حقيقة أن هؤلاء الممثلون ما هم إلا مجرد أشخاص يقومون بأداء أدوار مكتوبة
قد تفسد علينا متعة مشاهدة الفيلم ولا ينقذنا من هذا إلا عبقرية الممثل عندما
يجعلك تؤمن بكل عقلك و عواطفك و جوارحك أن هذا ليس تمثيل بل واقع و حقيقة!!
تعلق بذاكرتي-رغم اني نّساءه !- بعض المشاهد
أو الحوارات من بعض الافلام و أجد فيها حكمة أو وقفة أو لحظة إبداع تمثيلية تخطت
واقعية الواقع الظاهر فأضافت إليه إنعكاسه الداخلي الباطن أيضا فشع كالشمس بدلا من
إشعاعه كالنجوم...
تلك المشاهد الصامتة أو المرتكزة على
تعبيرات العينين أو حركة الرموش أو الشفايف أو اليدين..الخ,أو تلك الحوارات
الصاخبة بعصبية متقنة أو الساكنة بهدوء و سيطرة قوية..من تلك المشاهد التي لعبت
فيها العينان و حركة الشفاة دور كبير-بل أنها كانت الدور كله- مشهدين في فيلمين
مختلفين و لكن يجمع بينهما أنهما نظرتان ترسمان وجع و ألم و مرارة الحرمان و
الحاجة.
المشهد الأول من فيلم شفيقة و متولي عندما تذهب
شفيقة- وتلعب دورها سعاد حسني- الى المولد و جيوبها خاوية وتنظر كالمهووسة الي
المعروض من الملابس و الحلي الذي يصعب عليها ارتداؤه حتى و لو في الحلم,تدور
نظراتها كالمجذوبة أو كالتي ندهتها النداهة فهي تسير خلف صوت لا يسمعه أحد الا هي
وحدها، و تطيعه في كل أوامره إن أمرها ابتسمت
و ان نهاها وجلت و ان نهرها استكانت،
و تصل القمة عندما تتوقف عيناها على صنية البسبوسة
المغرية التي ربما لم تذوقها طوال حياتها وهنا تأتي حركة الكاميرا بالتبادل بين
صنية البسبوسة التي يقطعها الحلواني بسكينة و بين حركة شفتيها و نظرات عينيها
اللتان رسمتا ما لم نسمع عنه من حرمان.
و ينتهي المشهد بأن ترتدع لسطوة فقرها فتخفض
عينيها و تكمل رحلة عذاب تكتوي فيها عيناها برؤية ما لا تستطيع الحصول عليه أو حتى
لمسه بيديها
.....
المشهد الثاني من فيلم الارض و أظنه أروع من مشهد شفيقة.
عندما يذهب دياب-علي الشريف- لتوصيل أخيه محمد أفندي-حمدي أحمد- الى محطة القطار, قاطعا
ذلك المشوار الطويل جريا حافي القدمين في قيظ الظهيرة على الطريق الملتهبة خلف
الحمار الذي يركبه أخوه محمد أفندي، و يدور بينهما حوار يلخص ما يعيشه دياب و ما
يملكه من أمر نفسه في هذه الدنيا إذ يدور بينه و بين أخيه محمد أفندي هذا الحوار :
يبدأه دياب مستعجبا من شدة الحر
- يا سلام ،حر اية دة !!
هي السكة مولعة كدة لية !!
- فيرد محمد أفندي : حاسب على نفسك يا واد يا دياب دا احنا هنجوزك أول ما نبيع القطن
-فيعقب دياب : لكن نستنى القطن لية؟ هي قلة فلوس،ما
البركة فيك برضة ..ثم يكمل:
و هتجوزني مين بقى؟
- فيرد محمد افندي :اية رأيك يا واد يا دياب في بت الشيخ
يوسف ؟
- فيرد دياب : يهوه !! ما تجوزنيش لية بت أبويا سويلم؟!
وصيفة مالها ؟ ما تخطبلي وصيفة !!
..و كأن محمد أفندي لم يسمع،فهو لا يسمع الا عندما
يريد!!..و يمرا من على الكوبري الحديد و يعيد دياب تكرار كلمات التعجب :
- ياهه حر اية ده !!
هي السكة مولعة كدة لية !
الشمس مولعة الكبري كدة لية يا محمد أفندي ؟!!
و عندما يصلا المحطة يتوقف دياب بنظره و روحه و
كل كيانه على أقراص الطعمية التي ترقص ألما في بحر من الزيت المغلي،
حتى أنه لم يكن
ينظر لمحمد أفندي أخيه و هو يودعه و يوصيه على أمه و على الأرض،
و تتنواب الكاميرا
نقل مشهد الطعمية و مشهد شفتيه و هو يبتلع ريقه ببطء كأنه يأكل الطعمية بالنظر و
عينيه اللتان لما تتركا شيئا من الحرمان إلا و قد رسمتاه في هذه النظرة.
......
..............
بعيدا عن السينما و مشهد رأيته في الشارع و لم أجد له أي صورة تناسبه،فانني أعادي الدنيا بكل مافيها و أقتل حزنا عندما
أرى البؤس يضحك بسخرية في نظرة سيدة عجوز..تلك النظرة التي تقسم لك بأنك لم تعش
لحظة بؤس مثلها مهما أعتقدت،و تكتشف أنت أنك لم تذق طعم البؤس قط مهما إدعيت..
سهل أن توزع على كل فرد من البشرية سنوات تعاسة،صعب أن توزع على عشرة أفراد خمس ثوان من السعادة الحقيقية..
سهل أن توزع على كل فرد من البشرية سنوات تعاسة،صعب أن توزع على عشرة أفراد خمس ثوان من السعادة الحقيقية..
فعلا قد تغيب كل الكلمات أحيانا أمام نظرة واحدة تعني الكثير ..
ردحذفموضوع جميل جدا و معبر أوى و مشاهد فعلا غاية فى الدقة و الابداع
تحيتي..
أشكرك Ema على مرورك الذي يسعدني و يشرفني..و أشكرك على تعليقك المشجع.. كل الشكر و التحية.
ردحذفمساء الخير أحمد
ردحذفمدونتك جميله و أسلوبك كمان ممتع أوي
البوست عجبني جداً الصور و كلامك و الفكره نفسها مميزه للغايه.
في نظرات بتقول أكتر بكتير من أي كلام..بتلمسك و بتحسها أكتر من أي حكي...بس في نظرات كمان فارغه..أعتقد بتعتمد على الإحساس.
متوفق دائماً يا رب
:)
مساء الامل دكتورة شيرين،أشكرك على مرورك الذي شرفني و أسعدني جدا،و على تعليقك الذي أعتز به..و بالتوفيق لنا جميعا بإذن الله..كل الشكر و التحية.
ردحذفمشاهد من الحياة نعيشها كالافلام .....
ردحذفولكن احب عن نفسى ان اعيش اللحظات الجميلة فى الافلام ......
تسلم ايديك ....
جميلة عبارتك مشاهد من الحياة نعيشها كالأفلام..هذه هي أول تدوينة في سحر السيما و أكيد بعد كدة هيكون في لحظات جميلة في تدوينات تالية بإذن الله..كل الشكر و التحية
حذفبوست مميزة جدا جدا
ردحذفآلمتني جدا الفقرة الأخيرة:
.تلك النظرة التي تقسم لك بأنك لم تعش لحظة بؤس مثلها مهما أعتقدت،و تكتشف أنت أنك لم تذق طعم البؤس قط مهما إدعيت..
فعلا شيء جميل .. ابدعت
أشكرك على كلماتك اللطيفة،و اتمنى أن أستطيع ان انشر كل ثلاثاء تدوينة عن السينما و اتمنى ان تلقى القبول مثل هذه التدوينة..أشكرك
حذفعجبتني التدوينة دي جدا جدا جداااااااااااا
ردحذفربما لأنني مثلك أعشق السينما وربما لإختيارك الرائع لمشاهد لا تنسى
على فكرة تنفع تبقى ناقد سينمائي كويس قوي D:
بالتوفيق دايما