الجمعة، يونيو 22، 2012

لا مجال للحماقة !!


  لست في حاجة لأن يكون لديك جناحين كي تكون قادر على الطيران و الوصول للسماء،ببساطة لأن كل ما قد يجعلك سعيد أو حزين يوجد هنا على الأرض !!
قال لها هذه الجملة فأطرقت لأنها  أستوعبت معناها الكامن..
 ....
     تخيل زميلك ذوق أوي أوي عنك !!
قالت هذه العبارة بعد أن أصلح ما أفسده زميله الذي يصغره بخمس سنوات و الذي يعمل بالوردية النهارية،عندما أتاه مبكرا قبل موعد انتهاء ورديته لأنه كان يريد أن يذهب مبكرا للمنزل ذلك اليوم،و عندما أقترب عرف أن هناك مشكلة و بكلمات قليلة منه و ذوق و لطف كبيرين حل المشكلة في ثوان و أصلح كل شئ فنطقت هي هذه الكلمات ممتنة له و ربما لتحرق دم صاحبنا الأخر الذي ما إن قالت هذه الجملة حتى عقب عليها :
لا لا بصي الراجل ده البنات دايخين وراه و ما بيعبرش حد !! و كتير متكلمين عليه !!
 هذه المرة نطق هو  بعصبية :
محمد انت اتجننت ؟ يالا انت مش عاوز تروح !
ثم التفت للفتاة وقال :
انا أسف جدا و أرجوكي تقبلي أسفي ، هو محمد كدة بيحب الهزار
- ردت بنضج : لا ما هو فعلا واضح..شكرا على ذوقك قالتها و هي تنظر لمحمد الذي كان مبتسما كأن شيئا لم يحدث!!..معذور فمازال مراهق !!
...
في المساء و أثناء وردية عمله جاءت،ربما كانت مثلها مثل الأخريات و هي قادمة،مثل أي زبونة و لكنها عندما نظرت اليه و ابتسمت و قالت مساء الخير تعرف عليها فورا..
 كانت بملابس أخري غير التي رءاها بها أول مرة،منذ ساعات قليلة،كانت في الرابعة و العشرين...أو ربما الخامسة و العشرين رغم ملامحها الطفولية البريئة جدا،ترتدي نظارة طبية،عيناها سوداوان،أنفها دقيق و شفتاها أيضا،ملابسها أنيقة بدون بهرجة،و صوتها رقيق من تلك الاصوات التي إن نطقت بأعلى جهدها بالكاد تستطيع سماعها..
رد عليها : مساء الخير، وتبعها بابتسامة عريضة من تلك الابتسامات الجاهزة التي يوزعها أصحاب العمل على الموظفين ليستقبلوا بها الزبائن أثناء فترة العمل ثم يتركوها عندما يغادروا،كان المكان تقريبا خالي الا منهما رغم انه عادة يكون في مثل هذا الوقت مكتظ بالزبائن،كرر لها أسفه بشأن ما حدث مع محمد فقالت انها قد أتت كي لا يقوم بعمل شئ معه كعقاب أو ما شابه، و أنها غير غاضبة و انه مثل أخيها الصغير،ثم قصت عليه ما حدث و هي مبتسمة فأخبرته أن محمد قد سألها أنتي منين؟! ربما على أساس أنه يريد مصاحبتها،و لكنها ردت عليه؟ انت عندك كام سنة ؟! فقد كانت تستصغره أن يسألها هذا السؤال أو أن يكون في نيته أن يصاحبها !!،و قالت انها لم تكن غاضبة و لكن فقط الحديث تطور و أنه وصل و هو في قمته..
 فرد عليها مبتسما(ابتسامة حقيقية) :
انتي عارفة اننا مصيف و البنات بييجوا عندنا من كل مصر و محمد مراهق و أول سنة يشتغل معانا فنفسه بقى يشوف نفسه !!
فضحتك و قالت :
أكيد !!..بس مش قادر يفرق مين ينفع معاه و مين لأ !!
..لمس فيها نضج كبير عندما تحدث معها هذه الكلمات،و جدها غير متكلفة تماما و مباشرة في كلامها و عفوية..الى جانب أنها رقيقة جدا و دائمة الإبتسام،عرف بنات كثيرات في السنوات الماضية و لكن من بين كل البنات التي رءاها لم يعجبه الا بنتين فقط..و هذه قد تكون الثالثة !!..لم يكن أبدا يشده الجمال و لا ينفر من القبح فكل البنات جميلات و أقلهن جمالا يكفيها أنها تملك جمال نضارة الشباب فكونها شابة هذا يعني أنها جميلة..
أخذت طلبها و همت ان تنصرف وقالت له :
أرجوك ما تزعلش محمد الموضوع خلص و ما فيش حاجة
فرد :
ماشي !..ثم اكمل : بس بشرط !..و قبل أن تسأل هي قال :
تقوليلي انتي منين !!
ثم ابتسم ابتسامة عريضة حقيقية و ضحك،فضحكت هي بدورها فقد كان واضح أنه يمزح ثم و دعته بإبتسامة و انصرفت..
  
     كانت فترة المساء هي فترة الذروة في الشغل حتى أنه لا يستفيق الى نفسه و ينظر في الساعة الا و قد قاربت الثانية أو الثالثة فجرا، و ورديته تستمر حتى التاسعة صباحا،عادة يمر قضاء الوقت ان لم يكن هناك زبائن بسبل كثيرة أسهلها التعرف على بنت قد تقضي ساعات تتحدث معه ان لم يكن هناك زبائن..و بعضهن كن ينتظرن حتى ينصرف الزبائن و يكملوا بعدها الحديثنو كثيرات منهن كن يأتين بالشيبسي و العصائر لزوم القعدة..أو الوقفة !!..ربما فعل هذا في السنوات الماضية و لكنه و من العام الماضي كان قد تغير فيه أشياء كثيرة،فلم يعد يؤمن بنظرية تضييع الوقت مع البنات،فهذا الوقت هو حياته فلماذا يضيعه مع بنت يعلم أنه اسبوع و فقط و ستغادر و كأن شيئا لم يكن،و تمنى لو أن كل البنات يعرفن ذلك و يفهمنه جيدا أيضا..و عليه فقد كان ما يفعله عندما يخلو المكان من الزبائن هو أن يدير الكاسيت على فيروز كي تشدو و تسكره فتساعده على الاندماج في الرواية التي يحتضنها بين كفيه و يقرأ..
   في الليلة التالية أطلت عليه بابتسامتها الرقيقة،و عيونها الضاحكة و أخبرته انها كانت هنا في الصباح بعدما غادر و أنها أصبحت هي و محمد أصدقاء !!
.. كم كانت كلماتها تدل على مقدار نضجها و عقلها الجميل و روحها النقية، كم كانت رائعة و هي تتحدث بصوتها الهامس بكل عفوية و تلقائية بدون أي تمثيل مما تفعله البنات الساذجات و الذي أصبح خبير في فضحة منذ سنوات،طال بينهما الحوار و لم يقطعه إلا دخول أحد الزبائن فأنصرفت هي..
الأن اتضحت الرؤية فقد قرأت معظم إعمال ديستويفسكي !!،كما انها تعشق فيروز و فريد الأطرش..
-فريد الأطرش ؟!!
- أه ..فريد الأطرش !! 
كانت هذه الفتاة من ذلك النوع الذي يحلم بالارتباط به،ذلك النوع الذي لا يعرف كيف يصفه و لكن عندما يراه يقول هذا هو !!ربما يكون قد تمنى لو استطاع الأرتباط الرسمي بها فهذه ليست من النوع الذي تصاحبه بمفهوم الشباب وهو لا يريد ان يضيف سنوات ضائعة الى عمره،و لكنه غير قادر على الارتباط الأن الى جانب أنهما أكيد من محافظتين مختلفتين،فهو حتى الأن لا يعرف من أي مكان هي ..و لا ما هو اسمها حتى !،أما هي فالأكيد أنها تعرف عنه على الأقل اسمه ان لم يكن من محمد فمن خلال أي شخص من الزبائن الذين يعرفونه أو من أحد جيرانه في المحلات المجاورة و هو يدعوه به،و الأكيد أنها أيام قليلة و ترحل..و ربما خلال أقامتها هنا لا تأتي هنا-المحل- مرة أخرى..
  و لكنها جاءت مرات كثيرة حقا، بعضها قد يكون للاستفسار عن أشياء يعتقدها بديهية!..تكررت الحوارات بينهما التي كان لا يقطعها إلا دخول أحد الزبائن..و لكنها بعد يوم انتظرت حتى خرج الزبون،و قد كان هذا تطور لاحظه هو،..كانت جد ساحرة، كان حديثهما لا يخرج عن الحديث في الأشياء العامة مثل الموسيقى أو الادب مثلا،لكنها ذات مرة سألته :
هو انت برضة زي محمد ؟
- فقال : ازاي ؟
- قالت :
يعني انتي منين ؟! و كدة يعني !
- ضحك و قال :
يمكن كان زمان ،دلوقت البنات بتخاف مني ،البنت تحت العشرين بتقولي يا عمو ، فوق العشرين بتقولي حضرتك !!
- ضحكت و قالت :
يمكن بتبالغ !
- رد :
لأ بجد ده، انا نظرتي لحاجات كتير اتغيرت..
و قص عليها اراءه في أشياء كثيرة و كيف كان ينظر لها من عام و كيف يراها الان وأشياء من هذا القبيل....باختصار بعد هذا الحوار اعتقد تماما انه أسرها...و لكن هو ايضا ليس خارج أسرها  الأن !!
  خشي أن يحبها، و لكنه أنضج من أن يفعل ذلك، و لكنه خشي عليها هي الأخرى و لكنه فكر أيضا انها ناضجة و لن ترتكب هذه الحماقة،و تذكر تلك الفتاة التي كان يعرفها لسنوات طفلة و تناديه عمو و في العام الماضي أتت له شابة و قالت له بحبك !! و لكنه استطاع الخروج من هذا دون ان يجرحها و علمها الكثير،..اذن لا مجال للحماقات !
  سار الأمر بينهما كالمعتاد،أحاديث عادية و ان كان استطاع ان يضبط في عينيها نظرات يعرفها جيدا،هو لا يستطيع البحلقة فهو يكره هذا و ربما لو تزوج ما استطاع ان ينظر الى زوجته !!..ربما خجل !! و ربما هي فكرة في رأسه فأشد ما يخيفه هو ان يبدو وقح او ان تُضبط عينيه في محل لا يصح أن يكونا فيه..
 نالت الكثير من الصفحات في دفتر يومياته،كان يكتب شعوره و هو معها و يكتب حواراتهما و مواقفهم الطريفة و يشدد في وصف طريقة كلامها أو نظرتها.. و يشدد أيضا أنه لا مجال للحماقة !!
    نادرون جدا أولئك الذين يستطيعون إجهاض جنين الحب داخلهم قبل أن يولد.
 دون هذه العبارة في دفتر يومياته و هو يعلم تمام العلم معناها..
    
    في تلك الليلة أتت إليه ثماني مرات !!
في كل مرة بسبب غير واضح ،كان يتفهم كل شئ حتى أنه قد كره نفسه!!، كان يستطيع رؤية الكلمات في عينيها،كان يسمع الكلمات و يراها و ينطقها ،و كان يتمثل البرود و اللامبالاة..فلا مجال للحماقة!!، مهما طالت حياته لن ينسى تلك النظرة أبدا، لن ينساها بنظراتها و عيانها شبه الدامعة التي يصرخ الكلام فيها بخرس، يتعذب لينطق او ليفهمه من لديه قلب،نبرة صوتها التى برتها حرقة كتمان ما تود أن تصرخ و تقوله بأعلى صوتها..خلجات شفتيها و حركة يديها..استسلامها عندما نطق و قال :
لست في حاجة لأن يكون لديك جناحين كي تكون قادر على الطيران و الوصول للسماء،ببساطة لأن كل ما قد يجعلك سعيد أو حزين يوجد هنا على الأرض !!
..فلا مجال للأحلام عندما يفرض الواقع سطوته.
.......
في الليلة التالية كان متيقن انها لن تأتي..لن تاتي الى الأبد..فلا مجال للحماقة!!
و لكنه القى بهذه العبارة تحت قدميه عندما أقسم لنفسه أنه لو كان يركب طائرة في السماء و رءاها على الأرض لقفز اليها من السماء طالبا منها ان يكونا معا..يكونا معا بأي شكل يكونا معا للأبد..و لكن عشرة أيام و لا أسم و لا عنوان..و لا مجال للحماقة !!
....

يا غرامي كل شيء ضاع منى فنزعت الحب من قلبي و روحي
و وهبت العمر أوتاري و لحني و تغنيت فداويت جروحي
(يا زهرة في خيالي،فريد الأطرش)
..

هناك 16 تعليقًا:

  1. لا أجد ما يعبر عن احساسي بهذه التدوينة من كلمات
    احسنت يا صديقي
    دمت مبدعا

    ردحذف
  2. يا غرامي كل شيء ضاع منى فنزعت الحب من قلبي و روحي
    و وهبت العمر أوتاري و لحني و تغنيت فداويت جروحي
    ..

    وهل هناك من تستحق أن يكتب لها تلك الكلمات

    حقيقي كان للتدوين دى أثر على نفسي انت بجد أبدعت وانا فعلا استمعت مستنيه جديدك

    ردحذف
  3. واقعة جميلة
    وسرد لتفكير شاب أو نوع من الشباب
    أظهرت كيف يفكرون وكيف يحلمون


    تحيتي

    ردحذف
  4. قصة رائعة
    تسلم ايدك

    مع خالص تحياتى

    ردحذف
  5. أشكركم جميعا على مروركم الذي تشرفت به و علي تعليقاتكم المُشجعة التي أسعدتني..شكري و تحياتي و احترامي للجميع

    ردحذف
  6. جميل أوي،،

    بس لمستني أوي أوي الجملة دي

    نادرون جدا أولئك الذين يستطيعون
    إجهاض جنين الحب داخلهم قبل أن يولد.

    أبدعـــــت!

    ردحذف
    الردود
    1. تشرفت بمروك فتافيت، و أسعدني تعليقك..كل الشكر و التحية.

      حذف
  7. يعجبنى كثيرا طريقتك فى الدمج بين اللغه العربيه الفصحى والعاميه المصريه
    القصه جميله
    تقبل تحياتى وفى انتظار جديدك احمد

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك أستاذ محمد،تشرفت جدا بزيارتك،و أسعدني جدا تعليقك،و اتمنى دوما أن ينال قبولك ما أكتب..تحياتي

      حذف
  8. مساؤك هنا وسعاده استاذ احمد

    فلسفه راقية من قلمك ,,
    راق لى تواجدى هذا المساء بين احرفك وكلماتك

    ويسعدنى التواصل تقبل مرورى واعجابى بفلسفتك

    ردحذف
    الردود
    1. مساؤك ورد و ياسمين أستاذة إبتسام،شرفني مرورك و تواجدك هنا،و أسعدني تعليقك بما فيه من لطيف الكلمات،و يسعدني أكثر تواصلك و مرروك الذي يشرفني و يسعدني دوما..خالص تحياتي

      حذف
  9. احساس عالى بشكل لا يوصف

    تسلم ايدك

    تحياتى العطرة

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك كارمن، تشرفت بمرورك و اسعدني تعليقك..تحيات بلون الورد و أريج الزهور.

      حذف
  10. والله انت احبطتني يا احمد
    بس عجبتني جدا الجملة دي
    نادرون جدا أولئك الذين يستطيعون إجهاض جنين الحب داخلهم قبل أن يولد.
    دون هذه العبارة في دفتر يومياته و هو يعلم تمام العلم معناها..
    برغم صعوبتها
    تحياتي
    ولو اني مش عارفة اقول حاجةعشان الناس متقولش انها بتجامل اخوها

    ردحذف
    الردود
    1. يعني مرة أحبطك،مرة أضحكك، مرة ارفع من روحك المعنوية، و تمشي الحياة !!
      يا أختي جاملي و لا يهمك المجاملة لن تغير من المستوى الحقيقي للقصة و لكن من الممكن أن ترفع من روحي المعنوية فأحسن في المرة الجاية !!..مش أنا بس دا بوجة عام يعني !

      حذف

فضفض و قول اللي في ضميرك
مشتاق صديقك لأي قول