده هو الـ(حجاب) اللي انت كتبته بإيدك ؟ ما استحمتش بيه ليه ؟
رد عليهم و هو يضحك- مثلما يضحك عندما يرى أمه و هي تنظر إليه و تدعو للشيخة التي حلت سحره !- :
ما هو أنا زي الشيخة !!
عاوز بس جلابية بيضة و أحني شعري !!
...
ربما صغيري هذا لن يفهم أبدا أي شئ من هذا،أو من الكثير الذي قد أضيفه إليه، إذا أجبته على سؤاله عندما سألني و هو ينظر بخوف و إستغراب لتلك العجوزالشمطاء حافية القدمين سوداء الوجة و قد سار من خلفها الأولاد يقذفونها بالحجارة :هي عاملة كدة لية ؟!
...
....
رجعتنا ايام زمان رغم ان الربط والسحر مازال موجود الى الان
ردحذفقصة رائعة
تسلم ايدك
مع خالص تحياتى
تحيرنى احيانا كثيرة فلسفتك يا احمد
ردحذفتحياتى الى فكرك الخصب
منتظر جديدك
حلوة و استمتعت بيها
ردحذفمستنية جديدك دايما
سلامي و تحياتي
يولد الاطفال شجعان ...ونحن من نزرع فيهم بذرة الخوف .
ردحذفجميله قصتك احمد ...تخفي بين اسطرها الكثير من العبر و بحاجه لاعادة القراءه اكثر من مره !
القصة رهيبه فيها ابعاد كتير
ردحذفالقرى دايما ولان الناس عارفين بعض بتكون فيه حجايات كتييييير داخله فى بعضها
اسلوبك جميل وشيق
دمت بخير
لم اكن اقرا كنت اشاهد فلم...انت بارع في سرد الاحداث.....تكتب بنظرة مخرج........تحياتي لك..........كنت هنا
ردحذفجميلة اووووووووووى القصة يا احمد
ردحذفوأسلوبك رائع
تحس أنك رجعتنا لسنين كتير اوووووى ورا
بحييك على أفكارك وفى إنتظار جديدك
دمت بخير:))))
ما هو أنا زي الشيخة !!
ردحذفعاوز بس جلابية بيضة و أحني شعري !!
القصة جميلة جدا
قصة ممتعة جدا و طريقة سردها مبهر
ردحذفرائع يا صديقي
صباح الغاردينيا احمد
ردحذفكـ العادة لك أسلوبك الرائع في الطرح
وكفانا الله شر السحر والسحرة"
؛؛
؛
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
reemaas
القصة هايلة و أسلوب الكتابة ممتع
ردحذفأعاذنا الله وإيكم من الأعمال المضرة .. قصة فعلا هادفة ومهمة لكثيرين أن يعرفوا كيف ينجون من شرها سلمت الأنامل
ردحذف