الأربعاء، يونيو 20، 2012

ألف ليلة في 30 يوم


إعتدنا أن نرى شهريار مسترخيا على الفراش مصغيا لشهرزاد التي حكت له كل حواديت الدنيا ليلة بعد ليلة لتؤخر قبلة سيف مسرور لرقبتها,الأن جاء دور شهريار ليحكي ليس لأن أحد يهدده بالقتل و لكن لأنه إن صمت سيموت !!

      ولذلك كانت ألف ليلة في 30 يوم !!،ففي خلال هذه الثلاثون يوم أريد أن أكتب كل يوم قصة أو حكاية،قد يكون هذا مستحيل على قاص محترف،و لكنه قد يكون سهل على قاص هاو،فالقاص المحترف لن يرضى بأقل من مستوى معين من الحبكة و الاتقان،أما أنا فسأشعر بنصر عظيم إن استطعت و لمدة هذه الثلاثون يوم أن أجد يوميا فكرة جيدة لقصة قصيرة حتى وان كان مستواها في الصياغة و الاتقان السردي و الحبكة ضعيف،فإن استطعت هذا الان فلربما لاحقا استطعت اعادة صياغة كل هذا بشكل و احترافية تساوي جودة الفكرة...ربما من السهل أن تكون تدويناتي في نواحي مختلفة فهذا أسهل،و قد جربت خلال الاسبوع الماض التدوين اليومي-و في أيام كنت أنشر مرتين-فنشرت شعر فصحى و عامي و نشرت في السياسة و أخيرا في الفن،و لكن فكرة ألف ليلة في 30 يوم أبت إلا أن تكون قصص قصيرة أو حكايات سردية !!
و هذه هي المحاولة الاولى و أرجو أن تنال قبولكم
ادعوا لي بالتوفيق، و فقكم الله جميعا.

..................
     
                       حكاية صاصا و السر الخطير
      في ذاك الزمان السحيق و في تلك القرية البسيطة النائمة على ضفاف بحيرة البرلس كان مجرد المغادرة خارج القرية الى أي مكان و لو ساعة واحدة يساوي رحلة حول العالم,فالعين التي أعتادت على رؤية البيوت الطينية ذات الطابق الواحد و التي يبعد أحدها عن الأخر مسيرة ساعة ستجن عندما ترى خمسة بيوت متجاورة مبنية بالطوب الأحمر و واجهاتها مطلية بالجير الأبيض,و تخيلها لو رأت عمارة ؟!!

     جميع أطفال القرية يتذكرون ذلك اليوم,عندما كانوا يلعبون تحت شجرة الجميز الواقعة بوسط القرية في طراوة عصر من أيام الصيف,تلك الأيام التي يجتمع فيها معظم أهل القرية في بيوتهم بعد عودتهم من موسم الزراعة الذي يقضونه في الصعيد,و لا يجدون ما يفعلونه الا التجمع في ظل حائط أو تحت ظلال نخلة أو شجرة جميز و يلعبون السيجة أو الطاب طيلة النهار,و يعيدون الكرة كل يوم حتى ينقضي الصيف و يعود موسم الزراعة و يغادر أغلب رجال البلد و لا يتركوا إلا النساء و الأطفال و الشيوخ العجائز لتنقضي أيامهم في تشابه لم يملوه لأن معظم كان يعتقد أن هذه هي الدنيا و ليس فيها شئ أخر..
     كانوا يلعبون تحت الجميزة لعبة الشبارة عندما لمحوا على البعد مصطفى-او صاصا كما يدعونه-و هو قادم في اتجاههم بعد غيبة طويلة، ولكن على غير عادته كان يمشي باتزان و هدوء يتنافى تماما مع حقيقة سنه التي لم تتجاوز السابعة,و تتنافى تماما أيضا مع طريقة قدومه المعتادة التي كانت تشبه هجوم التتار على مصر,فقد كان دوما عندما يقترب من مكان اللعب كان يجري بأقصى سرعته و قدماه الصغيرتان الحافيتان تغوصان في الرمال الناعمة مثيرة من حوله بعض الأتربة القليلة, حتى يصل الى تجمع الأولاد و قد احمرت و جنتاه و سالت عليها بعض حبات العرق و يقول و انفاسه تتسارع : فيها يا أفسيها !!,و فوق كل هذا فق غاب عنهم اسبوع,ألم يشتاق إليهم حتى يسير بهذه الطريقة التي ربما اعتقد بعضهم نتيجة لها أنه ربما مريض أو رجليه متعورة..أو قد لا يكمل الطريق اليهم و يعود أدراجه من حيث جاء!!، لذلك ذهل جميع الأولاد عندما رأوه بهذا الشكل و وقف الجميع و سهوا عن اللعب و بدأوا يحدقوا فيه و هو قادم باتجاههم ماشيا الهويني,و ربما هذا كان أخف ما رأوه فعندما أقترب أكثر كاد بعضهم يجن تماما... فصاصا كان يرتدي حذاء !!!
    
    كان صاصا قد غادر القرية من اسبوع متجها مع أبيه و أمه و أخته الصغرى عفاف و أخيه الرضيع حسن الى طنطا في زيارة لخاله الذي يسكن هناك منذ سنين بعد أن غادر القرية و هناك فتحها ربنا عليه من وسع,كان صاصا ينتظر هذه الزيارة منذ قرون و كان قبل و بعد كل وجبة يسأل أمه :
 هنروح عند خالي امتى يا امه ؟
و في الصباح يصحو و على طرف لسانه السؤال الذي كان كل ليلة يحلم بإجابته :
 هنركب عربية و احنا رايحين عند خالي ؟!
 كل هذه الأسئلة لم تكن تقلقه بقدر ما كانت تقلق أصدقاءه الصغار الذين كانوا جميعا قد بدأوا يغاروا منه,بل لقد بدأ البعض منهم يكرهوه !!
   عرفوا أنه غادر عندما تأخر في حضوره صباحا الى مقرهم المعتاد،تجادلوا، فمنهم من قال أنه أكيد راحت عليه نومه و زمانه جاي، و كأن هذا ما يتمنى، لأن فكرة انه في طريقة الأن الى طنطا كانت تقتله!!،و منهم من أكد انه راح عند خاله و أنه قد رءاه الصبح بدري خالص و هو يغادر،رغم أن صاحبنا هذا لم يستيقظ إلا من نصف ساعة فقط و مازالت عينه يملأها العماص!!،و لكنهم في الأخير و بعد جدالهم الطويل أتفقوا أن يذهبوا لبيته و يسألوا،و بالفعل ذهبوا و هناك تأكدوا أنه بالفعل قد ذهب عند خاله في طنطا فقد أخبرهم بذلك جده بكلمات تخللت شتائمه التي تحذرهم بالضرب إن لم يغوروا في داهية و يلعبوا بعيد !!
       و بعد اسبوع من تكهناتهم بما يفعله صاصا الأن عند خاله،و تأكيد البعض بأنه حتما يأكل طعمية كل يوم،و ربما مشى على الأسفلت الأسود،و هذه الفكرة بالذات أراحت بعضهم جدا فربما لسعه الأسفلت و أحرق قدميه الحافيتين!!،لذلك عندما كان ذلك اليوم الذي عاد فيه و رأوه قادما باتجاههم بهذه الهيئة تسمر الجميع مكانه في صمت و تسمروا أكثر وكاد بعضهم يفقد و عيه من الجنون عندما دنى صاصا منهم و وقف وسطهم و قال : مساء الخير !!
       بعد امتصاص كل تلك الصدمات التي كادت تميت أرواحهم الرقيقة أو تُذهب عقولهم الغضة انتظروا صاصا يبدأ بالكلام فيبدوا انهم جميعا قد نسوا كل الكلمات،و لكن صاصا وقف وسطهم صامتا كملك تحوطه الحاشية متباهيا بنظراته و حركة رأسه بالتاج-الكوتشي-الذي يرتديه في قدميه،و لكن و لأن الصمت طال،بدأ أحدهم يتذكر الكلمات و نطق على استحياء كأنه يخاطب شخص غريب يراه لأول مره :
إزيك يا صاصا !!
كانت الكلمات تقول انهم أصدقلء مقربين و لكن الاسلوب كان يقول غير ذلك!!
إلتفت إليه صاصا بوقار و إستعلاء وقال :
إزيك يا سُمع(دلع إسماعيل) !!
و ابتسم الولد من قلبه فصاصا مازال يتذكره !!
و هنا ابتسم صاصا كعادته و قال :
ازيكو يا ولاد !!
و هنا تحرر كل الاطفال من القيد الذي كان يكبلهم،إنه صاصا قد عاد لقواعده سالما !!
 التف حوله الاطفال هذه المرة بلا خوف فقد تأكدوا انه صاصا بروحه بعد أن اعتقدوا انه شخص أخر يشببه،انهالوا عليه بسيل من الأسئلة ولكنه لم يجيب فقد كان يبدو جليا أن هناك أمر خطير يود البوح به،و لا يستطيع ان يقاوم البوح به و لكنه ربما يحاول أن يتمالك نفسه حتى يدفعوا من حيرتهم ثمن هذا السر،قال :
..عارفين !!..و صمت!!
قال الأولاد :
عارفين أية؟!
فرد صاصا :
بس أنا عارف انكم مش هتصدقوا !!
فقال أحدهم :
قول بس !!
فرد صاصا :
لا لا..أنا أصلا عارف انكم مش هتصدقوا يبقى أقول لية ؟!
قال بعضه في صوت واحد :
هنصدق هنصدق..قول و النبي !!
و يلاوع مرة أخرى :
لا لا..بلاش أحسن،أصل أصلكم أصلا مش هتصدقوا !!
و بدأوا جميعا في محايلة و لستجداء جماعي :
و النبي لتقول،و الله هنصدق،قول بس يا أخي قول !!
و يردد هو : أصلكم أصلا مش هتصدقوا !!
..و بعد ما يقارب الساعة ألقى صاصا قنبلته التي صنعت منه هذا الشخص :
....
 ......
عارفكم مش هتصدقوا...أنا اتكلمت في التليفون !!

هناك 10 تعليقات:

  1. فكرة توحيد نوعية التدوين،، حلوة
    وأنا برضو قررت إنها تكون عندي في الغالب أدب
    قصص خواطر شعر،، زي ما تكون بقى،

    عندنا صاصا كتير في حياتنا
    سواء ساسة او فنانين أو اعلامين او حتى ناس عادية
    بيعملوا هالة من الاهمية حوليهم،، وفي الاخر
    بــــــــــخ،،، بداية موفقة :)

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك على مرورك الذي أسعدني،و على تعليقك الجميل الذي حفزني و شجعني،و بالتوفيق في تدويناتك اليومية بإذن الله.أشكرك

      حذف
  2. جميلة حكاية صاصا
    الأطفال بشقاوتهم نعمة جميلة أوى
    بالتوفيق ان شاء الله

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك على مرورك الذي أسعدني،و على تعليقك الجميل،و بالتوفيق لك و لكل المشاركين.أشكرك

      حذف
  3. كثير من الاشياء التي تكون بديهيه للبعض ...
    تكون مغامره مثيره لمن حرم منها ... تحيه لصاصا ولكل الاطفال المحرومين من الكثير.

    جميله العبره وبانتظار باقي الحكايات .

    ردحذف
    الردود
    1. أسعدني جدا مرورك و أسعدني تعليقك بالملمح الذي أضافه..و اتمنى أن تنال قصصي قبولكم..أشكرك

      حذف
  4. عالم تاني .. الله فعلا جميلة والسرد والمكان المتخيل رائع

    بعيدا عن المدن :))

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك أستاذة سلمى على مرورك و على تعليقك اللطيف..البعض تجتذبه المدن كالنداهة فيسير بدون أن يعلم الى أين المسير !!
      ..تحياتي

      حذف
  5. الردود
    1. أشكرك..شرفتيني بزيارتك و أسعدتيني بتعليقك..تحياتي

      حذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول