الأحد، يوليو 14، 2013

بيني وبين صديقي (1)

بيني وبين صديقي الشاعر العراقي الكبير رياض شلال المحمدي جدالات شعرية كثيرة، صحيح أنني لا أقارن به بأي صورة من الصور، ولكنه بسمو خلقه وتواضعه يحاول أن يشعرني أنني أوازيه، وهذه هي سمة العظماء.
هذه صورة من صور مجادلاتنا تلك، وتبدأ بقوله يليه ردي.

بُلغةُ البُلبلِ في رشفِ الخميلةْ

واقتناصِ العِـطرِ من وحـي الأخيلةْ

غَرِداً يبذرُ ألحانَ التداني

ليس ينسى كيف تنساب الفضيلةْ

حين وافاه من الليلِ مَـقاماً

ذاكــراً عهدَ معانيـــه الجميـــلةْ

أو طلولاً من أحيباب المباني

وجـناسـاً حامــلاً عُرْفَ القبيلةْ

راح يرقى سائلاً ظِلّ المغاني

أهــنا يتركُ محــبوبٌ خـليــــلة ؟

أهنا يطعن شـــكٌّ بيقيني

يتبـنّى طيفَ أحـــلامٍ هزيـــلةْ ؟

ليس في قلبي جفاءٌ أو عزوفٌ

إنّــما قِــلّةُ آمـــــالٍ وحــيلةْ

يا ابنَ جنبي ساء لبّي عادياتٌ

من زمــــانٍ من أياديه الطويلةْ

وانحسارُ الرَبْعِ عن كـلّ ربيعٍ

راثـياً زهــوي وما أرساه جيلهْ
...................
وهذا كان ردي عليه:
..
يا مُنشدُ والرَوحُ للروح ِزميلة ْ
مَرْسَى الفؤادِ بشواطيك الرَمِيلةْ

لما الرثاء وهذي أعْرَاسُ المحبة
تزدَهي ألََقـَاً كالغيدِ بعيون كَحيلة

فالزهوُ بَاق، وإن تَغَشَّاه سحابٌ،
من عَون فـَيْض أيَادينا المُعيلة

فهَا صِدقُ اليَقين يَصُوغهُ الفكرُ
والشَكُ مَبدأه بأذيال الوَسيلة

واللبُ يَعْرض ما يُعَاني ليَبْرَأ
والروحُ تَسْكُن لكل عَاطفة أصيلة

تـَرْك الرَذائِل والنـَوايا مُقبلة
أولىَ الخَطَاوي لأعْتـَاب الفضيلة

فما جَفا الثـَاوي بين الجَوانِح
أو عَزَفَ عن نثر مَودَّتِه الصَقيلة

وما تـَرَكَ المُخَاطـَبُ وجْهَة دَربه
ولا الأحْلامُ بَائت بنـَكبَاتٍ ثـَقيلةْ

وما المَرَابعُ تُهَتـَّكُ زَهْرها أزْمَان
وأجْيَاشُ المَحَبة علىَ الزَوْدِ كَفيلةْ.
...
وأخرى قال:
تخيّر منطقي جملاً وثيره

يجمّـل في معانينا الكســـيره

تمنطق بالوفاء بلا رتوشٍ

ليرشف كؤوس الماضي الغزيره

فما ملك البيان سوايَ صبا

لــه طربٌ وأنـــات وفــيــــره

...
وكان ردي عليه:

قيلَ الحَيَاةُ لُحَيظات قَصيرَةْ
تَعْفِ الجَنانَ أمَاني كَثيرةْ

غَزَتْها الرَوحُ صَامِدةُ الحَنايَا
رَيا العَوَاطِف تَصْحَبها مُغيرَةْ

ثَمِلٌ تَجَاذبَ والأقـْمَار حَديثهُ
شُرْفاته ضَاءت بنجْمَات زهيرَةْ

عَروسُ الجن أشْفـَقـَهَا هــَواهُ
والحُورُ مَالت لمَرَابعِكُم مُشيرَةْ

تغـَنـَّى والقيثـَارُ يُعَادي عَزْفَه
فلحْنُه والوَتَرُ لأيْاديكُم أسيـرة

فهذا الصَبُ مَوْصُول شَدَاهُ
بوَقـْع أنْغام لأحْرُفِكُم مُنيرَةْ
.......
فكان تعقيبه:
فيا لغة الشباب إليك عني

فــأيامي ولو قصرت مــطــيره

ويا لغة العتاب تجـنّـبـيـنـا

فما لي غير أضـــواءٍ يســــيره

إذا حاز الجمال هــزار شعر

تــخـلت عــنه أخيلة الأمـــيره

ولو قتل الربيعَ غرابُ بينٍ

تـنـاهـت حـوله هــمم العـشــيره !

وبا القُـدّاس لا القدس ابتهاج

وبالأوهـــام تكتــمل المـســــيره !

مصائر ضيعوها ثمّ جاؤا

مــوائــد للمتاهي مـســتــديــــره

فــلا المــأجور يستخذي بذوقٍ

وقــد حــزّ المــدى الواهي ضـميره

ولا صان الحمى قلبٌ ضعيف

ولا بـصــرٌ هنالك لا بـصــيــــره

تمنىّ أن يرى المزن الغوادي

ولكن لــم يــذق يومــا قـطــيــــره

يقلب بالأسرّة في هيامٍ

ويـسـلو الســرّ من وحي السريره

يبيع الورد حباً بالغواني

فـمــا عرف الدجى أبـــداً نظيره
وكان تعقيبي :
حُروفُكم على البَوح قديرَة
رفـْقا بشَادٍ مَنابعه ضريرَة

تَغـَنََّى في الأوائل إذ تـَغـَنَّى
بنِعـَمٍ من أيَاديكـُم غـَزيـرَة

برَوض الشِعر يَحبوُ قريضُهُ
ومَكانه بين النـُبْتِ الغريرَة

ودُر قريضكم إن قيلت لمَرة
عَرَجت إلى أعَاليهَا سَفيرَة

حَشَانا سَوءات الجُحودِ فإنَّها
تـَغـْدو بشَرَّها النفسُ فـَقيرَة

أفـْضَالـُكم والشُكرُ لا يُجْزل
أعَمَّتـْنـَا وإلى الأبد دَريرَة

عَجبتُ لأهل الضيم مَنامهُم
وكيف تَبيتُ أعْينهُم قَريرَة

نَشَدتُ العَدل حينَ وصَالِكم
وحين الذكر بجُموع غَفيرَة

فبُحتُ بكل إحْسَان عُطيتُه
وحُب أبصَارُهم عَنهُ حَسيرَة

بذي المَعارك والربَاط  فريضَة
تـُسْتدْعى كل مَكْرمة شَهيرَة

فزَادت عن حِمَانا سَواعدٌ
قالوا صُمودها بئس الجَريرَة

قـُلـُوبٌ مَا ضَامـَت وفـُـوداً
ولا ضَعـُفـَت بأقـْدَار يَسيرَة

اجَالـُنا بيد البَاري مُنْشيهَا
ونفوسُنا بأبوابهِ مُستجيرَة

فإنْ فـَرَّقتنا دروبُ الكـَون
وحُدودهُ وكُل مَطلـَبة عَسيرَة

رَبَّنا وأنتَ العَاطي فأجْمَعنا
بأعْلىَ جناتِك بقلوب قـَريرْة
.